| مقـالات
مصاحبة الموت للإنسان أمرلا جدال فيه، إذ هو أمر يعلمه الجميع، وكل نفس ذائقة الموت، والموت أقرب إلى الإنسان من شراك نعله.
ولكن الغريب هو مصادقة الموت، فمن ذا الذي يقول انه صادقه في مسيرة حياته الماضية أو سيصادقه مستقبلاً؟
اللهم إلا المصطفين الأخيار من الرسل والأنبياء صلوات الله على نبينا وعليهم أجمعين، وإلا أصحاب الكرامات ممن حباهم الله الاستقامة حتى غدت كرامات تظهر عليهم ويراها الناس جهرة، أما غيرهم من أناس عاديين فلا أشك في عدم وجود مثل هذه المصادقة فيهم، خاصة في هذا الزمن الذي شارف أن يلتقي كبده بأوائل علامات القيامة الكبرى.
أما المصاحبة التي أشرت إليها آنفاً فإني أراها منتشرة جداً بين كثير من بني هذا الزمن خاصة في الأراضي المحتلة الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص إذا نظرنا وقارنا الحجارة بالرشاشات والقاذفات، فالاشتعال العدائي ضار هناك، وأزيزه يدوي في أي ساعة من آناء اليوم، بل وفي نفس كل فلسطيني حتى وهو على فراش نومه يلامس ويعانق تلك المصاحبة، وهو إنما مفارق لتلك الأسباب بجسده فقط لا بقلبه.
ومن جانب الموت قلبه فقد مات، ومن أُحيي قلبه فقد قام جسده وقوي على أداء واجباته الدينية والاجتماعية وغيرها.
أيضاً الذي يرى تلك المصاحبة قد يفطن لنفسه من أن يصاب، أو يحترس من اقتراب تلك الصحبة الى جسده الحي، وان لم ير تلك الصحبة فإرهاصاتها من السلام القاتل تصاحبه ابداً برؤية الجرحى والمكلومين، بل ورؤيته الموتى على الفرش الترابية.
ولكن ماذا على من يرى الموت رأي العين او يصاحبه مصاحبة الدلو الرشا، ماذا عليه أن يفعل في تلك الرؤية وكيف يصاحب في تلك الصحبة؟
قيل: اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.
إذن على من رأى الموت أو صاحبه أن يعمل لآخرته كأنه يموت في حينه وليس غداً، ومن ختم له على عمل من أعمال الجنة دخلها.
ومن الشواهد على ما تقدم قصة عمير بن الحمام الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وهو يدعو المسلمين بقوله «قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض» وكان بيد عمير تمرات يأكلها، فقال لئن بقيت حتى آكل هذه التمرات إنها لحياة طويلة فألقى بالتمرات واقتحم جيش الكفار حتى قتل شهيداً رضي الله عنه.
نعم ماذا ينتظر وأمامه جنة عرضها السموات والأرض، ماذا ينتظر وليس بينه وبين الجنة إلا أن يموت شهيداً.
وهنا أيضاً فن من فنون الجهاد إذ حثهم صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الجنة ورغبهم فيها بهذا النداء، وهذا ايضاً يذكرنا بندائه صلى الله عليه وسلم الى القتال في معركة احد فخرج الصحابة كلهم حتى ان الصحابي الجليل حنظلة بن أبي عامر «غسيل الملائكة» الذي تزوج قبل المعركة بليلة وكان قد بات معها ليلة وعندما أصبح سمع الهاتف، الجهاد الجهاد.. فتوشح سيفه وخرج مسرعاً الى جيش المسلمين دون أن يغتسل فلما استشهد نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم الى حنظلة فرأى الملائكة تغسله فالتفت الى اصحابه وقال: «إن صاحبكم لتغسله الملائكة فاسألوا أهله ما شأنه؟. فسئلت زوجته فقالت: خرج وهو جنب حين سمع الهاتفة.
ومن هنا لقب ب«غسيل الملائكة» رضي الله عنهم وارضاهم احسن الرضا وجعلنا على نهجهم.
|
|
|
|
|