| مقـالات
إن يكن )العلم نور( فبإمكانه تحويل هذا النور ظلاماً دامساً..، فبادئ ذي بدء لاشك في ايجابية ما قدمه العلم للإنسان، وفيما أتاحه لبني البشر من سيطرة وتحكُّم بإذن الله بالبيئة، بل إن للعلم على الإنسان فضل )ترويض( الإنسان وتقليم )أظافر!( طبيعته الإنسانية الموحشة، وإخراجه من بؤر ومتاهات البدائية، وبالتالي تمكينه من تسخير ما حباه الله سبحانه من قدرات على اثرها تذللت صعوبات العيش، وانحسرت معوقات المعيشة، وتلاشت عراقيل توافر الرزق الوفير، ومع ذلك أعود لأعيد ما ذكرتُ آنفاً بالقول إن يكن لدى العلم القدرة على إشاعة النور فلديه القدرة كذلك على إضفاء وإرخاء سدول الظلام الدامس، وما ذلك إلا لكون العلم كأي آلة أداة بيد الإنسان يسخرها في حال إرادته للشر تسخيره لهذه الأداة للخير وأقرب مثال على ذلك حقيقة أن العديد من الشركات ذات الشهرة العالمية في عصرنا هذا كبعض الشركات اليابانية والألمانية قد كانت في السابق شركات أسلحة خراب وتكنولوجيا موت وآلات دمار، غير أن ما حدث في أعقاب الحربين العالميتين وعلى وجه التحديد الثانية منهما، قد فرض على هذه الشركات تحوير مصانعها المنتجة للأسلحة إلى مصانع منتجة لما يُستهلك سلمياً. إنه من الصحيح أن العلم قد أشاع النور بنجاحه في علاج الجسد غير أنه من الصحيح أيضا أن العلم قد أسدل الظلام على النفس في اللحظة التي أضاء بها على الجسد تطبيباً للجسد..، فما إن نجح العلم في معالجة الجسد حتى أصاب النفس بمقتل.. بأمراض انعكست بالسلب على صحة الجسد وذلك بما أنتجه من آلات وعقاقير ومهدئات وأدوية قتل ألم.. وخلافها، بمعنى آخر إنه من الصحيح أن الإنسان قد استطاع أن يُسخِّر العلم في القضاء على الطاعون والجدري وداء السفلس.. وغيرها من الأمراض المعدية، غير أن هذا العلم هو ما أمدَّ الإنسان كذلك بالقدرة على تصنيع ما يضر بعقله وجسده كالعقاقير الطبية ذات الطبيعة الكيميائية السامة، بل حبوب الهلوسة والمخدرات القاتلة، وخلافها..، إن )نور( العلم لا يقتل في )الطب( فقط بل إن تقدمه في كل المجالات يصاحبه تقهقر يعادل مسافات ومساحات تقدمه، حتى )الجوالات!( التي إن لم تضر بجسد الفرد مباشرة فسوف تُلحق بعقله الضرر بطريقة غير مباشرة وذلك حين تمنحه الفرصة )لتصفير( رصيده، مما )يُصفِّر ببطنه جوعاً!(، فيُصفِّر بعقله قهرا.. والضحية بعد العقل الجسد..!
ولهذه الأسباب )والله أعلم( لم يؤت بنو الإنسان من العلم إلا القليل منه، وما ذلك إلا لعلمه جل جلاله بما لدى هذا الإنسان من إمكانات انحراف وميل غرائزي )للفساد في الأرض(، ولاسيما أن هذا الإنسان قد خلق )فضولياً( هلوعاً جزوعاً ظلوماً أنانياً نفعياً حاسداً، فلا عجب ألا يمنحه سبحانه من العلم إلا ما يُقيم عليه الحجة حين فضَّله بالعقل، وحمَّله الأمانة، وجعله خليفة له في الأرض، وأوكل إليه مهمة عمارتها، وبغض النظر عن مدى صحة تفسيري هذا من عدمها، فالقليل من العلم بالكم قد لا يعني بالضرورة القليل منه بالخطورة خصوصاً حينما يتوافر العلم بيد الجهول الإنسان، فمن الممكن أن يكون الشيء قليلاً بكميته غزيراً بضرره على غرار قول العرب: «النار من مستصغر الشرر».. أو كما يقول الأمريكيون: )قد يكون الواحد كثيراً جداً: one is too many(، وبالفعل فهذا الواحد أحياناً )عديد( بعدته لا بعدده.إن ثمة الكثير من الأمثلة والحقائق الدالة على قدرة العلم على )صناعة( الظلام قدرته على صنع نقيضه، فإضافة إلى ما يجري في دهاليز وسراديب المخابرات العالمية ومعامل دور ومراكز البحوث العلمية المنحرفة/ المخترقة، فهناك ما يطفو على السطح بين الفينة والأخرى من أخبار مفادها التلاعب في الجينات والاستنساخ والخريطة الوراثية لبني البشر، جنباً إلى جنب مع حقائق تلاعب العلم بفيزيائية العقل الإنساني، واختراع تكنيكات وآليات تدمير خلايا معينة من عقل الفرد لغرض السيطرة كلية على هذا الفرد.. وهنا نتوقف على أن نواصل استعراض المزيد من الدلائل على ما لدى العلم من امكانات من شأنها كما أسلفت أن تبث المزيد من الظلام الدامس بمثل ما لدى هذا العلم من القدرة على التنوير وبعث الأنوار..، وسوف نستعرض أخطر أسباب )خطورة( العلم ألا وهي آفة تحصيل )نصف العلم( التي تعني مقلوبة! التقلب بنعمة )نصف الجهل!( تلك التي تمناها الشعراء بأشعار من قبيل )ذو العقل يشقى في النعيم بعقله.. وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم(...، أو )من لي بعيش الأغبياء فإنه.. لا عيش إلا عيش من لم يعلم..( وهلم )قهرا( من عقل )ألم المعرفة( حين تُضحي النعمة )نقمة( بينما تجد نصف الجاهل أو نصف العالم لا فرق )يتسكع!( في مدارات الوجود غافل.. غير عابئ بما يجري في الوجود.. ديدنه )الاعتصام( ببراثن الجهل والتخرص والترهات، فالنوم العميق عقلاً وجسداً..
بالإضافة فسوف نناقش المضامين العرقية والسلالية العنصرية لشيوع ما يعرف بمقاييس الذكاء )في السابق( وأبحاث الذكاء الاصطناعي )في الحاضر(.. تلك الرائجة كل الرواج في غرب هذا الزمان الغريب.. وأخيراً سوف نناقش ما يعرف حديثا ب)متلازمة الذاكرة الكاذبة أو الزائفة: False Memory Syndrome( وذلك لكي نرى علاقة )الاطراد( بين تقدم العلم وتأخره في آن.. وبين شعاع أنواره وحالك سدول ظلامه..
فالموعد إذن يوم الثلاثاء إن شاء الله.
|
|
|
|
|