لَنَعْيُكَ في قلبي أمضُّ وأوجَعُ
وإن جلَّ ما يشوي الكبود ويَصْدَعُ (1)
تبينتُ في وَجْدِ النُّعاة تفجُّعاً
وزفرة محرورٍ تذيب وتلسع (2)
ولو دَوَّنوا ما بالثرى من دموعهم
لكان لها من منطق الفهم مَنْزَعُ
على أن في الإجهاش صوتاً مُمَوْسقاً
يُغَرِّدُ بالفضل العميم ويُبْدِعُ (3)
يُغرد بالخلق الرفيع كأنه
أريجُ رياضٍ بالشذا تتضوَّع (4)
كأن أصيلَ الأُنْسِ بعضُ متوعِهِ
أو النرجس الوسنان بالطَّل يَدْمَع (5)
كأن لذيذ الحلم بعض خفوته
أو الطُّهْرُ من سيما ذوي الزهد ينصع (6)
كأن رضاب المزن بعض حديثه
لأن له كفاً تَصُوْبُ وتنفع (7)
ولولا خلالٌ فجَّرُوها بنعيهم
لما احتملت أذني التوى وهو مُضْلِعُ (8)
تمثل لمحاً من خيالك ناظري
فجُسِّد في قلبي معاول تقرع (9)
رأيت حشوداً هالها يوم فقده
وكل: مُعَزّ، أو مصلّ مُشَيِّعُ
تُحْشرِجُ في الأحناء أحزان كربهم
شبيهٌ بهم يوم من الحشر أروع
تفاءلتُ بالرِّضوان من دعواتهم
فلله في أهل الصلاح مشفع
وإن الذي ينعى على الحب مُدْلجٌ
وإن الذي يُنْعَى على الخير موضع (10)
تلذذت بالأنات من بعض نعيهم
لأن جميل الذكر في النعي أشيع
ولولا قماش للمكفَّنِ شِرْعَةً
لكنتَ في بُرْدٍ من نداك تَلَفَّعُ
ولولا حَنُوطٌ من تراث محمد
لأغنى عبير منك أذكى وأسطع (11)
ألا فاعجبوا لابن العرين لطافة
وكلُّ عرينٍ بالمخافة مُسْبِعُ !!
سوى غِيْلِهم إذ كان آداب معهد
يراض عليها الشبل لا يتضعضع (12)
شمائل مجد لم ينلها تطبعاً
ولكنها إرث على النشئ يونع (13)
تسيل على الأسماع صفواً ورقة
كما انساب باللحن المجنح مقطع
تسيل نضاراً أو لجيناً كأنه
لعاب شموس ضوؤها يتشعشع (14)
تسيل كما شاء الخيال محلقاً
لها من نمير الكوثر العذب مَكْرَعُ
وتجري كما تجري الدماء بعِرْقه
لذا وجهه بالنور لألاء يسطع (15)
على أنه فوق النجوم منالها
وفي مسبح الشعري تدور وتمزع (16)
ألا إنها للظامئين لمشرع
ألا إنها للجائعين لمشبع
تبارت قوافي الشعر فيها فأطربت
وإن عظمت مأساتها والتفجُّع
فأضحكت بالبشر القصيد مُقطِّباً
كما لا مست كفاك من هو مُدْقِع
تقيس مدى الإملاق من قسماته
فيسبق لحنَ القول منك تبرعُ
وكم من قمين بالسعادة فأله
يرجَّى فضاء من رصيدك يترع (17)
فلما مضى ا لمقدور يمم وجهه
تجاه إله الفهد والله أوسع
ففقدك فقدان المؤمَّل بالجدا
وإن احتساب الأجر فيك تضرع (18)
وفيك سواد الصابرين مكثَّف
لكثرة مفؤود عليك يجدع (19)
كمثل مُحيَّاك الضحوك تضاحكت
هتون من الوسمي تهمي وتهمع (20)
على مَلْحَدٍ من بحر جودك زاخر
وما هاج بحراً صيب يتدفع (21)
سوى العلم أن الجود في اللحد هاهنا
كذا الدر في الأعماق بالغيث يُمْرِعُ (22)
ويثني على وسميه الخبت والربا
ويثني عليك البائس المضعضع (23)
ولما رأيت الموت سهماً مسدداً
مصيباً فلا ينأى وضيع وأرفع
وآجاله حتم فما عنه مهرب
ولا يتقيها ذو ترائك أدرع (24)
وأن مآل الخلق قبر ومحشر
وأن مآل الدار صمت وبلقع (25)
وأن سبيل الغابرين طريقنا
وإن ضج خِصْبُ الرحم فالأرض تبلع
وأنَّا جميعاً هالك وابن هالك
وأن الورى وِرْدُ الردى وهو مشرع (26)
وأن عزاء فيك يا فهد مورق
يفتقه طبع نقي وطيع
توطنت بالصبر الجميل تأسياً
لعلي لأشتات السلو أُجَمِّع
تفرق حزني بين قلب مهشم
وكبد تعاني غلة ليس تُنْقَعُ (27)
فهذا فراق البين لا بعد نازح
له غيبة لكن يعود ويرجع
وخير التعازي عِلْمُنا بمآلنا
فسيان مر العيش والمتمتَّع
***
أسلمانُ عُقباك التجلُّدُ حِسبةً
فذلك أجدى للسرور وأنجع (28)
وغاية من عزاك تذكير واعظ
ومثلك قوال بحذق ومسمع (29)
يعز علينا أن تلين لفادح
وأنت بأعباء الملمات أمنع
عداك الأسى ما دمت لله تفزع
لألطافه ترجو وبالصبر تدفع
وإن جلَّ مقدورٌ رمى الله سهمه
ليبلو منا فوق ما نتوقع
فيبدو مهزوز اليقين مجزَّعُ
وآخر بالإيمان والشكر يوزع
وكل فؤاد مطمئن بدينه:
تُحنِّكُهُ الأحزان لا يتكعكع
إذا ما بدت صم النوائب ظلمة
فأنت لها نجم يهد ويلمع
وأي مجال للشجا يا أميرنا
وفهد ضمير الشعب.. بل فيه مودع (30)
له في حنايانا الوفاء أمانة
ومن أجلها ذابت قلوب وأدمع
ولا زال ممتداً غروب بمشرق
إذا غيبوا نجماً فآخر يطلع