أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 5th August,2001 العدد:10538الطبعةالاولـي الأحد 15 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

إتحاف الأنام والجهد المتميز!
إبراهيم بن عبد الله السماري
عُني العلماء بالتأليف في بعض مسائل العلم في مختلف التخصصات جمعاً لمتفرق تتعاظم فائدته بذلك الجمع. ولمكانة السنة النبوية الشريفة في الدين فقد حرص العلماء على ابراز مكنوناتها النفسية وابراز مدلولاتها العظيمة وما لتطبيقها من آثار نافعة في الدين والدنيا.
فبالاضافة إلى أمهات كتب الحديث وشروحها هناك كتب عنيت باختيار مجموعة من الأحاديث الشريفة في موضوعات محددة لما فيها من مسائل العلم التي لا يتم قوام ذلك الموضوع بدونها. ومن العلماء الذين صنفوا في هذا الباب: عبد الله بن المبارك وابن أسلم الطوسي والحسن بن سفيان النسائي وأبو بكر الآجري صاحب الكتاب النفيس أخلاق العلماء وأبو بكر الأصفهاني والدارقطني والحاكم وأبو نعيم وأبو عبد الرحمن السلمي وأبو سعيد الماليني وأبو عثمان الصابوني وعبد الله الأنصاري وأبو بكر البيهقي وغيرهم.
ثم من أولئك العلماء من اختار مجموعة أحاديثه في أصول الدين ومنهم من اختارها في الآداب ومنهم من اختارها في الخطب والمواعظ مثل كتاب «المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح» لشرف الدين الدمياطي. الا أن الإمام النووي رحمه الله أشار إلى أنه قصد أهم من ذلك كله وهو جمع ما اشتمل على ذلك كله أي مباني الاسلام ومقاصد الأحكام جميعاً.
عندما جمع الإمام النووي رحمه الله اثنين واربعين حديثاً لتكون مرجعاً لطالب العلم في القواعد العامة للإسلام وأحكامه وللسلوك وتنظيماته لم يكن يدر بخلده أن يتحقق لمؤلفه من القبول والانتشار ما حققه؛ اذ بلغ من شهرتها انه يندر أن يوجد طالب علم شرعي لم يقرأ الأربعين النووية إن لم يحفظ بعض الأحاديث الواردة فيها وعُني بها العلماء شرحاً وتدريساً وأقبل عليها طلبة العلم حفظاً ودراسة.
عنوان كتاب الإمام النووي هو «الأربعون في مباني الإسلام وقواعد الأحكام» معللاً ذلك في مقدمته بأنه راعى في الأحاديث التي جمعها أن يكون كل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين وأن يكون قد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه أو هو نصف العلم أو ثلثه أو نحو ذلك، وأنه التزم أن تكون الأحاديث صحيحة ومعظمها في صحيحي البخاري ومسلم وأنه ذكرها بعد حذف الأسانيد كما عُني بضبط ما خفي من ألفاظها ليسهل حفظها ويعم الانتفاع بها.
ثم بين النووي أهمية موضوع كتابه فقال: ينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث لما اشتملت عليه من المهمات واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات وذلك ظاهر لمن تدبره.
كتاب الإمام النووي اشتهر منسوباً إليه فيقال عند ذكره: «الأربعون النووية» ويكاد كثير من طلبة العلم لا يعرف اسمه الأصلي. وهذه مناسبة لاقترح مشروعاً علمياً أراه نافعاً بإذن الله هو جمع الكتب التي عرفت منسوبة إلي أصحابها في مختلف العلوم الشرعية مثل: تفسير ابن كثير، تفسير الطبري، تفسير الزمخشري وغيرها كثير والتعريف بها وبأسمائها الأصلية حتى لا تنسى. وهذا على حد علمي عمل سيكون ضخماً وسوف يسهم في انعاش الذاكرة بأمهات الكتب التراثية وربط الناشئة بها.
وفي هذه الأيام بزغ فجر مؤلف جديد أضاء معلومات قيمة ومفيدة عن الأربعين النووية ذلكم المؤلف هو كتاب «إتحاف الأنام بذكر جهود العلماء على الأربعين في مباني الاسلام وقواعد الأحكام» لمؤلفه الشيخ راشد بن عامر بن عبد الله الغفيلي من فضلاء الرس وأحد المدرسين بمعهدها العلمي قامت بنشره دار الصميعي بالرياض عام 1422ه ونزل إلى المكتبات حديثاً.
وقد أشار المؤلف في مقدمته إلى أنه قام بجمع ما كتبه العلماء الأعلام وبعض طلاب العلم على الأربعين النووية من شرح وحاشية وتخريج وتعليق منذ أن وضع جامعها شرحه المختصر عليها إلى عصرنا هذا.
إلا أنه يلحظ أن المؤلف لم يعنَ بجمع الشروح والكتابات المعاصرة عن الأربعين معللاً ذلك بأنه أعرض عن ذكرها قصداً لكونها في متناول يد القارئ وكثير منها لم يأت بجديد وانما ذكر بعضها للفائدة. ولست أتفق مع المؤلف في إعراضه عن ذكر الكتابات المعاصرة. وما تركه منها هو من الجهود المبذولة على الأربعين النووية ولو ادعى انه أعرض عما أعرض عنه لكونه لم يأت بجديد لنازعناه في هذا اعتماداً على ما ورد في عنوان كتابه وفي مقدمته مما يدل على جمع جميع ما يعرفه من الجهود على الأربعينية فكيف وهو لم يدع ذلك؟ وكتاب اتحاف الأنام أقرب الى فهرس لما كتب عن الأربعين النووية والفهرسة انما تعتمد على الكم لا الكيف إلا إذا اشترط المفهرس ذلك في عنوان أو بداية كتابه والمؤلف لم يفعل ذلك!
كتاب «إتحاف الأنام» حظي بمقدمتين علميتين ضافيتين مفيدتين لشيخين فاضلين هما الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان الداعية المعروف وقد بينا في مقدمتيهما تميز الأربعين النووية حتى بلغت شهرتها الآفاق وأصبحت رفيق طلبة العلم في الكتب وفي الصدور. وأثنيا على ما قام به الشيخ الغفيلي من جمع جهود العلماء لإبراز فوائد الأربعين النووية.
الملحوظة التي يلحظها قارئ الكتاب لأول وهلة هي طول عنوان الكتاب وما فيه من السجع «اتحاف الأنام بذكر جهود العلماء على الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام» واعتماده على الاسم الأصلي لكتاب النووي وهو اسم يكاد ان لا يعرفه كثير من طلبة العلم ناهيك عن المتعلمين بخلاف ما لو اعتمد العنوان على الأربعين النووية لشهرة الكتاب بهذا الاسم فان عامل الجذب فيه سيكون أكثر والاقبال عليه أقوى. وربما طاف هذا المغزى في ذهن المؤلف فاعرض عنه تقديراً لما هو أهم مما لا أعلمه!!
ألزم الإمام النووي نفسه في أربعينيته بأربعة شروط هي: أن تكون الأحاديث صحيحة وأن يكون معظمها في صحيحي البخاري ومسلم وأن يذكرها بعد حذف الأسانيد وأن يُعني بضبط ما خفي من ألفاظها. وقد أشار مؤلف اتحاف الأنام إلى أنه قد يثار اشكال بخصوص اشتراط الإمام النووي كون الأحاديث التي أوردها في أربعينيته كلها صحيحة ذلك أنه يوجد فيها بعض الأحاديث تنزل عن درجة الصحة إلى درجة الحسن وبعضها لا يصل لدرجة الحسن إلا بشواهده وأجاب عن هذا الإشكال بما مجمله أن الحسن يدخل في مسمى الصحيح لأن العلماء الأقدمين كانوا يقسمون الحديث إلى مقبول ومردود فالمقبول صحيح والمردود ضعيف وأورد أقوال شراح الأربعين النووية في رد هذا الإشكال.
وقد بدأ الشيخ الغفيلي كتابه اتحاف الأنام بايراد نص الأربعين النووية مضبوطاً بالشكل تم عقد فصلاً مختصراً عن الإمام النووي كما تنطق به وثائق سيرته وآخر عن حكم العمل بالحديث الضعيف وفصلين آخرين عن تخريج حديث «من حفظ من أمتي أربعين حديثاً» وأقوال العلماء فيه.
ثم أورد بعد ذلك من غير عنوان لمبحث أو فصل اسم الأربعين النووية ولماذا سميت الأربعين برغم أنها تشتمل على اثنين وأربعين حديثاً ونسبتها للإمام النووي وأصلها وسبب تأليفها ومنهجه فيها وعناية العلماء بها الذي هو بيت قصيد المؤلف حيث أورد ما جمعه من شروح ومختصرات وحواشي وتخريجات وتعليقات في الكتب المطبوعة والخطية مع التعريف بكل ما يورده تعريفاً موجزاً من حيث نوع المادة العلمية وهل هو شرح أو تعليق الخ.. ومن حيث المظان التي أشارت اليه وهل هو مخطوط أو مطبوع مع وصف للمطبوع والمخطوط ومكانه. كما أشار المؤلف في حواشي الكتاب الى مصادر ترجمة الاعلام الذين شرحوا الأربعين النووية أو أشاروا إلى شروحها. وقد بلغ ما جمعه مائة واثنين وعشرين عنواناً.
وفي نهاية كتابه أورد مؤلف اتحاف الأنام رسالة الإمام الطوفي في رعاية المصلحة وهي شرح للحديث الثاني والثلاثين من الأربعين النووية وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار».
ورسالة الطوفي عني بها الدكتور مصطفى زيد في كتابه «المصلحة في التشريع الإسلامي ونجم الدين الطوفي» الذي نشرته دار الفكر العربي بالقاهرة وكانت طبعته الثانية عام 1384ه وهو موضوع رسالة علمية تقدم بها المؤلف عن الطوفي ورأيه في رعاية المصلحة. وقد اطلعت على هذا الكتاب منذ خمس سنوات فاستفدت منه في اعداد بحث دعوي ولا سيما ما أشار اليه الطوفي عن مراعاة المصلحة في الدعوة.
واشتمل كتاب «اتحاف الأنام» على فهرس للأعلام وفهرس للمكتبات والكتب التي رجع لها المؤلف وفهرس للمصادر والمراجع التي استفاد منها. كما اشتمل على فهرس للفوائد غالبها من ملحوظات المؤلف وتعقباته وتنبيهاته ولا سيما في مجال صحة أسماء الكتب وصحة نسبتها لمؤلفيها وما وقع من أخطاء في ذلك كما عني المؤلف عند تسجيل فوائده بشكل لافت للنظر ومفيد بما أفرد من مصنفات في تراجم شراح الأربعين النووية.
وإحقاقاً للحق فقد تميز عمل الشيخ الغفيلي في كتابه «إتحاف الأنام» الذي استغرق جهداً ووقتاً بالجد والمثابرة والجلد في تصفح الكتب والمخطوطات والبحث عن مظانها فخرج ظافراً بجملة من الفوائد المهمة والممتعة التي لا بد أن ينتفع بها قارئ كتابه. يضاف إلى ذلك فائدة ذكرها الشيخ السدحان في مقدمته حيث ذكر أنه سأل الشيخ عبد الله الدويش عن أفضل المتون يبدأ طالب العلم بحفظها فذكر رحمه الله تعالى الأربعين وجعلها من أوائل المتون التي يبتدئ بها طالب العلم.
هذا وبالله التوفيق.
alsmariibrahim@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved