| عزيزتـي الجزيرة
سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة وفقه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد :
إن الكلمة في الإسلام لها شأن كبير فالمؤمن الحق يستشعر أهميتها وقيمتها عندما يعرف أنها سبيل للطهر والصلاح والإصلاح. فالانضباط في الكلمة سمة من سمات المؤمنين الصادقين«قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون».
فشأنها عظيم فقد تكون سبباً لرضا الرحمن، وقد تكون سبباً للحرمان، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم».
وفي لفظ «يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب» فإذا كان هذا جزاء من ينطق بالكلمة دون سبق إصرار، أو كان لا يظن أنها تبلغ ما بلغت فكيف بكلمات السوء ومقالات الكيد التي ينطق بها ويكتبها المبطلون ويطلونها بطلاء القبول ثم ينشرونها بين الناس فيضل بها الفئام ويلبس بها على الكثير.
فإنه يجب على كل ناطق أو كاتب بقلمه أن يستشعر مراقبة الله« ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» فإن هذا الاستشعار يثمر عنه جملة من الفضائل أدناها كف المرء عن الكلام فيما لا يعنيه« من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه».
ويجب أيضاً مع مراقبة الله التجرد لله وطلب الحق، لأن التجرد نقيض الهوى والشهوة وقد نهى الله عن ذلك بقوله«ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله».
وللأسف الشديد بعض من يتكلم أو يكتب يجانب ذلك كثيراً بل يقوم بالثلب ويسارع في البهتان وهذا تسرع مذموم وآفة خطيرة. فإن صاحب الهوى والأغراض لا يجد متنفساً لما في صدره إلا تلفيق الأكاذيب وتزوير الأخبار متنصلاً عن المسئولية العظمى. وإنه ما يجب على كل متكلم التثبت في الأخبار وعدم سوء الظن، فالتثبت في سماع الأخبار وتمحيصها ونقلها وإذاعتها والبناء عليها أصل كبير نافع أمر الله به ورسوله قال تعالى:« ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين». فمن تحقق وعلم كيف يسمع وكيف ينقل فهو الحازم المصيب ومن كان غير ذلك فهو الأحمق الطائش الذي مآله الندامة. ولقد شنع الله على المتسرعين في نقل الأخبار والأقوال دون تثبت وتبين ودون تروٍ ومشورة فقال تعالى« وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم» وقد ذم النبي عليه الصلاة والسلام طائفة المتسرعين في النقل دون تثبت بقوله« بئس مطية الرجل زعموا» والتثبت يعني الاعتماد على خبر العدول الثقات والبعد عن أخبار المجاهيل والمتسرعين . فالذي لا يقدر على ذلك عند كتابة مقال أو نشر خبر أو نقدٍ صادقٍ أو تصحيح أخطاء صدرت من أفراد أو جهاد نقول له: امسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابكِ على خطيئتك. فقلمك ياأخي لا تذكر به عورة امرئ، إذ كلك عورات وللناس أقلام.
فصدق القلم وفصاحته من أحسن مايتلبس به الكاتب ويتزر به العاقل. فمن تصدى للكتابة فلا يتخذها للمماراة عدةً، ولا للمجاراة ملجئاً.
ولقد اتسع نطاق القلم في هذا العصر، وهو مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم «إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم» رواه الإمام أحمد.
وللأسف بعض الاقلام في عصرنا هذا قد عريت عن الأدب، فلم ترع حرمة للخلق، واتسمت بالكذب والافتراء والتصريح بالعورات والمنكرات والجرأة على الله ورسوله. إن القلم أمانة، وما كل من حمل الأمانة عرف قدرها. فصاحب القلم ينبغي أن تتوفر فيه أمور ثلاثة ذكرها أهل العلم:
الأول: أن يكون صاحب القلم مسلماً، ليؤمن فيما يكتبه ويسطره، ويوثق به فيما يذره ويأتيه قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لأبي موسى زاجراً لكون كاتبه نصرانياً: لا تأمنوهم وقد خونهم الله، ولا تدنوهم وقد أبعدهم الله، ولا تعزوهم وقد أذلهم الله.
الثاني: أن يكون صاحب القلم عالماً بما يكتب على وفق ما أراد الله ورسوله في جميع الجوانب سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الحضارية أو غيرها. فالشريعة تسع الجميع وجميعنا مفتقر إليها.
الثالث: أن يكون صاحب القلم عدلاً لأنه إذا كان فاسقاً غير مستقيم المروءة فإنه يكبر ضرره ويشتد خطره.
فليتنبه لذلك وليعلم أن الاشتغال بالطعن في الأفراد أو الجهات كهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو التعليم أو الأمن أو غيرها وذكر نقائصهم عبر الصحافة والتسلي بالخوض في معائبهم وإفشاء مقالة السوء بينهم كل ذلك من طبائع النفوس الشريرة والصدور الحاقدة ودليل على عدم التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله والله نسأل أن يجعلنا جميعاً مباركين حيثما كنا وأن يستعملنا في طاعته والله أعلم.
القاضي بالمحكمة الشرعية بمحافظة ينبع
|
|
|
|
|