| الاخيــرة
كتبتُ قبل نحو عقديْن من الزمن أندب حالَ الإنسانية التي أرهقتها أوزارُ الحروب، وحاقتْ بها أوباءُ الفتن.
عجبتُ وقتئذٍ، وأعجبُ الآن، كيف يتّخذ الإنسانُ الحديثُ من نفسه لنفسه عدوّاً، وكيف يسخِّر في سبيل ذلك فنونَ الفتْك والهتْك والدمار!
كيف يوقد جحيمَ الحرب ليصبحَ بعد ذلك وقودَها ورمادَها!
واليوم أتذكّر حديثَ الأمس البعيد الذي ما برح من شواهد هذا العصر، فأذْكر به حالَ الإنسان الذي لم يتغيّر عبر السنين!
مازال يضرمُ النارَ بضراوة وقسوة لتكونَ كلمتُه هي العُليَا، متحدِّياً بذلك نواميس الدين والأخلاق والأعراف!
مازال يسخّر أدوات سطوته لسحْق معارضيه كيلا يبقى في الأرض إلاّ هو، وماسواه.. يغدو سراباً!
مازالت عقدةُ الغاب تُعشِي بصرَه وبصيرتَه، وإن لبسَ الحرير وتزيّن بالذهب، وسخّر الذرّة مطيةً يغزو بها الأرضَ والفضاء!
اليوم، قارئي العزيز، ألفيتُني، دون إرادة مني، أردّدُ لك جزْءاً من حديث كتبتُه قبل أكثر من عشرين عاماً أحذّر فيه من سطوة الإنسان الحديث على نفسه. وأنعي به شمسَ الحب والحق والسلام!
ولم لا أفعل، ونحن العرب، نعيشُ في عصر )شارون( الظلم ومصادرة الأرواح والأرزاق والحربات!؟
ولِمَ لا افعل، ونحن نشهدُ كلَّ يوم وليلة مُسَلسَلَ الشهداء والمكلومين في فلسطين، يتساقط أفرادهم كأوراق الخريف أمام قُوى البغي والعدوان!؟
ولِمَ لا افعل، والأقوياء من «فتوات» السياسة العالمية غرباً وشرقاً يقفون من تلك المشاهد موقفَ المشفق علينا، او الشَّامت بنا، او الناقد لنا، ونحن امام أولئك وهؤلاء عاجزون عن فعل شيء، أيِّ شيء!؟
الويلُ ل«شارون».. ومَنْ معه، مِن أنفسهم وما يفعلون!
الويلُ لهم جميعاً من انتقام شجرة الزيتون.. يوم تغدو حطباً يحرق أجداثهم!
الويل لإسرائيل حين تعبث بالتاريخ والجغرافيا وتقهر الأبرياء، قتلاً وتيتيماًً وترميلاً وترويعاً وتهجيراً!
الويل لهم جميعاً يوم يلعنهم التاريخ!
مرة أخرى أتساءل ترى هل تغيّر شيء من أمرنا نحن معشر البشر بعد انتهاء قرن.. وحلول آخر؟! لا اظن، عدا أننا أفلحنا في اكتشاف مزيد من أدوات الموت اشدَّ فتكاً وأمضى بأساً وأقسى عذاباً!
ومن يدري ماذا يخبِّئُه لنا الغد.. او ماذا نخبئه نحن لأنفسنا!
إنني لا أملك أن أذود عن نفسي فتنةَ التشاوم مابقينا قبائلَ نستمد الغارَ من قدرتنا على الفتك ببعضنا، ونضرب دفوفَ الحرب كي نخرس بها لغة العقول.
|
|
|
|
|