| تحقيقات
* الرياض - تهاني الغزالي:
على الرغم من أن الزواج علاقة مقدسة طرفاها رجل وامرأة يسعيان إلى بناء حياة سعيدة قوامها المودة والرحمة، إلا أن البعض صار يتزوج بمعيار هذا الزمان الذي تحكمت فيه المصالح، بصورة أفسدت قدسية هذا الرباط بعد أن غلبوا مطامعهم الشخصية، ليحل الجشع محل الحب والحقد محل المودة خاصة إذا انتهت مصالح الطرف الطامع في تلك الزيجة.
إن حالات الزواج القائم على المصلحة ليست نادرة الحدوث، بل هي في ازدياد بسبب تغير الظروف الاقتصادية، وتعقّد شكل الحياة الاجتماعية، واختلاف معايير الزواج الكفء، بسبب كثرة المطالب المادية اللازمة لتأثيث عش الزوجية، مما حدا بالبعض إلى جعل الزواج صفقة يحقق من خلاله طموحاته ورغباته الأنانية التي لا تنم إلا عن شخصية مهزوزة، لا تحسن حساباته، ولهذا كان الفشل هو المصير المحتوم لمثل هذه الزيجات بعد إعادة الحسابات، وغالباً ما يخرج الخاسر بمرارة بعد أن يكتشف أنه قدم الكثير من التنازلات، لكن الرابح، من يتصور أنه كان رابحاً، يخرج هو الآخر بمرارة ليست أقل من الخاسر، وإليكم هذه المرارة على ألسنة ضحاياها:
فأحمد ارتبط بابنة عمه عن حب نما وترعرع بينهما منذ الصغر حين كانا يعيشان في بيت العائلة الكبير، وقد كلل هذا الحب الطاهر البريء بالزواج ولكن راتبه وقف حجر العثرة التي حرمته من اسعاد محبوبته، وعن طريق صديق له، عرف أن هناك أرملة قريبة له تحتاج إلى زوج خاصة أنها ميسورة الحال، مما أغرى أحمد بخوض تجربة الزواج من تلك الأرملة ليحصل على أموالها أو يعرف طريقة العمل الحر عندما يدير أملاكها أملاً في أن يغتني ويعود إلى زوجته التي أحبها وأحبته.
وقد تحقق حلمه وتحسنت حالته المادية بعد زواجه من تلك الأرملة، وأدخلته في لعبة التجارة، ولكن بشروط وضوابط لم يستطع الفكاك منها، ثم أنجبت له طفلاً وأصبح محاصراً بقيودها لا يربطه بها سوى المال والطفل الصغير، فاقداً حبه لابنة عمه التي طلبت الطلاق.
والتجربة الثانية كانت لنورة التي حكت مأساتها وهي تبكي على طمعها الذي دفعها الكثير قائلة: تخليت عن خطيبي الذي كان يشار له بالبنان لحسن خلقه وتدينه حين وجدته غير قادرة على إكمال تأثيث بيت الزوجية نظراً لوفاة والده واضطراره لمساعدة أسرته من راتبه الذي لم يعد يكفيه لتغطية باقي مصاريف الزواج، وأصررت على عدم إتمام الزيجة بعد أن لاح لي في الأفق أخو زميلتي في الدراسة الذي كان ميسور الحال ويحتاج إلى زوجة جديدة تقبل أن تكون الزوجة الثانية في حياته، وتزوجت هذا الثري الذي شدني إليه سيارته الفارهة والشقة الفحمة التي وفرها لي، ولكن بعد فترة وجيزة تبددت أحلامي في السعادة، ووجدتني سجينة بين أربعة جدران بعد أن منعني من زيارة الأهل والصديقات ولم تفعل النقود لي شيئاً، ولم تحقق لي ولو جزءاً يسيراً من السعادة، بدأت أتمرد وأصرخ وافتعل المشكلات، من أجل أن يهتم بي، ولكن جاءت ردة الفعل بالعكس ووجدت نفسي في الشارع، بعد أن طردني ومنعني حتى من أخذ أشيائي الخاصة بي وفي النهاية خسرت خطيبي وحياتي، ولم يبق لي إلا الندم.
التجربة الثالثة للسيدة أمل التي بدأت خيوط قصتها بوفاة زوجها وتقرب قريب أمها غير السعودية منهم لمساعدتها في إدارة أعمالها التي ورثتها عن زوجها الثري فتقول: أنا سعودية وأمي غير سعودية وكان لها قريب يعمل هنا في إحدى شركات المقاولات وكان دائم التردد علينا واستغل وفاة زوجي الذي ورثت عنه مبلغاً مالياً كبيراً وأخذ يزيد من تودده إلى أمي وإيهامها أنه من الممكن أن يدير لي أعمالي خاصة لو وافقت على زواجي منه، وبالفعل تم له ما يريد أملاً من أمي أن يحسن قريبها رعايتي، وقد كان في بداية الزيجة ملاكاً وحنوناً مما يجعلني أثق فيه، وبعد أن اطمأن لثقتي فيه أخذ يدخل في مشاريع باسمي وبدون علمي، وفجأة اختفى، وبعد أن أعيانا البحث وجدناه في بلده واكتشفنا أن له زوجة ثانية، وأدهى ما في الأمر أن الشرطة كادت أن تدخلني السجن، لأن زوجي استغل التوكيل الذي منحته إياه لإدارة أعمالي ودخل في عدد من العمليات التجارية الفاشلة.
ومن هنا أدركت أنني وقعت فريسة لزوج كان همه الوحيد عند الاقتران بي هو المال.
أما رأي الشابات والشباب في هذا الزواج فجاء كالتالي:
تقول شذى حميد: إن الزواج رحلة طويلة في الحياة ولهذا لا بد أن يكون قائماً على أسس وقواعد تحكمه حتى لا يختل ويصبح هشاً بصورة تجعله لا يصمد في وجه الأزمات وهذا بالطبع لن يتحقق إلا إذا كانت تحكمه العاطفة والعقل والمشاعر والأحساسيس والرغبة في العطاء والمشاركة وبهذا وحده تسير القافلة الزوجية في مسارها الطبيعي.
وبحزن وانفعال شديد تقول أسماء عبدالله الموظفة بإحدى الشركات: الزواج الآن أصبح صفقة تجارية في المقام الأول، فلم يعد فارس الأحلام الآن هو ذلك الفتى الجريء والشهم والشجاع، بل صار كل من يملك مقدرة مالية بصرف النظر عن إمكانياته الأخرى، مما جعل كثيراً من الزيجات الآن في مهب الريح، فالناظر لواقع حالات الطلاق المنتشرة الآن يدرك عظم الأمر.
ولهذا ترفض السيدة حسناء محمد هذا الزواج لأنها كانت ضحية من ضحاياه فتقول: أنا ضد هذا النوع من الزواج لأن نهايته دائماً مأساوية ويدفع ثمنها غالياً الطرف المخدوع وهذا ما حدث معي، فقلبي ما زال ينزف على صدمتي في زوجي الذي تزوجني فقط من أجل مركز أبي المرموق.
وتشارك الأخصائية الاجتماعية سارة القحطاني حسناء الرأي وتضيف مؤكدة أن هذا الزواج مهما حاول الطرف الطامع فيه إخفاء مطامعه وانتهازيته لا بد وأن تظهر على السطح وتتضح أهدافه ولا بد أن يخسر كل شيء.
أما الاستاذة سلطانة فترى أن التربية هي السبب في حدوث مثل هذه الزيجات. فتقول: أحمل الأمهات مسؤولية انتشار مثل هذه الزيجات لأنهن لو أحسن التربية وغرسن مبدأ العطاء والإيثار لما ظهرت هذه الظاهرة على السطح وصارت صرعة، لأن من المعقول أن تتدخل المصلحة في علاقات العمل، ولكن عندما تطول الحياة الزوجية معناها أن منطلق المصلحة تغلغل في الأعماق وهذا يبشر بحدوث كارثة في المستقبل.
فيما ترجع الأستاذة سارة الجريد سبب انتشار تلك الزيجات إلى سوء فهم لمعنى قوامة الرجل على المرأة فنقول للأسف كثير من الشباب يبحث الآن على أن يتزوج مَنْ تملك مِنْ المال ما يساعده على مواجهة صعوبات الحياة بصرف النظر عن أنها مناسبة له أم لا، والأصعب في الأمر أن مثل هؤلاء الشباب نجدهم عندما يتزوجون يرفعون أيديهم عن كفالة زوجاتهم، بل يركنون عليهم حتى في مطالبهم ومصاريفهم الشخصية، معتقدين أن القوامة هي التحكم في حياة الزوجة فقط، وليس كفالتها وإعالتها مادياً.
أما عبدالرحمن محمد فيلقي باللوم على بنات هذه الأيام ويقول: قديماً قال الحكماء «إن أكثر الأموال تعجز عن شراء أصغر القلوب» أما الآن فانقلبت الآية فصارت المشاعر والأحاسيس كماليات يمكن الاستغناء عنها، بينما أقل الأموال صارت قادرة على شراء عقل بنات هذه الأيام.
بينما يروي راكان فيصل طرفة تمثل واقع هذا الزواج فيقول لا استطيع التعليق على هذا الزواج إلا بالنكتة التي تشرح حال زوج تزوج زوجته طمعاً في مالها وقد اكتشفت ذلك فأخذت تعيره بهذا الأمر، ففي إحدى المشاجرات قالت الزوجة: أنا اللي عملتك واشتريتك بمالي..!!
فيرد الابن على الأم: لماذا لم تدفعي يا ماما أكثر وكنت اشريت لنا واحدا أفضل منه؟!
وهناك من يؤيد زواج المصلحة كعزة حميد التي لا تمانع من زواج المصلحة إذا كان من شخص ذي مركز مرموق، ومناسب لها في العمر، فتقول: أؤيد زواج المصلحة في حالة واحدة فقط وهي إذا كان مناسبا ومرموقاً وقادراً على توفير متطلبات الحياة ولكن هذا لا يمنع أن أرفض أي شخص مؤهلاته الوحيدة المال وأكبر مني في السن لأنه لن يجيد لغة الحوار.
شخص أناني
ورأي الطب النفسي في هذا الزواج بيّنه الدكتور سليمان القحطاني أخصائي الطب النفسي بعيادات الميدي كير فيقول إن الطبيعة النفسية للشخصية التي تفضل هذا النوع من الزواج هي شخصية مضطربة أنانية محبة للذات لديها شعور بالنقص، اتكالية تريد أن يحقق لها الآخرون مصالحها، وهي لا تستوعب النصيحة ولا تستفيد من تجاربهم الفاشلة، ولهذا نجد الذين يتزوجون عن مصلحة يكررون نفس التجربة مرة واثنتين رغم فشلهم لأنهم فاقدو البصيرة، ولا يعرفون طريق الصواب من الخطأ.
بينما ترجع الأخصائية النفسية سلطانة الدوسري الأساب التي تجعل البعض يقبل على زواج المصلحة إلى الظروف الاقتصادية والتربية فتقول إن ارتفاع تكاليف الزواج دفعت للبعض بأن يختار الشريك الذي يوفر له الراحة ويكفيه شر الكدح على حساب معايير كثيرة لا بد ان تتوفر في الزواج، وهذا راجع أيضاً للتنشئة التي تربى فيها الطرف الطامع وهذا النوع من الزواج يبرر ارتفاع معدلات الطلاق في العصر الحالي.
رأي الدين
ورأي الدين تبينه الأستاذة هيا الشهري معلمة التربية الدينية فتقول: قال الرسول صلى الله عليه وسلم «تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك؟» صدق رسول الله، هذا الحديث يحض على تفضيل الدين والأخلاق على المال والجمال، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرجل الذي يتزوج امرأة لاستكمال دينه ولغض بصره بارك فيه وفيها، ومن يتزوج امرأة لحسبها و نسبها زاده ذلك ذلاً وفقرا، وقال صلى الله عليه وسلم ايضاً: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» وقال «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، ألا تفعلوا تكن فتنة وفساد كبير».
من هذه النصوص نرى أهمية الاختيار لمن أراد الزواج الذي يراد به الدوام والاستمرار لأن الزواج ليس بنزوة أو مصلحة وتزول، بل هو أسمى من ذلك ففيه سعادة الدنيا والآخرة وسكن للنفس.
|
|
|
|
|