| مقـالات
على جدار الصمت، في غرفة متشحة بالسواد، حزنا عاتيا على رحيل سيدة البيت والقلب.. صورة لها في عمر الزهور ترنو الى أيامها التي كانت حينها قادمة.
وعلى فراش الموت الباغت.. صورة أخرى تبدو عليها علامات الرضا بالقضاء والامتثال للقدر، فالوجه مشرق صبوح رغم برودة الموت.. رغم مرارة القهر في قلوب المحيطين وعيونهم المشحونة بالنزيب.
وحتى اولئك الذين عرفوها لتوهم بكوها بحرقة، ناهيك عمن طالت بهم عشرتها فعرفوا فيها دماثة الخلق وطيب القلب وبشاشة اللقاء. واحترامها الشديد لذاتها مع ذلك الأنس المعهود.
وبين الصورتين رفقتي معها لعقود أربعة يبدوكم الحسرة الهائل في نفسي لفقدانها، فقد تقاسمنا أنفاس الحياة بمبسم واحد، فاختلطت آهاتنا فوق أشواك الطريق، وامتزجت بسماتنا ونحن نستروح الفي، عرجنا سويا في كل درب، يحرسنا إلوفاء ويحدونا الأمل في غد يحمل البشائر.
وعلى طول المدى، وفي كل الظروف كنت انت واحتي التي أهرع اليها اذا اشتدت حرارة القيظ، ودفء المشاعر والمشاعل اذا ما عصفت بي رياح السموم، وسندي يا ليلى حين تعز الأسناد، وحصني عندما تزلزلني الخطوب، والناصح الامين حين تحزبني الأمور.
نعم.. فقد كنت نعم السكن.
ولم أكن ادري ان ملك الموت يتربص بدارنا، وقد باتت آمنة سعيدة في آخر ايام الإجازة بعد ان تأهبنا للعودة الى الديار ولقاء الأبناء والأحفاد والأهل والأحباب.
وفجأة فاضت روحها الطاهرة الى بارئها كما يمضي الأبرار دون مقدمات ولا إنذار خطفها الموت منا ونحن شخوص لا تكاد عقولنا الكليلة تفهم انها راحلة.. وكأنها هي التي قررت الرحيل زمانا ومكانا انفاذا لمشيئة الخالق، ونحن بفهمنا المحدود لا نكاد نصدق هذه الخفة في مبضع الملك.
شخصيا كنت أحسب انها ترمي برأسها على صدري كعادتها اذا ما استغرقها النعاس.. لكن ويا للحسرة الحزينة الثكلى.. كانت هذه آخر تهويمة للروح قبل ان تغادر ذلك الجسد الكال من مسؤوليات الحياة.. وتركتنا انا وأبناءها وأهلها ومحبيها حيارى امام هذه البغتة القدرية وإن كنا لا نزال جميعا نردد قول الرحمن الرحيم «إنا لله وإنا إليه راجعون».
|
|
|
|
|