| الثقافية
تأليف: الدكتور: طارق بن علي الحبيب دراسة وتعليق: حنان بنت عبدالعزيز بن عثمان بن سيف
اسم الكتاب: كيف تحاور؟ دليل عملي للحوار.
اسم المؤلف: الدكتور طارق بن علي الحبيب.
الطبعة: دار المسلم للنشر والتوزيع الطبعة الثانية 1416ه الحوار فن من فنون القول والحديث، له آدابه الخاصة به، وأساسياته الملتصقة به، هو فن يقنع العقل، ويجذب النفس، ويسحر الوجدان، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم سحراً، وذلك في حديثه الشريف: )إن من البيان لسحرا(، ومن قوة نفوذ الحوار وهيمنته أنه ربما أظهر الباطل في صورة الحق، وقد تجلى هذا واضحاً في حديث النبي صلى عليه وسلم والذي أرويه بمعناه )لعل بعضكم أن يكون ألحن بالحجة من بعض، فمن قضيت له، فكأنما أقطع له قطعة من نار(. فانظر إلى قوة الحوار، وبيان المحاور الجيد، الذي يستطيع قلب الحقائق رأساً على عقب، وسياق الأدلة إلى جانبه وفي صفة.
وموضوع الحوار وآدابه اللائقة به، يطرحها ويناقشها دراسة وبحثاً هذا الكتاب الذي بين يديّ الآن، وقد ذكرت لك عنوانه سلفاً، فكأني بمؤلفه الدكتور طارق بن علي الحبيب، وعلى اعتباره استشارياً في مجال الطب النفسي، يهدف من وراء هذا المؤلف توجيه رسالة لكل إنسان، يعاني من ضيق وحزن واضطراب، يخبره فيها أن العلاج النفسي لا يكون بالعقاقير النفسية فقط، بل هو في الحوار والنقاش وإدارة دفته بين المريض والطبيب من أجل إقناعه وتبصيره، ولا تنحصر رسالة الكتاب في هذا الحيز فقط، بل تتسع لتشمل على حد قول المؤلف:) والحوار كأدب مهم لكل أحد وللدعاة بشكل خاص، فالناس في كثير من المجتمعات تعرف أوامر الدين، لكن تريد من يحسن تقديمها لهم(، لذا فإن مؤلف الكتاب يطرح حديثه عن الحوار كأسلوب فني في التعامل مع الناس، ويستشهد بقول الشاعر:
لا خيل عندك تهديها ولا مال
فليسعد النطق إن لم تسعد الحال |
وفي الكتاب تفريق بين الحوار والجدل، فالجدل هو اللدد في الخصومة، أما الحوار فهو مراجعة الكلام، والحديث بين طرفين دون أن يكون بينهما ما يدل بالضرورة على الخصومة، وهناك مفهوم قريب لمفهوم الحوار، إلا أن المؤلف فرق بينهما بقوله: )المناظرة أدل في النظر والتفكر، كما أن الحوار أدل في الكلام ومراجعته(، وحين أمعن المؤلف في متن الكتاب تطرق إلى ذكر آداب عدة، يجب على المحاور الجيد أن يلتزم بها، ومنها طلب الحق، وفي هذا يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه الإحياء:) أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده أو على يد من يعاونه، ويرى رفيقه معيناً لا خصماً، ويشكره إذا عرفه الخطأ و أظهر له الحق(، وليعلم المحاور أن الخلاف والاختلاف طبيعة النفس البشرية، وحول هذه النقطة يقول المؤلف:) فإذا أدرك المحاورقبل حواره أن الخلاف طبيعة بشرية أقبل على محاوره بنفس مطمئنة، وروح هادئة، تكون سبباً في تقارب وجهات النظر، وإماتة روح الفرقة والاختلاف(. وحسن البيان أدب من آداب الحوار، وخلق من أخلاق المحاورة، وهو يفعل فعل السحر في السامع، ولاسيما إذا حلِّي وطرِّز وزيِّن بشواهد الشعر، وأمثال النثر، وهو دالٌ على عقل صاحبه خاصة إذا عرف مواضع الكلام والصمت والإنصات والإشارة، ومهما كان المحاور حسن البيان، فصيح اللسان، فعليه ألا يستأثر بالحديث، وينفرد به وحده ويقول المؤلف:) والأثرة بالحديث آفة قبيحة، يغفل عنها كثير من المحاورين لأنهم يظنون سكوت من أمامهم إعجاباً بكلامهم وموافقة لهم على الإطالة(.
والمتحدث البارع هو المستمع البارع، وهو الذي لا يقاطع محاوره، ويبدأ معه بنقاط الاتفاق كي يدير دفة الحوار الى جانبه، ويجذب محاوره إليه، وهو يفهم من أمامه فهماً جيداً ويراعي اختلاف عقول الناس، وتفاوت مستوى أفهامهم وعليه أن يحلّي حواره بالمثال والطرفة، ومن بديع قول مؤلف الكتاب في وصف الطرفة مايلي: )والطرفة تأتي لتدق جرس العاطفة بين أجراس العقل المتلاحقة، فلتكن سهلة الإدارة كي لا تنقلب لغزاً، مرتبطة ما أمكن بمجريات الحديث(. ومن آداب الحوار الهامة التي جاءت ضمن الكتاب هي كلمة: لا أعلم، وساق المؤلف كلاماً لبعض أهل العلم يقول فيه: )ينبغي للعالم أن يعلم جلساءه قول: لا أدري حتى يكون ذلك في أيديهم أصلاً يلجؤون إليه، فإذا سُئل أحدهم عما لايدري، قال: لا أدري(، واستشهد المؤلف على التزام كبار علماء الأمة بهذه الكلمة، بما روي عن الإمام مالك رحمه الله أنه سُئل عن ثماني وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري.
والمحاور الصادق الشجاع هو الذي يقول: لا أدري عند جهله بالشيء وهو الذي يعترف بالخطأ على نفسه حينما يرتكبه، وحول هذه النقطة يقول المؤلف: )والعاقل من يسلم بالخطأ حال تبينه للصواب، بل يشكر لصاحبه أن أرشده إليه، فذلك مما يكسبه ثقة الناس واحترامهم(، ومما يكسب المحاور ثقة الناس واحترامهم أيضاً، احترامه للأطراف الأخرى، والثناء عليهم، والانصات لحديثهم، وإظهار الإعجاب بهم من غير كذب أو نفاق أو تملق، وحول هذا المقام يقول حكيم الصين «لاوتي» )الرجل العاقل هو الذي إذا أراد أن يعلو على الناس وضع نفسه أسفلهم، وإذا شاء أن يتصدرهم جعل نفسه خلفهم، ألا ترى إلى البحار والأنهار، كيف تتلقى الجزية من مئات الترع والجداول التي تعلوها(.
ومن آداب الحوار العدل والإنصاف والموضوعية والبحث عن الحقيقة لا تحدي الآخرين وإفحامهم، فما كان الحوار من أجل التجني على الآخرين وإحراجهم، وإنما هو لكسب العقول، والدخول إلى القلوب دون بوابة أو إذن.
ولعل أصعب جزء في الحوار هو إيقافه وانهاؤه، وهذه النقطة تحتاج إلى دراية ومهارة وحسن تخلص ويشير المؤلف إلى هذا بقوله: )وإيقاف الحوار يكون بطريقة مهذبة ذكية ليس فيها معنى العجز ولا الهزيمة، بل اعتداد الواثق المؤدب(.
وأخيراً ختم المؤلف كتابه ذاكراً أمثلة من أسلوب القرآن الكريم، وأسلوب النبي صلى الله عليه وسلم الحوارية، وهي حوارات ذهبية، لكل طالبٍ متذوق لأمثلة عذبة سلسلة مثالية، وقد عرض المؤلف لسبعة وثلاثين أدباً من آداب الحوار والمحاورة، ولضيق المقام، واختصار القول والمقال، عرضت بعضاً منها، والكتاب في جوهره ناصع، وفي سرده وشرحه ما تع، جمَّلته آيات قرآنية، وقوَّته أحاديث نبوية، وتخللته شواهد شعرية، وأحاديث لأهل العلم كانت من قبله مطوية، يجذبك في الكتاب أسلوب كاتبه، فهو أسلوب رصين متين، يظهر منه تأثر المؤلف بكتب التراث القديمة، فكأنك تقرأ لكاتب من كتَّاب الدولة العباسية، غير أنه لا غموض في المعنى، ولا إبهام في اللفظ، وفي معلومات الكتاب خلط بين الثقافة العربية الخالصة، وبين ثقافات الأمم، ومعارف الشعوب الأخرى، ويشير الى هذه الناحية هوامش الكتاب وحواشيه، وفهرسه الذي يضم تسعة كتب استفاد منها المؤلف وهي لكتَّاب ومؤلفين غربيين.
وفي نهاية الكتاب وقف المؤلف وقفة يدعو فيها الأدباء والكتَّاب والباحثين إلى ملء زوايا المكتبة العربية بأمثلة عديدة من أمثال تلك الكتب التي تعلِّم الناس أسلوب التعامل بعضهم مع بعض، كما تعلمهم أيضاً فن الخطابة والقيادة والإلقاء، لأنه لاحظ أثناء إعداده لهذا البحث ندرة الكتب العربية التي طرقت هذا المجال.
ص.ب. 54753 الرياض 11524
|
|
|
|
|