| الثقافية
* القاهرة مكتب الجزيرة محمد حسن:
تمتاز علاقة الناقد والمبدع بالترابط في خلق جسم أدبي متكامل البناء، لكن تلك العلاقة التي كانت قائمة على أسس التبادل بين الناقد والمبدع أصبحت لها أسس جديدة فقد أصبح المبدع تابعاً للناقد بجانب تضارب اتجاهات النقاد في عدة تيارات أدبية مما هدد البناء الأدبي. تلك المحاور التي قدمها د. عبدالحميد ابراهيم رائد الوسطية الأدبية لندوة النقد والابداع الادبي والتي أشادت بالواقع الأدبي بالمملكة.
الشاعر عبد المنعم عواد
ثلاثة تيارات نقدية:
أكد الناقد الأدبي الدكتور محمد عبدالمطلب ان تاريخ الحركة النقدية ليس على حال واحدة فقد كان النقاد في منتصف القرن إما رومانسيون أو كلاسيكيون يهتمون بتصوير الصدق والحقيقة أو واقعيون يجعلون النص وثيقة واقعية وكان لهم جهد نقدي بلاشك وكانت جهودهم منتقاة تضع نصوصاً منفتحة ولكن مع حركة النقد الأخيرة أصبح الانفتاح في النص انغلاقاً فيه، فمن ينقد النص يجب أن يظل وراءه شهوراً فمثلا قد كتب النقاد عن المتنبي الكثير والكثير وظلوا شهوراً وسنوات وراء نصوصه فالنقد من طبيعته أنه تابع للإبداع لكن اليوم الابداع تابع للنقد فقد ظل هذا الكم الوفير من الاصدارات الأدبية لم يجد الناقد وقتاً ليتابع هذا الكم وهنا يمكن تصنيف النقاد لثلاثة أولهم أقبل على النقد الغربي وجعله كل شيء ولم يدركوا ان قواعده وأسسه متخذة من نصوص غريبة عن النص العربي الذي كثيرا ما يشوه اذا طبقت عليه تلك الأدوات والأسس الغربية فالنص يحتاج لأدوات وأسس تتناسب مع طبيعته وهناك تيار آخر يرى ان النقد القديم فيه كل شيء وللأسف ان أصحاب هذا التيار يمتلكون عدوانية كبيرة قد يكفرون أصحاب الشعر ويرون الخروج عن الوزن والقافية انتهاك للاسلام والعروبة فاصحاب هذا التيار منغلقون على القديم فقط وهناك تيار وسطي يجمع بين النقد الغربي والموروث العربي ويبحثون عن أداة غربية تطوع للنص العربي ويؤكد د. عبدالمطلب ان المؤسسة الأكاديمية الممثلة في الجامعات مازال يسيطر عليها التيار التراثي، ففي الجامعة لايدرس الا شعراء مطلع القرن كالبارودي وشكري والقديم كالمتنبي وأبو تمام ولكن لم يصل النقاد الأكاديميون للجيل الحالي أو القصائد النثرية فيجب ان نقدم لطلابنا أسس الإبداع الجمالي بين القديم والحديث ونغرس فيهم قيم الابداع الحقيقي فالمبدع هو ناقد جيد فمثلا من الذي رفض الشعر الكلاسيكي هم الشعراء الرومانسيون ومن الذي رفض الشعر النثري هم شعراء قصيدة التفعيلة والعكس فالشعراء والمبدعون أصبحوا قساة على بعضهم اكثر من النقاد انفسهم وللأسف أصبح المبدع في العصر الحالي ينظر لما يريده الجمهور أو المتلقون ولكن يجب ان ينظر المبدع عن توافق الابداع مع ذاته قبل جمهوره أو نقاده فالنقد لا يمكن إلا ان يكون ضروريا لتطوير المبدع وان يقف مع تطور الابداع الأدبي بشتى ألوانه فالنقد الحالي قد تحول من مرحلة الصوت الواحد إلى مرحلة تحليل النص وانتقاء عناصره ويجب في ظل ذلك ان يكون الناقد وسيطاً نزيهاً بين المبدع وجمهوره فالأزمة الحالية ليست أزمة نقد أو إبداع ولكن أزمة الظاهرة الثقافية كلها فنحن نحتاج لتنظيم تلك الظاهرة من مبدعين ونقاد وناشرين.
خمس مهام للنقد:
وعن أزمة النقد من منظور الشاعر يؤكد الشاعر محمد ابراهيم أبو سنة انها أزمة تواجد حيث شهد العالم العربي العديد من التحولات النقدية والأدبية والإبداعية وقد حدد خمس مهام للنقد الأدبي أولها: فحص وتحليل الأعمال الإبداعية وإبراز المضيء ونفي السلبي لكي يستطيع القارئ التعاطف مع الأعمال الإبداعية ثانياً: يقوم النقد بالتمهيد والعمل على ظهور المذاهب الإبداعية كمدرسة الديوان التي مهدت المدرسة الرومانسية وشعراء المهجر. ثالثاً: التبشير بالمواهب الأدبية الكبرى فمثلا ظهور نجيب محفوظ بعد بصيرة نقدية هي بصيرة سيد قطب وأنور المعداوي، رابعاً: مساندة الحركة النقدية للتيارات الإبداعية كمدارس النقد الأيديولوجي التي بشرت بظهور حركة الشعر الحديث منذ بداية الأربعينيات إلى نهاية السبعينيات. خامساً محاولة اكتشاف المستقبل وقراءته في الإبداع المعاصر فكل منها تحتاج لفحص لمعرفة ازمة النقد فلابد من دراسة هذا الواقع الأدبي وتحليل ومعرفة عملية الإبداع وعلاقته بالنقد الأدبي حيث كانت حركة النقد في الستينيات مرافقة للمشروع القومي فكان يحمل فكرة التركيز على الصوت الواحد وتجسدت في ظهور مبدعين قلة.
أزمة النقد والنص الهابط:
وأحال الروائي أحمد الشيخ في الأزمة على حركة الاعلام والاهتمام بأدباء دون غيرهم وقال ان هذه المسألة ليست ذات ترتيب جيد فهي المسؤولة عن نشر الكثير من النصوص الهابطة مما يغلق حركة أدبية لا ترقى حتى لمستوى النقد في ظل تجاهل شعراء وأدباء على مستوى عال جداً من الإبداع وظهور أدباء دون المستوى من شأنه ان يخلق أزمة للإبداع والنقد على حد سواء وربما يكون المسؤول عن ذلك اتجاهات سياسية بعينها تبتعد عن الأدب الواقعي الذي لا يخرج من عباءة الظروف الاجتماعية والسياسية التي يعيشها الواقع العربي فالنقد والإبداع كلاهما ضحية لأفعال وأشياء مصطنعة الهدف منهما التأخير من حركة الأدب والابداع.
غياب المجلات الأدبية:
فيما تمثلت الأزمة عند الشاعر الفلسطيني يعقوب شيحة في غياب المجلات الأدبية الجادة التي تجمع في طياتها شتى التيارات الأدبية والتي يجب ان تستقبل ابداعات جميل الشباب حتى الصحف اليومية أصبحت مغلقة على المقربين وحتى البرنامج الثقافي والقنوات التلفزيونية العربية أصبحت مغلقة على بعض الاسماء لاعتبارات سياسية حتى دور اتحاد الكتاب لم يصدر مجلة شهرية أدبية تخدم واقع الحركة الأدبية العربية.
المبدع ناقدا:
وتطرق الشاعر عبدالمنعم عواد إلى ظاهرة اشتغال عدداً من المبدعين بالنقد مشيرا إلى ان هناك عدداً من المبدعين قد تحولوا لنقاد وأنه لا تعارض بين النقد والابداع فمن الممكن أن يكون المبدع ناقدا، ومن يستعرض تاريخ النقد يجد أن كثيرا من المبدعين كانوا نقادا فمثلا د. عبدالقادر القط كان مبدعاً في بداياته ووضع ديوان ذكريات شباب و د.عز الدين اسماعيل عرفناه مبدعاً قبل ان يكون ناقدا فكثيرون من المبدعين يمارسون دور النقد بعدما يشعر المبدع بان الناقد لا يقوم بوظيفته كما ينبغي فهو يتحول لناقد من باب العارف بأصول اللعبة الفنية الأدبية فهو لا يستطيع ان يبدع ما يتماشى مع كل الاصول النقدية فالمبدعون اليوم يعانون من تباطؤ النقد من مجاراة أعمالهم الفنية فظهرت اليوم تيارات نقدية تروج لابداعات شعرية يسودها نوع من الغموض كان هناك لوبي معين يسعى لإفساد الحركة الأدبية من خلال هذه الزمرة الفاسدة من النقاد ولو لا أصالة بعض الشعراء الذين يصرون على البقاء على جمال الشعر الحقيقي لضاعت الحركة الأدبية.
واقع المملكة الأدبي:
وقا ل د. مرعي مدكور ان ثمة شروطاً للنقد الجيد ألا يكتب الناقد عن كاتب أو شاعر يعرفه وأشاد د.مرعي مدكور بالواقع الأدبي السعودي وأنه أتيحت له الفرصة للاطلاع على كثير من نواحي الشعر والرواية داخل المملكة فوجد فيه إبداعاً أدبياً شامخاً مشيراً إلى ان النقد الجامعي والذي تمارسه الجامعات المختلفة ويراه نقداً منغلقاً على نفسه وهو غير شائع ولايرقى للنقد الأدبي الصحيح في ظل اختفاء النقد داخل الصحف والمجلات الأدبية فاليوم كل سطر في الصفحات الأدبية تقف وراءه جهة أو جماعة بعينها لا تقبل إلا من يتواءم مع أفكارها.
|
|
|
|
|