أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 7th August,2001 العدد:10540الطبعةالاولـي الثلاثاء 17 ,جمادى الاولى 1422

الاقتصادية

التغلب على الجوع
د. زيد بن محمد الرماني
الجوع لفظ له عدة استعمالات ومصطلح له عدة معان، فهو يعني الفرد، كما أنه يعني البشرية بمجموعها أيضا، وهذا المظهر الاجمالي للجوع يؤلف إحدى المشاكل إن لم تكن المشكلة الرئيسية للبشرية قديما وحديثاً.
إن الجوع يمثل الدافع الذي يحث الانسان على الأكل، وهو الحاجة الى الاكل وفقاً لرأي ليتريه.
لذا، فالجوع من بين الظواهر الحياتية الأكثر صعوبة على الايضاح . ومن المناسب تمييزه عن الشهية والشبع مع أن هذه الانفعالات الثلاثة مرتبطة في الغالب، ومن الصعب فصلها في حالات اضطرابات الادخال الى المعدة.
إن تاريخ الانسانية هو الى حد كبير تاريخ البحث عن الغذاء فمنذ مرحلة اقتصاد القطاف وصيد الطيور وصيد السمك حين كانت كثافة السكان قليلة جداً كان الناس يتألمون من الجوع في طبيعة لم يكونوا من الكثرة بحيث يسيطرون عليها. واللائحة الطويلة من المجاعات التاريخية معروفة وهذه المجاعات ظواهر مأساوية الى درجة أن التاريخ يرويها بنفس عناوين الحروب والأوبئة الكبرى التي كانت تشترك معها في اغلب الأحيان.
يقول ميشال سيناد في كتاب «الجوع»: الحرب والطاعون والجوع يسيرون معاً ويلد الواحد منهم الآخر.
إن أخبار القحط والمجاعات التي يرويها المؤرخون ليست سوى الأزمات الكوارثية في صراع الانسان ضد الجوع. إن التاريخ لم يحدثنا كثيراً عن حياة أجدادنا اليومية ومعاناتهم مع الجوع والفقر وسوء التغذية والمرض ولكننا نستطيع ان نتخيلها ونعيد بناءها على ضوء الآثار التاريخية والأعمال المعاصرة.
تعلمنا دراسة المجاعات ان هذه الازمات غالباً ما تحدث في فترات معينة من السنة في البلدان التي تتميز فيها الفصول شتاء وصيفاً، جفافا ومطراً.
فليست المجاعات كمية فقط في حدود أن كمية الأطعمة يمكن ان تبقى هي نفسها بل حيث لا تحمل هذه الأطعمة العناصر القيمة التي يعتمد عليها لتجنب ما اسماه جوزيه كاسترو «الجوع النوعي».
ليس هناك من شيء حتى أكل الجيف، وأكل المواد الترابية وأكل الروث وهي الصور الأكثر فظاعة لمدوني اخبار اهوال المجاعة، لا يتيح أحياناً للجائع ان يستخرج أفضل حصيلة من غذائه الفقير.
كتب لوغوليك منذ ستين سنة: يحيا الانسان الحياة الأكثر بطالة والأكثر رتابة ويختصرها شاغل واحد: الاكل.
وألبيرسارو في «حلقة الجوع الجهنمية» يقول: لا يأكل الانسان كفاية، ذلك لأنه لا يشتغل كفاية ولكنه لا يستطيع ان يزيد شغله لأنه لا يأكل كفاية ومعنى ذلك ان الجوع ليس هو عاقبة الكسل فقط!!
إذا كان الكفاح ضد الجوع هو أقدم معركة بشرية، فإنه لم يصبح مشروع البشرية كلها الا منذ الحرب العالمية الكبرى وعلى الاكثر منذ ان انفجرت في جنيف حوالي عام 1933م وفي أروقة جمعية الأمم، أكبر فضيحة في عصرنا.
من المؤكد ان المشاكل الداخلية لتموين المدن قد عرضت للحكومات منذ أن كانت المدن والحكومات فقد نظم الفراعنة جمع الاطعمة وتخزينها، كما أن تخزين فوائض سنوات «البقرات السمان»، لاجل تمضية سنوات «البقرات العجاف» يسمى اليوم برطانة الاجتماع الدولي «عملية يوسف» عليه السلام.
لقد ادعت «المالتوسية الاقتصادية» أنها أظهرت أن اتلاف 10% من كميات القمح المقدمة الى السوق يمكن ان يمنع انخفاض 45% من دخل المنتجين الاجمالي ويجنب إثارة قضية الانحطاط الاقتصادي.
ولو أنهم كدسوا «الفوائض» في سبيل حقبات «البقرات العجاف» بدلا من ان يتلفوها، فإن نتيجة «عملية يوسف» تكون عامل توطيد مضاعف.
ولكن اذا كان لايزال يوجد «فوائض» كما يوجد عبر العالم مجاعات كل سنة تقريبا فليس من الممكن ان نوجه الى السكان الجائعين تلك الفوائض التي تهدد قدرة المنتجين الشرائية ويخشى ان تحرضهم على إتلاف الثروات المكتسبة أو على التباطؤ في الانتاج.
وحتى في غياب المجاعة المعلن عنها لا يمكن توجيه الفوائض نحو أولئك الذين ليس لديهم القدرة الشرائية الضرورية لشرائها ومنذ ان ثبت ان لتحسين الاستهلاك تأثيراً على قوة الانتاج أصبح استعمال «الفوائض» للتنمية الاقتصادية فكرة تفرض نفسها.
فاذا كانت فضيحة «الفوائض الكاسدة» من الأطعمة في عالم معظم سكانه يشكون الجوع هي بالفعل لا تحتمل فإن استعمال هذه الفوائض يسبب مشاكل صعبة. وبالفعل فإن المساعدة الغذائية مهما كانت مفيدة فإنها ليست ترياقا وينبغي أن تجري بطريقة خاصة حتى لا توهن الانتاج المحلي. إ
ن ما يلزم للتغلب على الجوع هو فلسفة اقتصادية جديدة.
وبعد: نحن مقتنعون أن بإمكان التقدم العلمي والتقني من الآن فصاعداً ان يحرر العالم من الجوع ولكننا مقتنعون أيضا أن هذا التحرير لا يمكن الا اذا حشدت المواد البشرية والبيئية غير المستغلة لخدمة تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة.
ومن ثم فإن استمرار الجوع وسوء التغذية أمر لا يحتمل أخلاقياً واجتماعياً.
* عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved