ورد في لسان العرب لابن منظور: الطَّرْفُ: طرْفُ العين. والطرف: إطباق الجفن على الجفن. ابن سيده: طرف يطرف طرفاً: لحظ، وقيل: حرك شُفْره ونظر والطرف: تحريك الجفون في النظر. يقال شخص بصره فما يَطرُف. وطرف البصر نفسه يطرف، وطرَفة يطرفه وطرَّفه كلاهما إذا أصاب طرفه، والاسم الطَّرفة وعين طريف: مطروفة. االتهذيب وغيره: الطرف اسم جامع للبصر.. ويقال: هو بمكان لا تراه الطوارف، يعني العيون.
قال أبو الطيب المتنبي في قصيدة يمدح بها سيف الدولة.
1 ما الخلُّ إلا مَنْ أودُّ بِقلْبِه
وأرَى بِطَرْفٍ لا يرى بسَوَائِهِ
يقول العكبري في شرح هذا البيت: الخل: الصديق، وهو الخليل أيضاً والمعنى: قال أبو الفتح: يقول: ليس لك خليل إلا نفسك. وقال: ويجوز أن يكون المعنى: ما الخل إلا من لا فرق بيني وبينه، فإذا وددت، فكأني أحب بقلبه، وإذا نظرت فكأني أنظر بطرفه.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها بدر بن عمار:
2 ما يُحيلُ الطرف إلا حَمِدتْهُ
جُهْدَها الأيدي وذمَّتْهُ الرّقابُ
يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يريد أنه ما يحرك بصره إلا على إحسان وإساءة،تحمده الأيدي لأنه يملؤها بالعطاء، وتذمه الرقاب لأنه يوسعها ضرباً.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها مساور بن محمد الرومي:
3 وَجَلا الوَدَاعُ من الحبيْب محاسناً
حُسْنُ العزاء، وقد جُلبْنَ قبيحُ
4 فيدٌ مسلِّمة وطَرْفَ شاخصُ
وَحَشىَ يذُوبُ ومدمع مَسْفوُحُ
يقول العكبري عن البيت الثالث: المعنى: يريد أن الوداع كشف محاسن الحبيب التي يمكن أن تظهر حتى قبح الصبر عندها. ويقول العكبري عن البيت الرابع: أراد «بالمدمع»: الدمع، يقول: لو ترانا عند الوداع، ونحن في حال، لرحمتنا اليد تشير بالسلام، والطرف شاخص )إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف.. وشخوص البصر ارتفاع الأجفان الى فوق وتحديد النظر وانزعاجه( الى وجه المودَّع. والقلب ذائب حزناً من ألم الفراق، والدمع مصبوب، وهذا تقسيم حسن.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها ابن العميد فيهنئه بعيد النيروز:
5 هذه النَّظْرَةُ التي نالها مِنْكَ
الى مثلها من الحَوْل زادُهُ
6 ينثني عَنْك آخر اليوم مِنهُ
ناظِرٌ أنْتَ طَرْفُهُ وَرٌُقادُهُ
7 نحْنُ في أرْض فارس في سُرُور
ذا الصَّباحُ الذَّي يُرَى مِيلادُهُ
يقول العكبري في شرح البيت الخامس: المعنى: يقول: هذه النظرة التي أخذها منك )عيد النيروز( هو يتزودها من الحول الى الحول، لأنه لا يأتي إلا من سنة الى سنة، فهي له كالزاد يعيش بها. ويقول العكبري عن البيت السادس: المعنى: قال ويقول العكبري عن البيت السابع: المعنى: قال ابن فورجة: يريد نحن في سرور ميلاده هذا الصباح، يعني: صباح نيروز، لأن السرور يولد في صباحه، لفرح الناس الشائع في النيروز.
وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها عضد الدولة ويودعه.
8 وَلَوْ أنيّ اسْتَطَعْتُ خَفَضْتُ طَرْفي
فَلَمْ أْبْصِرْ به حتَّى أراكا
يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يقول: لو أني استطعت خفض طرفي، لما أعتقده من عاجل الأوبة، وأقصده من سرعة الرجعة، حفضت طرفي فلم أبصر به، حتى أقدم على حضرتك الكريمة، وأكحل جفوني بالنظر الى عزتك.
لقد تطرق أبو الطيب في أبياته الثمانية السابقة إلى الطرف، ففي بيته الأول بين أن الطرف هو وسيلة النظر، وفي بيته الثاني أشار إليه بأنه البصر، لأن ممدوحه بدر بن عمار ما يحرك بصره إلا على إحسان وإساءة. وأشار أبو الطيب في بيته الرابع الى شخوص الطرف وهو إذا فتح الإنسان عينيه، وصار لا يطرف أي لايحرك جفونه، أما في البيت السادس فبين الشاعر أن الطرف هو النظر، وكذلك في بيته الثامن.
وورد في لسان العرب لابن منظور: قال ابن سيده: الرؤية النظربالعين والقلب.
قال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة وقد جلس لرسول ملك الروم ولم يصل إليه المتنبي لزحام الناس:
1 ظُلْمٌ لذَا اليوم وَصُفٌ قَبْلَ رُؤْيتِهِ
لا يَصْدُقُ الوَصْفُ حَتَّى يَصْدُقَ النَّظَرُ
2 تَزَاحَمَ الجَيْشُ حتى لم يجْد سَبَباً
إلى بساطكَ لي سَمْعُ ولا بَصَرُ
3 فَكُنْتُ أشْهَدُ مُختصاً وأغْيَبَهُ
مُعايِناً، وَعَياني كُلُّهُ خَبَرُ
4 اليَومَ يَرْفَعُ مَلْك الرُّومِ ناظرَهُ
لأنَّ عَفْوَكَ عَنْهُ عِندِهُ ظَفَرُ
يقول العكبري في شرح البيت الأول: المعنى: يقول: أنا لم أشاهد وصف الحال، فوصفي له ظلم، وصدق الوصف يتعلق بصدق النظر، فإذا لم أصدق العيان لم أكن صادق الوصف، وإنما اختبرت ولم أنظر. ويقول العكبري عن البيت الثاني: المعنى: يريد: أني كنت أخبر ما جرى، ولم أعاينه، وكنت أحضر المختصين بك، لأني كنت شاهداً بشخصي، وكنت أغيب المختصين، لأني غبت معاينة، حيث لم أر بعيني ما جرى.
ويقول العكبري عن البيت الرابع: المعنى: يقول: قد رفع ناظره )رسول ملك الروم(، بعد أن كان ذليلاً، لأن عفوك عنه مثل الظفر به.
لقد أشار أبو الطيب في أبياته الأربعة السابقة إلى الرؤية، والنظر، والبصر والمعاينة، والناظر ومن سياق الأبيات نتبين أن كل هذه الأشياء المقصود بها الرؤية فالشاعر لم يقدر على رؤية الموقف بين سيف الدولة ورسول ملك الروم، بسبب تزاحم الناس لذا بين أن الوصف لا يصدق إلا بالنظر، لأنه لم يسمع ولم يبصر ما حدث، ولكن لمعرفته بسيف الدولة فقد كان معايناً وعيانه كله خبر، وعرف أن رسول ملك الروم قد رفع ناظره لما أمن من بطش سيف الدولة.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها محمد بن طغج:
1 إنَّما أحْفَظُ المديحَ بِعُينْي
لا بقُلْبي لماَ أرَى في الأَِميْرِ
2 مِنْ خِصَال إذَا نَظَرْتُ إلَيْها
نظمتْ لي غَرَائِبَ المَنْثُورِ
يقول العكبري في شرح البيت الأول: المعنى: يقول: أنا أشاهد بعيني ما أمدح به الأمير من خصال إذا نظرت إليها نظمت غرائب المنثور، فعيني تنظم فضائله لأنها تدركها وتشاهدها لا قلبي ويقول العكبري عن البيت الثاني: المعنى: يقول: عيني الناظمة.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها ابن العميد:
3 يَاَلَيْتَ باكِيةً شجاني دَمْعَها
نَظَرَتْ إلْيكَ كما نَظَرْتُ فَتَعْذرا
يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يقول: ليت التي أحزنني دمعها لما فارقتها بالمسير إليك والقصد لك، رأت كما رأيت منك، فكانت تعذرني على فراقها لما فارقتها بالمسير إليك والقصد لك، رأت كما رأيت منك، فكانت تعذرني على فراقها وركوب الأهوال إليك.
وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها بدر بن عمار:
4 مَضَى اللَّيْلُ والفَضْلُ الذي لَكَ لا يَمْضِي
وَرُؤياكَ أخْلَى في العُيُون منَ الغمْضِ
يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: أن الليل يمضي ويجيء، وفضلك ثابت باق، ورؤيتك أحلى في العيون من النوم لأنك محبوب.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها شجاع من محمد الطائي المنبجي:
5 وَوَيْلٌ لِنَفْسٍ حاوَلَتْ مِنْكَ غِرَّةً
وَطُوبَي لِعَيْنٍ ساعَةً مِنْكَ لا تَخْلُو
يقول العكبري عن هذا البيت: يقال: ويل له في الدعاء، وويح في الترحم والتحنن عليه ، كقوله صلى الله عليه وسلم: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية». وحاولت: طلبت. وغرة: غفلة. والمعنى: يقول: طوبي لعين لا تخلو من إبصارك، وويل لنفس طلبت منك غفلة.
وقال الشاعر وقد نظر الى خلعه مطواه ولم يرها على بدر بن عمار لعلة منعته:
6 أرَى حُلَلاً مُطَوَّاة حِساناً
عَدانَي أنْ أراكَ بها اعْتِلالِي
7 تُلاحِظُكَ العُيُونُ وأنْتَ فِيهْا
كَأنَّ عَلَيكَ أفئدَةَ الرّجالِ
يقول العكبري في شرح البيت السادس: الحلل: جمع حُلَّة. والحلة عند العرب: ثوبان. وعداني: منعني. والمعنى: يريد: أنه رأى الخلع مطواة إلى جانبه ولم يره فيها، لأنه كان ذلك اليوم الذي لبس فيه الخلعة عليلاً. وقوله «أراك بها» أي أراك وهي عليك ومعك، كما يقال: ركب بسلاحه، وخرج بثيابه. ويقول العكبري عن البيت السابع: قال أبو الفتح: هم يحبونك كما يحب الرجل فؤاده. وقال ابن فورجة: يعني استحسان القلوب وتعلقها به من حيث الاستحسان. وقال الواحدي: يديمون النظر إليك، فإن العين تبع للقلب تنظر إلى حيث يميل القلب إليه، فالعيون إنما تنظر إليك، لأن القلوب تحبك كما قال ابن جني، أو تستحسن الخلع، كمال قال ابن فورجة.
وقال أبو الطيب في قصيدة قالها في لعبة كانت تدور فسقطت عند بدر بن عمار:
8لَمْ أَرَ شَخْصاً من قبل رُؤيِتها
يَفْعَلُ أفْعَالها وما عَزَما
9 فَلا تَلُمْها على تَوَاقُعِها
أطْرَ بها أنْ رَأَتْكَ مُبْتَسِما
يقول العكبري عن البيت الثامن: المعنى: يقول: لم أر شخصاً قبل هذه يفعل أفعالها )أفعال اللعبة( يعني من الدوران.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها علي بن أحمد المري الخراساني:
10 وَاحْتِمال الأذَى وَرُؤيةُ جَاِنييه
غِذاء تَضَوَى به الأجْسامُ
يقول العكبري في شرح هذا البيت: تضوى: تهزل، وغلام ضاو، وامرأة ضاوية، وفيهما ضوى. والمعنى: يقول: الصبر على الأذى، وإبصار من يفعله غذاء ينحل منه البدن، أي أنه يشق على الانسان حتى يؤذيه.
لقد أشار ابو الطيب في أبياته العشرة السابقة الى النظر والرؤية وبين أن العين هي أداة الرؤية، وفي بيتيه الأول والسابع ربط بين العين والقلب، وقد سبق لنا وأن ذكرنا أن الإحساس الصادر من العين يثير عدة انعكاسات مثل التكيف، واثارة انفعالات وحركات بأجزاء الجسم المختلفة، وذكرنا أن الاشارات الحسية تنتقل من العصب البصري الموجودة أطرافه في شبكية العين التي تظهر عليها صورة الشيء المرئي مقلوبة الى المخ، وهذا يعني أن العين ما هي إلا عضو لاقط، واي حدث في الجسم بعد الرؤية ما هو الا ناتج عن الدماغ وفعله.. يقول قطب )2403ه 1983م(: العين وسيلة أو رسول أو أداة موصلة وهي على التحقيق جهاز لاقط ومرسل في آن واحد معاً.
ولقد استخدم ابو الطيب النظر والرؤية والعين كرمز وتشبيه ومدح.. قال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة:
1 وَمَنْ خُلِقَتْ عَيناكَ بيْنَ جُفُونه
أصابَ الحَدوُرَ السَّهْلَ في المُرْتقى الصَّعْب
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول: من خلقت له عين كعينيك، ملك القلوب بأهون سعي وقوله: «أصاب الحدور السهل في المرتقى الصعب»: مثل. معناه: سهل عليه ما يشق على غيره. ويريد أن المرتقى الصعب له حدود سهل.
وقال المتنبي في قصيدة يمدح بها المغيث بن علي العجلي:
2 إذَا بَدَا حجَبَتْ عْيَنيْكَ هْيبتُهُ
وَلَيْسَ يَحْجُبُه ستْرٌ إذَا احْتجبا
يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يريد أنه إذا ظهر للناس )المغيث العجلى( حجبت هيبته عيونهم عن النظر إليه لشدة هيبته. وقوله: ليس يحجبه ستر: يريد أن نور وجهه يغلب الستور، فيلوح من ورائها.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها طاهر بن الحسين العلوي:
3 إليَّ لعَمْري قَصْدُ كُلّ عَجْيبةٍ
كَأني عَجِيْبُ في عُيُونِ العجائب
يقول العكبري عن هذا البيت: لعمري: هو مصدر وهو قسم يقسم به، والمعنى: يريد أن العجائب: تعجب مني فهن يقصدنني ليعجبن مني. يعظم نفسه ويصف كثرة مصائبه.
وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها كافوراً:
4 وَيَوْمٍ كَلَيْلِ العاشِقِيْنَ كَمَنتُه
أُراقِبُ فِيْهِ الشَّمْسَ أَيَّانَ تَغْرُبُ
5 وَعَينِي إلى أُذْنَيْ أغَرَّ كَأنَّهُ
مِنَ الَّليْلِ باقٍ بينَ عَيْنَيْهِ كَوْكَبُ
يقول العكبري في شرح البيت الرابع: المعنى: يقول: رب يوم طال علي كما يطول ليل العاشقين، اختفيت فيه خوفاً على نفسي، أراقب حين تغرب الشمس حتى أسير إليكم )إلى كافور( «كمنته» اختفيت وقعدت بالكمين، وأيان: بمعنى متى. ويقول العكبري عن البيت الخامس: المعنى: أنه كان ينظر الى أذني فرسه: وذلك أن الفرس أبصر شيء، فإذا أحس بشخص من بعيد نصب أذنيه نحوه، فيعلم الفارس أنه أبصر شيئاً، ثم وصف فرسه فقال: كأنه قطعة ليل في وجهه كوكب.
وقال المتنبي في نفس القصيدة التي منها البيتان الرابع والخامس:
6 وَما الخَيْلُ إلاَّ كالصَّديقِ قِليَلةُ
وإنْ كَثُرتْ في عَيْنِ مَنْ لا يُجرّبُ
7 إذا لَمْ يُشاهِد غير حُسْنِ شياتِها
وأعْضَائها فالحُسْنُ عَنْكَ مُغَيَّبُ
يقو العكبري في شرح البيت السادس: المعنى: يقول: الخيل قليلة كقلة الصديق وإن كانت كثيرة في العدد وكذلك الصديق كثير عددهم، ولكنهم عند التحصيل والتحقيق قليلون، لأن الصديق الذي يعتمد عليه في الشدائد قليل، وكذلك الخيل التي تلحق فرسانها بالطلبات قليلة، ومن لم يجرب الخيل ويعرفها يراها في الدنيا كثيرة، وكذلك من لم يجرب الأصدقاء ويختبرهم عند شدته كثيرين والمعنى: أن الخيل الأصيلة المجربة قليلة والصديق الذي يصلح لصديقه في شدته قليل. ولهذا قيل: لا يعرف الأخ إلا عند الحاجة. ويقول العكبري عن البيت السابع: الشيات: جمع شية، وهي اللون. والمعنى: يقول: إذا لم ترمن حسن الخيل غير حسن الألوان والأعضاء فلم تر حسنها إنما حسنها في العدو والجري.
وقال الشاعر في قصيدة يمدح بها سيف الدولة ويهنئة بعيد الأضحي:
8 ذَكِيٌّ تَظَنِّيْهِ طِليْعِةُ عَيْنِهِ
ويَرَى قَلْبُهُ في يَوْمِهِ ما تَرَى غَدَا
يقول العكبري عن هذا البيت: الطليعة: الذي يُطلع القوم على العدو، فإذا جاءهم العدو أنذرهم. والمعنى: يقول: هو لصحة ذكائه ولصحة ظنه إذا ظن شيئاً رآه كالطليعة تتقدم أمام القوم، والمصراع الثاني تفسير للأول يقول: قلبه بظنه يرى في يومه ما ترى عينه في غد.
وقال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها الحسين بن إسحاق التنوخي:
9 وَأَبْصَرَ مِنْ زَرْقاء جوٍّ لأنَّنَي
إذا نَظَرَتْ عَيْناي شاءَهما عِلْمِي
يقول العكبري في شرح هذا البيت: جو: قصبة اليمامة وزرقاء: اسم امرأة من أهل جو، حديدة البصر، كانت تدرك ببصرها الشيء البعيد، فضربت العرب بها المثل، فقالوا: أبصر من زرقاء اليمامة، وقيل: اسمها اليمامة، وبها سميت اليمامة، وهي من بنات لقمان بن عاد، وقال قوم: هي من جديس، وقصدهم طسم في جيش حسان بن تبع، فلما صاروا بالجو على مسيرة ثلاثة أيام أبصرتهم، وقد حمل كل رجل منهم شجرة يستتر بها فأخبرتهم فكذبوها، ثم قالت: بالله لقد أدى رجلاً ينهش كتفاً ويخصف نعلاً فكذبوها فصبحهم جيش حسان، فاجتاحهم وأخذها، فشق عينيها اذا عرف فيها عرق من الأمثد، ومن روى )شأواهما( فالشأو: الغاية والأمد وبها روى أبو الفتح، ومن روى: شاءهما، أي سبقهما فهو مقلوب شأي، والمعنى أنه فضل نفسه في الرؤية على الزرقاء فقال: إذا نظرت عيناي فإنهما لا تسبقان علمي، فإذا رأيت الشيء ببصري، علمته بقلبي لأني عالم بالأمور، وفي رواية أبي الفتح: إذا نظرت عيناي، فغايتهما وأمدهما أن يريا ما قد علمته بقلبي، لأني قد عرفت الأشياء.
وقال شاعرنا المتنبي في قصيدة يمدح بها المغيث بن علي العجلي:
10 آرَانِبُ غَيْرَ أنَّهُمُ مُلُوكٌ
مُفَتَّحَةٌ عُيُونُهُمُ نِيامُ
يقول العكبري عن هذا البيت: الأرانب: جمع أرنب، وهي جنس من الوحش في صورة الأرنب )بقصد الشاعر ملوك عصره( فتزايد وعكس الكلام مبالغة، فجعل الأرانب حقيقية لهم، والملوك مستعاراً فيهم، وهذا عادة يختص بها، ثم ثال: هم وإن تفتحت عيونهم نيام من حيث الغفلة، كالأرانب نيام مفتحة الأعين.
وقال الشاعر في قصيدة يذكر بها حماه التي كانت تغشاه بمصر:
11 عُيُونُ رَوَاحِلي إن حِرْتُ عَيْني
وَكُلُّ بُغام رَازِحةٍ بُغامِي
يقول العكبري في شرح هذا البيت: حرت: تحيرت والبغام: صوت الناقة للتعب.
وهو صوت لا يفصح به. والرازح من الأبل: الهالك هزالاً والمعنى: أنه شبه نفسه في التحير بالبهيمة، عيني عينها، وصوتي صوتها، كما تقول: إن فعلت هذا فأنا حمار. وقال ابن فورجة: يريد أنه بدوي عارف بدلالات النجوم بالليل، فيقول: إن تحيرت في المفازة، فعيني البصيرة عين راحلتي، ومنطقي الفصيح بغامها. وقال الخطيب: عيون رواحلي تنوب عني إذا ضللت أهتدي بها، وصوتها إذا احتجت إلى أن أصوت ليسمع الحي، يقوم مقام صوتي، وإنما قال فغامي على الاستعارة.
وقال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها محمد بن عبدالله القاضي الأنطاكي:
12 غضَّ الشَّباب بَعْيدٌ فجْرُ ليلتَهُ
مُجانبُ الَعْين للْفحْشاءِ والْوسَنِ
يقول العكبري عن هذا البيت: الوسن: النعاس. والسنة: مثله. والغض: الطري. والمعنى: قال ابو الفتح: ليلته طويلة لسهره، فيما يكسبه من الدين والشرف والفخر، وليس هو ممن يقصر ليله باللذات. وقال الواحدي: فيه وجهان، فذكر هذا. وقال: الثاني: أراد بالفجر بياض الشيب، وبالليل سواد الشباب، لأن بياض الشيب بعيد عنه، لأنه شاب غض الشباب، وبالليل سواد الشباب، لأن بياض الشيب بعيد عنه، لأنه شاب غض الشباب، وقوله: مجانب العين» أي عينه بعيدة عن النظر إلى ما لا يحل، وعن النوم «أيضاً»، لطول سهره.
وقال الشاعر في قصيدة قالها في صباه:
13 فَكأنَّ كُلّ سَحَابةٍ وَكَفَتْ بها
تَبْكى بِعَيْنَيْ عُروَةَ بن حِزَام
يقول العكبري عن هذا البيت: عروة بن حزام: أحد العشاق والمشهورين، صاحب عفراء. والمعنى: يقول: كل سحابة أمطرت في تلك الدمن «أثار القوم بعد رحيلهم»، كأنها تبكي بعيني العاشق على فراق عفراء.
وقال ابو الطيب في قصيدة يمدح بها أبا العشائر:
14 إذَا مَرَرْنا عَلَى الأَصَمَّ بها
أغْنَتْهُ عنْ مِسْمَعَيْه عَيْناهُ
يقول العكبري عن هذا البيت: الأصم: الذي لا يسمع. والمسمعان: الأذنان. والمعنى: هذا يؤكد ما قبله «تنشد اثوابنا مدائحه بألسن ما لهن أفواه»، وذلك، لأن الأصم يراه كما يراه غيره، فإذا رآه استغنى عن أن يسمع أنه أعطى، فيكون كالسامع.
لقد استخدم ابو الطيب في بيته الأول من أبياته الأربعة عشرة السابقة العينين في وصف قوة شخصية وعظمة صاحبه سيف الدولة، فهو يقول من خلقت له عين كعينك يا سيف الدولة ملك القلوب بأهون سعي. ويقول في بيته الثاني إذا ظهر المغيث العجلي للناس صدت هيبته وقوة مكانته وشخصيته أعين الناس عن النظر إليه. أما في بيته الثالث فقد جعل للعجائب أعين لأنها تعجبت منه، ومن هنا تبين أن العين هي العضو اللاقط والمرسل الى الجهاز العصبي «المخ» ليقوم بوظيفته المحددة نحو الشيء المرئي. وبين ابو الطيب في بيتيه الرابع والخامس ان العين ونظرها هي المسؤولة الأولى عن سلامة صاحبها في حالة الخوف، وهي المثير الأول للانفعالات الجسدية المختلفة فالشاعر كان يترقب وبقلق شديد غروب شمس نهاره وأداته بصره، فلما غابت شمس يومه تحولت عيناه الى اذني جواده ليأمن طريقه. وبيّن شاعرنا في بيتيه السادس والسابع ان العين هي اداة الرؤية والمشاهدة ولكن قد تكون الرؤية والمشاهدة غير كافية من التحقق مما رأته العين، ولذا يلزم أمور أخرى للحكم على الأشياء حتى ولو ان العين هي البادية بالرؤية والمشاهدة. وفي البيت الثامن بين الشاعر ان الذكاء وصحة العقل والظن قد تسبق العين في رؤية الأمور على حقيقتها، فالعقل والذكاء والحدس قد ترى الأشياء اليوم على حقيقتها وتراها العين مجردة في غد. واستخدم ابو الطيب في بيته التاسع أسطورة «؟» تتعلق بالعين والرؤية ليصف بها نفسه في قوة حدسه وذكائه وصدق ظنه الذي يسبق رؤية عينيه، لأنه فضل نفسه في الرؤية على زرقاء اليمامة. أما في بيته العاشر فقد استخدم المتنبي وضع خلقي خاص بعيني الأرنب، حيث ان عيون الأرانب تفتقد الجفنين فتنام وعيونها مفتحة ليصف بها ملوك عصره، فرغم ان عيونهم كانت مفتحة إلا انهم كانوا غافلين عما يحيط بهم.
وجعل ابو الطيب في بيته الحادي عشر عيون رواحله عينيه اذا تحير في المفاوز وأية طريق يسلك. وبين الشاعر في بيته الثاني عشر ان العين هي اداة الرؤية ، هذه الرؤية تعتمد على عقل صاحبها فيما ينظر اليه من حلال أو حرام. واستخدم ابو الطيب في بيته الثالث عشر ما ورد في كتب التراث من كثرة بكاء عيني عروة بن حزام على محبوبته عفراء ليصف بها مطر السحاب على أثار احبابه الراحلين. وبين ابو الطيب في بيته الرابع عشر ان العين تغني عن الأذن، لان الأصم يرى ولا يسمع فالرؤية للأشياء تغنيه عن السماع.
يتبع