| الثقافية
في تلك الحارة البسيطة يكثر لهو الشباب وضحكاتهم في النهار والليل وكأي حارة أخرى لابد ان يكون لهذا الضحك واللهو ضريبة فلا يخلو يوم إلا وقد حدثت فيه مشاجرة بين اثنين منهم.. وفي إحدى الفترات سرت بانحاء مدينة الرياض اشاعة بوجود كائن غريب لايعرفون له جنسا يقوم هذا الكائن بايذاء الانسان وارعابه وخطف الأطفال وقد انتشرت هذه الشائعة انتشارا عجيبا حتى وصل الأمر ببعض الأطفال والشباب ان يتوقع كل شخص منهم خروج هذا الكائن له في أي مكان.. ودب الخوف في قلوبهم حتى لا يخرج أحدا منهم في الليل لوحده إلا وتجيء معه مجموعة من أصدقائه.
وكان الشباب يخوف بعضهم البعض فمثلا عندما يجتمعون يتفقون أنهم يتكلمون لفترة قصيرة ثم يهربون دفعة واحدة ويتركون أحدهم لوحده في ساحة الملعب.. أو أن يتفق اثنان "بيوتهم بجانب بعض" على ان يستدرجوا أحد الذين تبعد بيوتهم أمتارا قليلة الى بيوتهم فيقومون بالاسراع ويدخل كل منهما بيته فيظل المسكين يصارع خياله بخروج ذلك الكائن الغريب..
ذلك الأمر جعل مجموعة من الشباب يهوون مغامرات الرعب ان يفكروا في ايجاد طريقة رعب جديدة تواكب طريقة الكائن الغريب.. فاتفق هؤلاء وهم ستة أشخاص على ان يقوموا بتأسيس مجموعة رعب اسمها "السود" وما يميز هذه المجموعة هو لبسهم الملابس السوداء الكاملة ومعها القفازات والقناع الأسودان..
فاتفقوا على ان ينشروا الرعب بين شباب الحارة والحارات القريبة لحارتهم.. فوزعوا على أنفسهم أدوات لكل شخص فهذا فرحان وخليف وظيفتهما بث الاشاعات "رأيت كذا.. سمعت ان هذا حصل.. الخ" وهذا عبيد وظيفته توفير أدوات المهنة من ملابس وسلاسل حديدية وغيرها.
أما بشير وفاضل فميزتهما الركض السريع والجسم الذي لا يخيب ظنك عند الأزمات، وقد تم تخصيصهم لدور البطولة فهم الذين يلبسون الملابس ويقومون بأدوار الحركات السريعة.
أما آخرهم فهو مرزوق ولم ينوون وضعه لولا أنه يملك سيارة "وانيت" فقد فكر أحدهم بوسيلة نقل ضرورية أثناء العمل.
واصل هؤلاء الشباب اتفاقياتهم بأن يكون عملهم ليلا فقط.. وهو ان يخرج بشير وفاضل وهما يلبسان الأسود فيمران من أمام أهل الحارة بحركة سريعة ونظرات ترعب مشاهدها.. وبالطبع هذا الخروج قد مُهّد له عن طريق بث الاشاعات والقصص الكاذبة فقد ذكر لهم فرحان أنه رأى في ليلة سابقة ان شخصا يلبس الأسود وقد انتقل من باب منزل الى آخر يستكشف ويبحث عن أحد ما لا أعرف ماذا يريد به.. هذا الموقف أو القصة الكاذبة من خلالها عاد الشباب الى خوفهم وتذكروا تلك الشائعة التي لم يمض عليها أيام كثيرة.. وبدأ الخوف يدخل قلوبهم.
وفي إحدى الليالي قام فرحان وخليف بطريقتهما الخاصة بتجميع أكثر الشباب في دكة الحارة واسمعوهم احدى القصص المثيرة والمرعبة- فما هي إلا لحظات وقد خرج بشير مسرعا في الجهة الأخرى وسط صرخات فرحان وخليف "هذا هو.. هذا هو.." قفز الجميع الى منازلهم، وفي الجهة الأخرى كان مرزوق ينتظر بشير بسيارته لكي يخفيه بسرعة البرق وذلك احتياطا لأن تتم مطاردة بشير من قبل أحد أفراد الحارة.. وبعد دقائق خرج أولياء الأمور والشباب لكي يبحثوا عن أحد فلم يجدوا شيئا.. وقد خرج معهم بشير بثوب النوم ليبعد الشبهة عنه..
وبعد ذلك رجع الآباء وأولادهم الى الحارة فإذا بأحد السود جالس في دكة الشباب وهو بالطبع فاضل الذي تسلم زمام الأمور فما ان وقف الجميع مندهشا إلا وهم فاضل بالهرب في الجهة الأخرى فكان الوفي مرزوق بانتظاره واختفى عن الأنظار.. فانتشر الرعب أكثر وأكثر خصوصا ان هذا الموقف حصل أمام عيون الآباء الذين كانوا يضحكون على أولادهم حينما يقصون لهم ما يحدث بعد لحظات فإذا بمرزوق وفاضل "الذي غير ملابسه بسرعة" قد زاد تنفسهم وخوفهم حتى لا يكادوا ينطقون جملا مفهومه فقالوا انه قد صادفهم بالطريق ومعه السلاسل قام بلفها على جسمه واللعب بها..
وهكذا يحدث يوميا او شبه ذلك اعمال رعب بالحارة.. الى ان طلب فرحان "وهو المكلف لبث الاشاعات" طلب ان يسلموه الدور ليقوم بتطبيقه معللا ذلك بانه مل من ادوار موزع الاشاعات فرفض الجميع هذا الطلب وقالوا بان ذلك سوف يؤثر على سير العمل هذا عدا ان جسم فرحان من الاجسام الممتلئة.
غضب فرحان من هذا الرفض مما جعله لا يخلص لعمله وبدأ يبث اشاعات اقل قوة من السابق رغم اجتهادات زميله خليف الذي حاول ان تستمر الشائعات بنفس قوتها.
وفي احد الايام دعا احد شباب الحارة اصدقاءه الى وليمة في المنزل وما ان وصلت الدعوة الى الشلة حتى فرحوا فرحا شديدا لان هذه الدعوة ستعزز من قوة الرعب التي يمتلكونها خصوصا ان اهل الداعي غير موجودين في المنزل.
بدأت الجلسة وقد جلس فيها المجموعة ماعدا فاضل الذي كلف بدور المرعب في هذه الجلسة ومرزوق الذي ينتظر فاضل عند سيارته بينما تعمد عبيد مجهز الملابس ان يدخل آخر شخص الى المنزل لكي يقوم بتوفير المكان المخصص لحركة الرعب التي سوف يفعلها فاضل فقد اتفقا على ان يكون فاضل واقفا على سور المنزل للحظات فينزل ويهرب وماهي الا لحظات من بداية السهرة حتى سمع الجالسون ضربة قوية على نافذة المجلس فهبوا جميعا الى فناء المنزل فاذا بالاسود قد وقف على السور فاتحا ذراعيه متلفقا بالسلاسل فاذا بألوان وجوه الشباب قد تغيرت.
بعد ذلك نزل فاضل وانطلق بسرعة قصوى الى احد الممرات حيث مرزوق فانطلقا في السيارة وبحث الآخرون وهم خائفون.
وسط هذا الموقف زاد اصرار فرحان على تقمص دور البطولة بدلا من دوره الحالي الذي يعتبره دورا هامشيا ولكنه قوبل بالرفض مرة اخرى.. بعد هذا الرفض قرر فرحان ان يفضح الامر بين شباب الحارة.. وبالفعل في احد الاجتماعات الشبابية الليلية قص فرحان القصة كاملة وكانت المفاجأة له بانهم لم يصدقوه ووصفوه بالكاذب وانه كان يقص عليهم بعض المواقف فكيف يأتي ويكذبها الآن؟
واضافوا بأن بشير وفاضل قد رأيناهم اثناء ما حدثت هذه المواقف فكيف تقول انهم هم من يرعبوننا؟
فرحت المجموعة لما حدث لفرحان وقرروا تجميد عملياتهم لايام قليلة حتى يغيروا في الخطط لان فرحان بالطبع سوف يستغل اي خطأ بسيط في التنظيم ليعلن الفضيحة وبالجانب الآخر قرر فرحان ان يكون جاهزا في اية لحظة للانقضاض على احد ابطال المجموعة عند مروره حاتم بت للجميع انه صادق.
وفي إحدى الليالي علمت المجموعة ان فرحان غير موجود في دكة الحارة مع الشباب فقرروا ان يقوموا لهواياتهم فبشير البطل ومرزوق ينتظر ولكن حدثت المفاجأة التي لم تكن بالحسبان ففرحان بالفعل لم يكن موجودا في الدكة ولكنه كان قد اختبأ بالقرب من سيارة مرزوق الذي لم يغير موقف السيارة لينتظر بشير ويكشفهم وقد اتفق مع الشباب الجالسين بأن يلحقوا الذي يمر وبالفعل ما ان استعد بشير وانطلق من الجهة الاخرى حتى هب الشباب راكضين خلفه فكان المشهد مرعبا بالنسبة لمن يقوم بدور المرعب ولكن بشير اطمأن عندما تذكر ان مرزوق ينتظره في الجهة المقابلة وواصلوا الركض خلفه حتى وصل لسيارة مرزوق فصرخ بوجهه "حرّك.. حرّك" فاذا بالسائق ليس بمرزوق وانما فرحان الذي لم يحرك السيارة حتى يأتي شباب الحارة وينظرون الحقيقة ويعرفون حقيقة الاشاعات بأنها مهما كانت مرعبة فهي اشاعة.
حامد عوض العنزي
الرياض
|
|
|
|
|