| أفاق اسلامية
* الجزيرة خاص:
استبعد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس أن يكون هناك كمال أسري لأنه أمر مستحيل المنال، كما أن القصور البشري أمر جبلي، حاثاً فضيلته الزوج والزوجة على أن يوطن كل منهما على قبول الهنات، التغاضي عن الزلات، والتسامح عند وجود الهفوات.ودعا فضيلته في حديث ل «الجزيرة»،الأزواج والزوجات إلى أن يعرف كل واحد منهم حقوقه وواجباته، فيقوم بها خير قيام حتى لا تعاني الأسر من مشكلات تقض المضاجع.وقال الشيخ السديد: من نعم الله على عباده أن هيأ لهم الأسر والبيوتات، ومنَّ عليهم بالزوجات الكريمات، آية من آياته، سكناً ورحمة ولباساً ومودة، قال تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون»، وقال جل من قائل: «والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون».
واستطرد فضيلته قائلاً: يجد الرجل في بيته المأوى الكريم، والراحة النفسية بعد عناء العمل وطول الكدح والكلل، ينفض عن نفسه غبار السآمة والملل، ويبدد متاعب الحياة بابتسامة حانية، وبشاشة مشرقة، وكلمات رقيقة، ومعاملة رفيقة، وعواطف دافئة، ومشاعر فياضة، تُبادلها إياه شريكة عمره، ورفيقة دربه، وصفية فؤاده، وتجد المرأة في بيتها عش الزوجية السعيد، وبيت العمر الرغيد، ينشأ في كنفه ويترعرع بين جنباته جيل صالح فريد، في ظل أبوة حادية وأمومة حانية، بعيداً عن أسباب التوتر والقلق ومنغصات العيش وجالبات الشقاء والاضطراب.
وأكد الشيخ السديس أن الإسلام يريد من الأسر أن تكون قلاع خير ومحبة ووئام، وحصون بر وحنان وسلام، ويطلب من ركني الأسرة العريقين الزوج والزوجة أن يكونا مثالاً لحسن التعاون، القيام بالحقوق والواجبات لكل منهما وعليه، فالسعادة لا تكمن أبداً في ملبس بهي، ومطعم شهي، ووعد شجي، وعيش طري، وإنما في المودة والرحمة والمحبة والتعاون، وإن بيتا يقوم على النزاع والخصومات، وتنتشر فيه الإحن والمشكلات، لحري أن تمتد إليه أعاصير الدمار، وتقضي عليه رياح التفكك والبوار، في بعد عن هدوء البال ونشدان الاستقرار، مشيراً إلى أن العلاقة الزوجية هي علاقة عميقة الجذور وطيدة الأركان بعيدة الأغوار، يمثل ذلك قول الحق تبارك وتعالى : «لتسك نوا إليها»، مما يؤكد تحقيق الطمأن ينة بأعلى صورها وأسمى معانيها، وقوله سبحانه : «هن لباس لكم وأنتم لباس لهن».ومضى فضيلته في حديثه يقول: إن عظمة الإعجاز القرآني بهذه الصورة البليغة التي تجسد صلة الزوجية بصلة المرء بلباسه، وأي شيء أقرب له وألصق به منه؟، وهي بهذا تسمو عن العلاقات الدنيوية والصلات المادية، والروابط الشهوانية والأمور البهيمية، بل هي علاقة روحية ونفسية كريمة، ولهذا حرص الإسلام على توطيد هذه العلاقة، وأمر بالمحافظة عليها، وحذر من التساهل والتقصير فيها، حتى لا تذبل وردة صفائها، وتجتث شجرة بقائها، ولا يتأتى ذلك إلا بقيام كل من الزوجين بما له وما عليه، قال الله تعالى : «وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيراً»، وقوله جل وعلا : «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم»، وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم»، وله أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».
وطالب الشيخ السديس الأزواج بالقيام بحق المبيت والمعاشرة وتعليمهن أمور دينهن، والغيرة عليهن، وصيانة كرامتهن، وحفظ أعراضهن، ولا تتركوا لهن الحبل على الغارب، وألزموهن بالستر، والحجاب، والعفاف، والحشمة، واحفظوهن من دواعي الفساد، ووسائل الهدم، وأسباب الجريمة، محذراً في ذات الوقت من صور التعامل التي يعامل بها بعض الأزواج زوجاتهم، فمن الرجال من لا يعرف في بيته إلا لغة الأوامر والنواهي، يكشر، ويزمجر، ويستطيل، ويستبد، سيء العشرة، ثقيل الطبع، بطيء الرضا، سريع الغضب، شديد الانفعال، إن تكلم فأحمق، وإن تصرف فأخرق، صفيق وجهاً، ضيق عطناً، إن دخل بيته فمنان، وإن خرج منه فظنان، ليس بلطيف ولا حنّان، تعيش زوجته معه في عناء، وتتقلب في شقاء، وتتجرع معه غصص الحياة.
ووجه فضيلته حديثه للزوجات بقوله: اتقين الله في أزواجكن، وأطيعوهم بالمعروف، وانظري أيتها الزوجة: أين أنت من زوجك؟، فإنما هو جنتك ونارك، كما روى ذلك في حديث عند أحمد والحاكم، واعلمي أن مقياس قربك من الله بمقدار رضا زوجك عنك بالمعروف، روى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة»، داعياً فضيلته إياهن إلى حفظ بيوت أزواجهم وأموالهم وأولادهم، ولا ترهقوهم في النفقة، وقمن بخدمتهم وحقوقهم، واحذرن من التساهل في ذلك فقد ورد الوعيد الشديد في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح»، ، وفي رواية «والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتي يرضى عنها زوجها».
وأسف إمام وخطيب المسجد الحرام أشد الأسف من وضع كثير من الزوجات في بيوتهن ومعاملتهن لأزواجهن، فقال: فمنهن من لا تعرف من زوجها إلا الخادم الذليل، تمطره بوابل الطلبات والحاجات، وتزعجه بقوائم المشتريات والكماليات، من الزوجات من تكلف شططاً وتقول غلطاً وتكثر لغطاً وتتبع سقطاً، كنود عنود غير ودود، إذا دخل الرجل بيته يجد الثوب الرث والشعر المنتفش، والتطاول والزعيق، تصبح وهي نوامة وتمسي وهي لوامة تعتمد في عمل البيت على الخادمات ولا تعرف إلا الخروج إلى الصاحبات، والذهاب إلى الحفلات فلا دين يردعها ولا خلق يقومها، تدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور عند أدنى فتور، برزة مترجلة، لا خير فيها لأهل بيتها ولا لزوجها ولا أولادها.
وخلص فضيلته إلى القول إن سبب صلاح الأسر والبيوت عمرانها بطاعة الله وإبعادها عن معصيته، فالمعاصي شؤم الأسر وخراب البيوتات، فكم تفرق جمع وتشتت شمل، واضطربت أسر، وطلقت نساء، وشرد أبناء، بشؤم المعاصي المسموعة والمرئية والمقروءة، وإن البيوت من آخر المعاقل لنشر الإيمان، وإخراج جيل العقيدة والقرآن في هذا الزمان، محذراً فضيلته في ذات الوقت من أن أعداء الإسلام مازالوا يشنون حملاتهم الشعواء على البيوت والأسر، لتقويض أركانها وزعزعة بنيانها، وتقويض تماسكها، وإثارة الخلافات بين الزوجين، مبيناً قد استجاب لذلك كثير من ضعاف الذمم، فعملوا على إضرام نار الفتنة بين الزوجين ويدخل أناس من غير الأسرة في التخبيب بين الزوجين.
وحث فضيلته آباء وأمهات الأزواج والزوجات على عدم التدخل في حياة أبنائهم إلا فيما فيه مصلحتهم، وليكن بيت النبوة، على صاحبه أفضل الصلاة ولاسلام، مثالاً يحتذى ، وأنموذجاً يقتفى في تحقيق السعادة، وقطع دابر المشكلات والخصومات داعياً كل زوجين حصل بينهما ما حصل ان يطويا صفحة الماضي، وأن يبدآ حياة جديدة ملؤها التسامح والمحبة والوئام، كما دعا فضيلته إلى تكوين لجان في كل أسرة وقبيلة، لعلاج المشكلات الزوجية قبل استفحالها وتفاقمها، وتحكيم الحكمين، كما شرع الله عز وجل ، وأن يتحلى الزوجان، لا سيما من بيده عصمة الزوجية يتحليا بالصبر وعدم التعجل في فصم عرى الزوجية.
|
|
|
|
|