| الثقافية
أفقت لأجد نفسي على سرير في المستشفى.. الطبيب يحاول إخراج أخوالي وأمي من الغرفة ، وهم ثائرون:
انهيار عصبي؟ لماذا؟ ما السبب؟!..
تغيب أصواتهم.. وما بين الهذيان أحاول أن أتذكر ما ألم بي..
أمام سلة الصحف وقفت، وتناولت جريدتي المفضلة، وغرقت في تأمل عناوينها الجذابة (..يوقع عقداً للاحتراف مقابل آلاف لم تعلن.. العالم يخضع تحت قدمه الذهبية.. برشلونة وافتتاح لامثيل له.. يصل لدوري الكؤوس..)!!
وجدتني صاحب هذه الصورة بزيه الرياضي، والميدالية المعلقة على صدره، والأوسمة والدروع التي يكتظ بها مكتب الرياضة وهو يوقع!!. أقصد وأنا أوقع عقداً بمثل تلك القيمة.. مع آخر ورقة توقيع، انهال التصفيق، والتصفير.. أنظر إلى الجمهور من علو.. أعطيهم وعوداً.. بالنصر وتحقيق البطولات.. المصورون يتسابقون في أخذ صوري.. أوقع لبعضهم، ثم أشق الزحام نحو سيارتي الفارهة..!
لو سمحت! القراءة ممنوعة!!
خرق هذا الصوت الأجش سمعي، وأسقطني من حلمي الجميل.. الجريدة تتضاءل وتنزوي ليظهر أمامي صاحب هذا الصوت.. كالبرق حملتني قدماي خارج البقالة بعد أن مزقت الجريدة، وصفعت البائع على وجهه، وأنا أصرخ: لماذا؟.. لماذا؟..
استقبلتني سيارتي (المكركبة).. ضغطت على المحرك.. انطلقت تنهب الشوارع، وبدلاً من النظر للسيارات الخلفية في المرآة الصغيرة أخذت أتامل وجهي، نصفه العلوي، ونصفه السفلي وأستغرب من كونه حجراً جامداً لاحياة فيه بالرغم مما يصطرع بداخلي حتى أنى أشكل على من يراني فلا يعرف سعادتي من شقائي.
ü ü ü
أوووف!! لو كنت في المقدمة لما توقفت للإشارة، لكن هؤلاء الحمقى يسدون الطريق فأقف.. أنظر يمنة ويسرة فأرى فجأة صديقاً قديماً.. لقد صعب علي التعرف عليه!
يعمل هذه المناكير في شعره ووجهه! الموسيقى الصاخبة تميزه من جميع السيارات.. انه تحول غريب غريب حقاً لكني لاأزال أذكر آخر عهدٍ لي به يوم أن فرض عليَّ تصنيفه للناس، وتأطيرهم في دوائر حمراء! حتى الخيّرين منهم وبلا استثناء..!
قلت له: أنا لا أخالط الناس، ولا أحب التصنيف! أنا أريد الطريق معكم بدون مشاكل.. لم أجد جدوى فهربت.
ü ü ü
.. لماذا أتيت إلى هنا؟! انه الحي الذي يسكن فيه والدي.. تحسست قلبي لم أجد فيه حناناً! تحسست جيبي فلم أجد فيه نقوداً.. طرقت الباب علّي أحظى بأحدهما.. كالمعتاد ردت عليّ زوجته من خلف الباب وزعمت أنه غير موجود مع أن سيارته تنعم بظلال شجرةٍ وارفة.
كان هذا كفيلاً بأن أتذكر آخر مرةٍ زرته فيها، إنها في عيد الأضحى.
كان مجلسه مكتظّاً بالزائرين، وقبل أن أدخل لمحني فهرع إليَّ! ظننته سيرحب، لكنه بكل جفوةٍ قال:
هلا!. لقد أرسلت مصروفك مع خالك. ألم يعطِك إياه؟!
هززت بالإيجاب ثم أردف:
هل تريد شيئاً آخر؟! ركبت سيارتي وكلماته الأخيرة تصفعني:
.. عندي ضيوف.. لا تزعجني. اذهب. اذهب!!
السيارة تخترق الريح، والشوارع. لم أكد أجفف دموعي حتى تعطلت السيارة كعادتها.. تركتها، وصرت أتسكع على قدميَّ طويلاً، تتقاذفني الأزقة، تقرأ في وجهي علامات الشرود والغربة.. بعد مسير طويل كرهت أن أدخل هذا البيت لأنه سيزيد من ألمي، كرهت ملاقاة أمي، وأختيها المطلقتين، وجدتي العجوز وأسئلتهن..
تقتحمني من جديد أسئلة أخوالي للطبيب:
انهيار عصبي؟! لماذا؟ ماذا ينقصه؟ نحن نوفر له كل مايريد، إنه لا يشتكي من شيء! أبداً.. أبداً.
يتلاشى الصوت.. تمتد يدي بصعوبة إلى المجلة الموضوعة بجانبي.. تنزلق إلى الأرض، فأبصر وريقاتها قد انفتحت على صورة لحسناء.
أعرض عنها.. أتذكر صديقي القديم.. أتأمل الحقيقة.. أنفاسي تتلاحق، ومن النافذة تهب نسائم غريبة لم أعهدها من قبل!. لكن النوبة تأخذني فأغيب..
سمير عبدالرحمن الضامر
saldhamer@hotmail.com
|
|
|
|
|