أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 7th August,2001 العدد:10540الطبعةالاولـي الثلاثاء 17 ,جمادى الاولى 1422

شعر

جميل الذكر في النعي أشيع
شعر: أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري
رثاء لصاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلمان رحمه الله، وتعزية لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز حفظه الله


لَنَعْيُكَ في قلبي أمضُّ وأوجَعُ
وإن جلَّ ما يشوي الكبود ويَصْدَعُ (1)
تبينتُ في وَجْدِ النُّعاة تفجُّعاً
وزفرة محرورٍ تذيب وتلسع (2)
ولو دَوَّنوا ما بالثرى من دموعهم
لكان لها من منطق الفهم مَنْزَعُ
على أن في الإجهاش صوتاً مُمَوْسقاً
يُغَرِّدُ بالفضل العميم ويُبْدِعُ (3)
يُغرد بالخلق الرفيع كأنه
أريجُ رياضٍ بالشذا تتضوَّع (4)
كأن أصيلَ الأُنْسِ بعضُ متوعِهِ
أو النرجس الوسنان بالطَّل يَدْمَع (5)
كأن لذيذ الحلم بعض خفوته
أو الطُّهْرُ من سيما ذوي الزهد ينصع (6)
كأن رضاب المزن بعض حديثه
لأن له كفاً تَصُوْبُ وتنفع (7)
ولولا خلالٌ فجَّرُوها بنعيهم
لما احتملت أذني التوى وهو مُضْلِعُ (8)
تمثل لمحاً من خيالك ناظري
فجُسِّد في قلبي معاول تقرع (9)
رأيت حشوداً هالها يوم فقده
وكل: مُعَزّ، أو مصلّ مُشَيِّعُ
تُحْشرِجُ في الأحناء أحزان كربهم
شبيهٌ بهم يوم من الحشر أروع
تفاءلتُ بالرِّضوان من دعواتهم
فلله في أهل الصلاح مشفع
وإن الذي ينعى على الحب مُدْلجٌ
وإن الذي يُنْعَى على الخير موضع (10)
تلذذت بالأنات من بعض نعيهم
لأن جميل الذكر في النعي أشيع
ولولا قماش للمكفَّنِ شِرْعَةً
لكنتَ في بُرْدٍ من نداك تَلَفَّعُ
ولولا حَنُوطٌ من تراث محمد
لأغنى عبير منك أذكى وأسطع (11)
ألا فاعجبوا لابن العرين لطافة
وكلُّ عرينٍ بالمخافة مُسْبِعُ !!
سوى غِيْلِهم إذ كان آداب معهد
يراض عليها الشبل لا يتضعضع (12)
شمائل مجد لم ينلها تطبعاً
ولكنها إرث على النشئ يونع (13)
تسيل على الأسماع صفواً ورقة
كما انساب باللحن المجنح مقطع
تسيل نضاراً أو لجيناً كأنه
لعاب شموس ضوؤها يتشعشع (14)
تسيل كما شاء الخيال محلقاً
لها من نمير الكوثر العذب مَكْرَعُ
وتجري كما تجري الدماء بعِرْقه
لذا وجهه بالنور لألاء يسطع (15)
على أنه فوق النجوم منالها
وفي مسبح الشعري تدور وتمزع (16)
ألا إنها للظامئين لمشرع
ألا إنها للجائعين لمشبع
تبارت قوافي الشعر فيها فأطربت
وإن عظمت مأساتها والتفجُّع
فأضحكت بالبشر القصيد مُقطِّباً
كما لا مست كفاك من هو مُدْقِع
تقيس مدى الإملاق من قسماته
فيسبق لحنَ القول منك تبرعُ
وكم من قمين بالسعادة فأله
يرجَّى فضاء من رصيدك يترع (17)
فلما مضى ا لمقدور يمم وجهه
تجاه إله الفهد والله أوسع
ففقدك فقدان المؤمَّل بالجدا
وإن احتساب الأجر فيك تضرع (18)
وفيك سواد الصابرين مكثَّف
لكثرة مفؤود عليك يجدع (19)
كمثل مُحيَّاك الضحوك تضاحكت
هتون من الوسمي تهمي وتهمع (20)
على مَلْحَدٍ من بحر جودك زاخر
وما هاج بحراً صيب يتدفع (21)
سوى العلم أن الجود في اللحد هاهنا
كذا الدر في الأعماق بالغيث يُمْرِعُ (22)
ويثني على وسميه الخبت والربا
ويثني عليك البائس المضعضع (23)
ولما رأيت الموت سهماً مسدداً
مصيباً فلا ينأى وضيع وأرفع
وآجاله حتم فما عنه مهرب
ولا يتقيها ذو ترائك أدرع (24)
وأن مآل الخلق قبر ومحشر
وأن مآل الدار صمت وبلقع (25)
وأن سبيل الغابرين طريقنا
وإن ضج خِصْبُ الرحم فالأرض تبلع
وأنَّا جميعاً هالك وابن هالك
وأن الورى وِرْدُ الردى وهو مشرع (26)
وأن عزاء فيك يا فهد مورق
يفتقه طبع نقي وطيع
توطنت بالصبر الجميل تأسياً
لعلي لأشتات السلو أُجَمِّع
تفرق حزني بين قلب مهشم
وكبد تعاني غلة ليس تُنْقَعُ (27)
فهذا فراق البين لا بعد نازح
له غيبة لكن يعود ويرجع
وخير التعازي عِلْمُنا بمآلنا
فسيان مر العيش والمتمتَّع
***
أسلمانُ عُقباك التجلُّدُ حِسبةً
فذلك أجدى للسرور وأنجع (28)
وغاية من عزاك تذكير واعظ
ومثلك قوال بحذق ومسمع (29)
يعز علينا أن تلين لفادح
وأنت بأعباء الملمات أمنع
عداك الأسى ما دمت لله تفزع
لألطافه ترجو وبالصبر تدفع
وإن جلَّ مقدورٌ رمى الله سهمه
ليبلو منا فوق ما نتوقع
فيبدو مهزوز اليقين مجزَّعُ
وآخر بالإيمان والشكر يوزع
وكل فؤاد مطمئن بدينه:
تُحنِّكُهُ الأحزان لا يتكعكع
إذا ما بدت صم النوائب ظلمة
فأنت لها نجم يهد ويلمع
وأي مجال للشجا يا أميرنا
وفهد ضمير الشعب.. بل فيه مودع (30)
له في حنايانا الوفاء أمانة
ومن أجلها ذابت قلوب وأدمع
ولا زال ممتداً غروب بمشرق
إذا غيبوا نجماً فآخر يطلع

***
* الحواشي:
(1) أمض: أشق، وأشد حزناً.. يصدع: يشق شيئاً صُلْباً.
(2) النعاة المخبرون بالموت، النادبون للميت: ببكاء عليه، وتعديد لمحاسنه،واظهار للحزن عليه.. واللسع اللدغ من ذوات الإبر من العقارب والزنابير، والمراد ها هنا التشبيه.
(3) الاجهاش أن تتوجه الى شيء متهيأً للبكاء نحوه من جراء شيء آخر.
(4) الأريج توهج الريح الطيبة، والشذا ريح المسك.. ثم توسع به لكل ريح طيبة.
(5) الأصيل منذ اصفرار الشمس إلى غروبها، وليس شيء أمتع منه في الربيع وعلى البحر والنهر.. متوعه بلوغ غايته في الظهور.. والمشبه أخلاق الفقيد رحمه الله منذ: تغرد بالفضل العميم.. والنرجس نوع من الرياحين كأن له ألحاظاً يتجمد فيها الطل ويضيء، فيشبه بالعيون والدموع كقول الشاعرة المعاصرة:
والنرجس النعسان بلله الندى..
فأضاء مثل الدمع في عينيك
(6) أي سقوط أخلاقه على النفس بهدوء كسقوط الحلم اللذيذ على النائم.
(7) تصوب: تصب.
(8) التوى بالتاء المثناة الفوقية: الهلاك، وأصله هلاك المال، ثم توسع به لكل هلاك.. مضلع شديد على التشبيه بالرجل الشديد الغليظ ذي الأضلاع القوية.
(9) المعاول جمع معول، وهو حديدة على هيئة العمود ينقر بها الصخر.
(10) مدلج على تشبيه ادمان الحب بمواصلة السير في الليل، وموضع سائر سيراً فوق الخبب.. وتوسع به لمطلق السير، وهو كناية عن الاستمرار.
(11) أذكى بمعنى أشد.. والمفضول الحنوط الذي يصنعه البشر.
(12) الغيل بيت الأسد اذا كان شجراً كثيراً ملتفاً لا شوك فيه، وأكثره من القصب والحلفاء، وهو العرين.. إلا أنه روعي في تسمية الغيل مجرى الماء.
(13) يونع بمعنى ينضج.
(14) النضار بضم النون المشددة، وبكسرها جمع الجمع، وهو اسم الذهب غلبة وان كان يطلق على الفضة.. واللجين ماء الفضة في معدنها، والتشعشع تفرق الضوء.. مأخوذ من تفرق الشعاع.
(15) لألاء متوقد بالنور.. ومن أنكر هذا المعنى من اللغويين فقد غفل عن دلالة الصيغة.
(16) قال الزبيدي في تاج العروس 7/35: «والشعرى بالكسر كوكب نير يقال له: المرزم.. يطلع بعد الجوزاء، وطلوعه في شدة الحر.. تقول العرب: اذا طلعت الشعرى جعل صاحب النخل يرى.. وهما الشعريان: العبور التي في الجوزاء.. والشعرى الغُمَيْصَاء التي في الذراع، تزعم العرب أنهما أختا سهيل.. وطلوع الشعرى على إثر طلوع الهقعة، وعبد الشعرى العَبُور طائفة من العرب في الجاهلية، ويقال: إنها عبرت السماء عرضاً، ولم يعبرها عرضاً غيرها، فأنزل الله تعالى «وأنه هو رب الشعري» (سورة النجم / 49).. وسميت الأخرى الغميصاء، لأن العرب قالت في حديثها: إنها بكت على إثر العبور حتى غمصت».. تمزع: تسرع.
(17) قمين حري، ويُتْرَعُ: يُمْلأُ.
(18) الجدا بفتح الجيم العطية.
(19) الأصل في الجدع بمعنى القطع القطع البائن، وهو هنا كناية عن تقطيع القلب ونياطه من الحزن.
(20) هتون: سحابة تصب مطرها، وتهمي: تسيل .. والهموع للعين تدمع، والسحاب يمطر، والطل يسقط.
(21) الملحد بفتح الحاء مكان اللحد وهو الشق ، ويتدفع يتوالى دفعه على مهل.
(22) يمرع يخصب، وذلك كناية عن انبات الله الدر بالمحار «الصدف» في قعر البحار بالمطر.
(23) الخبت ما اطمأن من الأرض، وأفضى إلى سعة.. ومنه ما أنبت ضروب العضاه.
(24) الترائك جمع تريكة، وهي بيضة الحديد توضع على رأس المقاتل للاتقاء بها في الحرب، وهي على التشبيه ببيضة النعام المسماة تريكة: إما لأن الفرخ تركها، واما لأنها تركت في الفلاة.. أدرع: لابس لدرع الحديد.
(25) بلقع: خلاء.
(26) الورد: القوم الواردون.
(27) الغلة: شدة العطش، ونقعها: ذهابها.
(28) أنجع: أبعد مدى في تحقيق العاقبة المطلوبة.
(29) اذا أُطلق الاسماع في معرض المدح أو الفخر فلا يراد به جهارة الصوت، وإنما المراد الأداء اللفظي البليغ، واسماع المعنى بالمقومات الفكرية والوجدانية.
(30) الشجا: الحزن.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved