عزيزتي الجزيرة:
السلا م عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
من نعم الله علينا التي لا تُحصى نعمة النُّطق والتكلم مع الآخرين بطريقة مباشرة، وتختلف هذه الطريقة من شخص لآخر حسب اسلوب المتكلم في توصيل المعلومة إلى ذهن المتلقي الذي يقوم بترجمة هذه المعلومة وطرحها بصورة أخرى تختلف عن الشخص الآخر، وتتم هذه العملية المعقدة بواسطة عضو مهم وهو «اللسان» قال الله تعالى:
)ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إنَّ في ذلك لآيات للعالمين(. واللسان هو الذي يترجم ما يريده العقل ويحدد شخصية المرء ويصف المشاعر الإنسانية ويقتل الرجل الأحمق وينجو به ذلك الإنسان اللبق في حديثه الذي يعرف كيف يختار الكلام الجيد والمفيد. قال الشاعر:
تعاهد لسانك إن اللسان
سريع إلى المرء في قتله
وهذا اللسان بريد الفؤاد
يدل الرجال على عقله
لذلك علينا أن نجعل اللسان كالفلتر )المصفاة( الذي يقوم بعملية تنقيح واختيار الكلام المناسب لأي حديث نريد ان نتكلم به لكيلا نقع في الخطأ ونندم عليه أشد الندم، ونذكر في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : )إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزّل بها إلى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب(. واعلم أن اللسان يشهد عليك يوم القيامة بأي كلمة تنطق بها من غير علم ولا دراية، وكم في المقابر من أشخاص أصبحوا ضحية لألسنتهم يجاهرون الناس بالباطل يحسبون أنهم على حق، قال تعالى : )يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون(.
وقال الشاعر:
احفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الشجعان
فاذا كان الكلام من فضة فشيء طبيعي جدا ان يكون السكوت من ذهب، ومن هذا المنطلق يأتي دور النصيحة الذهبية للوقاية من هذا العضو القاتل في الإنسان هو «الصمت» وهو كف اللسان وحبسه عن الكلام إلا في القول الحميد، ولقد كان ابو بكر رضي الله عنه يضع حصاة في فيه يمنع بها نفسه عن الكلام، وكان يشير الى لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد. لذلك عندما نسمع إساءة من أي شخص يجب علينا رد الإساءة بالاحسان والكلام الطيب أو نسكت عن ذلك وكفى الله المؤمنين شر القتال وهذا يدخل في «باب الحلم» وضبط النفس عند الغضب قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
)ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب(، أيضاً قال الرسول صلى الله عليه وسلم )من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت( وأحسن المسلمين هم الذين يحفظون ألسنتهم من الكذب وأفعالهم من الخيانة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ قال )من سلم المسلمون من لسانه ويده(. فالكلمة أسيرة في وثاق الرجل فاذا تكلم بها صار في وثاقها، وعندما يكون الرجل كثير الصمت يكون مهاباً وأكثر حكمة من الرجل كثير الكلام، وعندما تكون المرأة كثيرة الصمت تكون أكثر حياءً وجمالاً وأكثر حشمة من المرأة الثرثارة، قال الشاعر:
وكائن ترى من صامت لك معجب
زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلاّ صورة اللحم والدم
قال لقمان لولده: يا بني إذا افتخرت الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك، يقول اللسان كل صباح وكل مساء للجوارح: كيف أنتن؟ فيقلن: بخير إن تركتنا.
وقال عمر بن العاص رضي الله عنه:
)الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع وإن أكثرت منه قتل(. واعلم عزيزي القارئ أن أي كلمة تنطق بها محسوبة عليك، وأن الملائكة لا تدع كبيرة ولا صغيرة إلا تحصيها في الكتاب وسوف يحسابك الله عليها يوم القيامة قال تعالى: )ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد(. وصدق المثل الشعبي الذي يقول «إذا كان بيتك من زجاج لا ترمي الناس بالطوب» ونختم حديثنا بهذه الأبيات المتواضعة:
قال الشاعر: