| لقاء
* دمشق الجزيرة عبدالكريم العفنان:
في حوار سياسي له مع «الجزيرة» أكد الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة على ان الوضع الراهن في الاراضي الفلسطينية و أيضاً للقضية الوطنية، يمر عبر منزلقات اكثر خطورة، تتطلب من الشعب الفلسطيني سلطة ومعارضة وحدة الجميع على الارض في ميدان الانتفاضة، كما تتطلب من السلطة مغادرة «مواقع الضبابية» في الخطين السياسي والاعلامي، وفي التعاطي مع الحركة السياسية الجارية على يد القوى الاقليمية والدولية النافذة..
وهاجم خطة مدير وكالة المخابرات الامريكية المركزية «تينيت» فقال انها الخطة لخصت كل ما يجري على الارض الفلسطينية في «دوامة عنف» وليس حركة نهوض وطني لشعب تحت الاحتلال يواجه القمع بأبشع اشكاله.. ان ورقة تينيت تعاطت مع الامور على قاعدة أمنية فقط، ونظرت إلى الانتفاضة كظاهرة لعملية مسخ بشعة.. تينيت حوّل النضال الفلسطيني إلى «حالة أمنية منفلتة».
وأضاف : ان التظاهرات الفلسطينية عبرت عن الرفض لخطة تينيت.. وفي اجابة على سؤال حول وجهة نظره في الموقف العربي قال بدءاً ان للمملكة دورا بارزا تعود جذوره إلى سنوات الصراع الماضية.. وموقف ولي العهد الامير عبدالله بن عبدالعزيز ثبّت مصداقية الدور السعودي البارز.. وهناك تصريحات الرئيس مبارك التي تحذر شارون من مواصلة حرب التطويق والاغتيالات ضد الفلسطينيين ومد الحريق إلى لبنان وسوريا.. فيما يلي نص الحوار معه:
شارون والتسخين الدموي الفعلي
بالتوازي مع الاستمرار الاسرائيلي بقمع الانتفاضة وانتهاج اسلوب التصفيات لنشطاء العمل الميداني الفلسطيني، يشدد رئيس الحكومة الاسرائيلية شارون على ما يسمى إنهاء العنف والارهاب والتبريد. كيف تنظرون إلى هذا الامر؟
* كرر المجلس الوزاري المصغر لحكومة شارون تجديده بتخويل وزير حرب العدو بن اليعازر للقيام بتوسيع عمليات الاغتيال والقتل لكوادر ومناضلي الانتفاضة والشعب الفلسطيني. وبمعنى آخر توسيع دائرة النيران الاسرائيلية واشعال المزيد من الحرائق في وجه الشعب الفلسطيني، على امل اجهاض الانتفاضة وتدميرها، ودفع الفلسطينيين للعودة صاغرين إلى طاولة مفاوضات مذلة ومرسومة النتائج سلفاً بفعل عامل القوة الذي تضغط به حكومة شارون على الشعب الفلسطيني بأسره أمام سمع وبصر دول العالم.
وعلى ضوء هذا التطور في الموقف الاسرائيلي والترجمة العملية اليومية له على ارض الواقع، عبر تواصل التصفيات والاغتيالات، يتضح أمام الجميع ان «التبريد» عند شارون هو «تسخين دموي فعلي». و«التبريد» عنده ايضا يعني شن حرب شعواء لإنهاء الانتفاضة وتوسيع المستوطنات وزرع 66 مستوطنة جديدة منذ شباط/فبراير 2001، ومنع بن اليعازر نفسه من تفكيك فقط «16 من مستوطنات الشارع» رغم قرار المجلس المصغر الذي قرر الموت للفلسطينيين.
المطلوب وحدة الفلسطينيين سلطة ومعارضة
ما هو تقديركم وموقفكم السياسي كجبهة ديمقراطية لتعامل السلطة الفلسطينية مع السياسة الاسرائيلية الجديدة؟!
* الوضع بات يمر عبر منزلقات اكثر خطورة، تتطلب من الشعب الفلسطيني سلطة ومعارضة التأكيد على وحدة الجميع على الأرض في ميدان الانتفاضة. كما يتطلب من السلطة مغادرة مواقع الضبابية في الخط السياسي والاعلامي، وفي التعاطي مع الحركة السياسية الجارية على يد القوى الإقليمية والدولية النافذة.
فالضبابية واختلاط الالوان اصبحت للاسف سيدة الموقف في الخطاب الإعلامي والسياسي السلطوي الفلسطيني، بينما القوى الميدانية على الأرض، قوى الانتفاضة الوطنية والديمقراطية والاسلامية تملك موقفا واضحا ازاء كل ما هو مطروح من المبادرة المصرية الاردنية، تقرير ميتشل وصولا إلى ورقة رئيس المخابرات المركزية الامريكية المعروفة باسم ورقة تينيت.
إن هذا التحول اليومي والانتقال من مشروع إلى مشروع آخر ادنى مما سبقه يخلق التراجعات الجارية في صفوف قيادة السلطة، عدا عن ما يسببه من احباط وسوء تقدير وخلط للامور داخل الشارع الشعبي الفلسطيني في صف الانتفاضة والشتات. كما انه يسهل على بعض عربنا ان يتملصوا وان يتحللوا من كل ما هو مطلوب منهم تجاه دعم الانتفاضة والشعب الفلسطيني وفقاً لقرارات قمتي القاهرة )تشرين الاول/أكتوبر 2000( وعمان )آذار/مارس 2001( العربيتين.
للمملكة دور بارز ثبتت مصداقيته
بمناسبة الحديث عن الموقف العربي، هل هناك برأيكم صلة بين الموقف وبين المبادرات العربية والدولية التي تظهر لحل المشكلة؟
* للمملكة دور بارز في هذا المجال، تعود جذوره إلى سنوات الصراع الماضية، والآن يثبت موقف الأمير عبدالله مصداقية الدور السعودي البارز، ورغم مواقف عربية متعددة وفي مقدمتها تصريحات الأمير عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس مبارك تحذيراً لشارون من مواصلة حرب التطويق والاغتيالات على الفلسطينيين ومد الحريق إلى لبنان وسورية وكون شارون يرتكب «الخطأ القاتل» بتعبير ولي العهد السعودي، فقد اطلت علينا بعض المبادرات العربية الهادفة لتجسير الهوة مع حكومة شارون، فكانت مبادرات اشغال وتعطيل فضلا عن انها راوحت مكانها اصلا لأنها لا تملك مقومات النجاح وأدت إلى خطوة إلى الوراء ولم تؤثر قيد انملة على موقف العدوان الاسرائيلي المتسع على شعبنا، فهي عامل اشغال وتفكك سياسي على المستوى العربي الاقليمي بدلا من توحيد الجهود العربية خلف الانتفاضة والمقاومة الوطنية، وضرورة استمرارها، ومواكبة خطوات انتزاع الشرعية العربية والدولية لها، كما للمقاومة في جنوب لبنان )تفاهم نيسان/ابريل 1996 بعد حرب عناقيد الموت( من أجل الوصول إلى اهدافها التي اعلنت عنها في الحرية والاستقلال.
الآن يظهر على السطح ان النزول والانتقال المتدرج نحو الأدنى من المطالبة بتنفيذ تفاهمات شرم الشيخ، إلى ورقة تينيت، إلى اقتراحات باول والتحايل على تقرير لجنة ميتشل، وتحويله إلى خطوات بالتوالي وليس بالتوازي باعتباره رزمة واحدة، ووضع مرجعية اسبوع «وقف اطلاق نار» بيد شارون الذي يسبقه تاريخه... مسلسل التداعيات هذا انتج حالة من التعويم في السياسة الفلسطينية السلطوية، وغرق متزايد في اللعبة التكتيكية المؤذية، لأنها استبدلت الوضوح المشروع بلعبة غامضة لا علاقة لها بالجهد المطلوب من اجل فرض استحقاقات الشرعية والمرجعية الدولية، وتوحيد الضغوط لعزل شارون بحكم كونه «مجرم حرب»، باتجاه التعجيل برحيل حكومة شارون ومتابعة حصار السياسة الاسرائيلية الرافضة لمنطق سلام الشرعية الدولية.
إدانات دولية لسياسة الاغتيالات
برأيكم هل يمكن إخراج فكرة التعجيل برحيل حكومة شارون إلى حيز التطبيق العملي؟! وكيف يمكن محاصرتها دولياً؟!
* ليلحظ الجميع نحن والدول العربية ان بيريس «زعيم مذبحة قانا» وعناقيد الموت هدد علناً بالاستقالة، لم يعد يحتمل سياسة الموت الشارونية تمهيداً لتنفيذ «هجومه الشامل الجاهز التخطيط».
ولنلحظ إدانة باول وزير الخارجية الامريكي، وكوفي انان امين عام الامم المتحدة، والاتحاد الاوروبي سياسة الاغتيالات الشارونية.
صمود الانتفاضة بشهرها العاشر يقدم تفاعلات دولية، بينما ازدواجية في خطاب السلطة الفلسطينية وأوضاع عربية متخلفة عن نتفيذ قرارات قمتي القاهرة وعمان. من جانبنا في صف الشعب وقلب الانتفاضة عملنا ونعمل على توضيح هذه السياسة الوطنية/القومية الملموسة، ووضع كل المعلومات التي بحوزتنا بيد شعبنا، بيد قوى امتنا وشعوبنا العربية، وقوى السلام والديمقراطية في العالم. حقا زمن تغييب الشعوب وطبخ الصفقات من وراء ظهرها قد ولى إلى الابد.. وحتى لا يعود شعب الانتفاضة والمقاومة إلى اخدود نفق سياسة اوسلو المسدود.
إن الوضوح في التعاطي مع الحركة السياسية الدولية ونشاط المبعوثين والرسل من بيرنز إلى سولانا إلى موراتيفوس، الوفد الروسي، وأخيراً كولن باول... ضرورة هامة جداً، لأن الحقوق الوطنية لشعبنا موضع اجماع دولي، وادانة الاحتلال والاستيطان موضع اجماع دولي ايضا، لذلك من الخطأ التكتيكي والاستراتيجي ان نضع انفسنا داخل الغموض وعمى الوان تفاهمات شرم الشيخ والعودة إلى ما قبل 28 أيلول/سبتمبر 2000، بينما نملك الموقف الدولي المتفهم لقضايانا العادلة.
ورقة تينيت تعاملت مع الواقع من قاعدة أمنية فقط
هل تندرج ورقة تينيت مثلاً في سباق الموقف الدولي المتفهم؟!
* بكل الحالات، ومع الوقائع السلبية في الحركة السياسية التي لخصت كل ما يجري داخل فلسطين باعتبارها «دوامة عنف» فقط وليس حركة نهوض وطني لشعب تحت الاحتلال يواجه القمع بأبشع اشكاله، اود ان اقول ان ورقة تينيت تعاطت مع الامور على قاعدة أمنية فقط ونظرت إلى الانتفاضة كظاهرة أمنية بعملية مسخ بشعة. فقد تحول في عرف ورقة تينيت النضال الوطني التحرري الفلسطيني إلى «حالة أمنية متفلتة»، يتم ضبطها من خلال اجراءات محددة على الارض عنوانها «وقف العنف الفلسطيني» مقابل فك الحصار الاسرائيلي الجائر على الارض الفلسطينية وعودة قوات الاحتلال إلى خطوط )28/9/2000(.
وبالطبع، هناك العديد من المثالب التي يمكن تسجيلها على الورقة ذاتها وعلى خلفية هذه المثالب، فإن هذه الورقة تعصف بها عاصفة «الاغتيالات الشارونية» الآن، وتظهر هشاشتها على السطح.
)تحويل القضية كلها إلى أمنية!(
ما هي من وجهة نظركم مخاطر مضامين ورقة تينيت؟ وما رأيكم بموقف السلطة الفلسطينية من هذه الورقة؟
* مع غياب البحث السياسي الحقيقي والجاد للقضايا والعناوين المطروحة على مائدة المفاوضات، والتجاهل المتواصل الامريكي لها، وغياب الدوافع العربية الفاعلة، تحولت قضايا الانتفاضة الفلسطينية عند حكومة شارون الصهيونية إلى قضايا أمنية اسرائيلية بحتة مردها الطرف الفلسطيني، الامر الذي استدعى من الادارة الامريكية التعجيل بتنشيط واعادة احياء دور وكالة المخابرات الامريكية )C.I.A( على خط المفاوضات المتوقفة بين حكومة شارون والسلطة الفلسطينية. وفي هذا السياق جاءت الاجتماعات الامنية المشتركة والثلاثية ما بين رام الله والقدس وغزة وتل ابيب، وتقديم جورج تينيت رئيس )C.I.A( لورقة العمل الأمنية متجاوزاً بها حتى تقرير لجنة تقصي الحقائق الدولية «تقرير لجنة ميتشل» وتحديداً ما يتعلق بالاستيطان وضرورة وقفه باعتباره شكّل وما زال المصدر الرئيسي لدوامة العنف.
ومن اللافت للانتباه ان ورقة تينيت التي قدمت في الاجتماعات المشتركة الثنائية والثلاثية، اصبحت محط الحركة السياسية للمبعوث الامريكي الجديد للمنطقة بيرنز. فبيرنز يرهن خطواته السياسية ومجمل حركته على مدى اختراقات جورج تينيت في معالجة الموقف من الزاوية الأمنية، وتحديدا بشأن وقف الانتفاضة الفلسطينية باتخاذ خطوات على الارض تقصم ظهر قوى الانتفاضة الميدانية. وبذا فان ورقة تينيت المقدمة مؤخراً تعالج الموضوع من منطلق أمني بحت باعتبار الانتفاضة ظاهرة أمنية وليست حركة نهوض وطني لشعب قابع تحت الاحتلال منذ عدة عقود. على هذه الخلفية، جاءت ورقة جورج تينيت المنشورة بنودها الرئيسية على صفحات هارتس الاسرائيلية يوم )10/6(.
والأهم النص الكامل بمجلة الحرية الناطقة بلسان الجبهة الديمقراطية )24 30 حزيران/يونيو )2001(، حيث يرفق تينيت ورقته بالدعوة إلى تحريك العملية السياسية وعودة الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي إلى طاولة المفاوضات بعد ان تكون الانتفاضة قد اخمدت تماما وتفككت قواها، وعند ذلك لن يكون هناك من خيار سوى النزول الفلسطيني عند مفاوضات الامر الواقع التي يريدها شارون وحكومته الائتلافية الصهيونية مع الطرف الفلسطيني.
وفي الفحص بمضمون ورقة تينيت الامنية الامريكية، يتضح مباشرة استجابتها العالية للاولويات المطروحة اسرائيليا مع الاخذ بتقرير ميتشل بشكل انتقائي من خلال تفكيك عناصره الاربعة.
)التظاهرات الفلسطينية دعت لرفض خطة تينيت(
رداً على هذه التحديات التي تجسدها الأولويات
الإسرائيلية، ماذا عن تصوركم لواقع العمل الوطني الفلسطيني وآفاقه؟!
* من هنا اندلعت مظاهرات رام الله وغزة )29؛ 12؛30/6( تدعو السلطة الفلسطينية لرفض خطة تينيت وليس قبولها، والصمود امام محاولات الدخول الامريكية والاسرائيلية للبيت الفلسطيني الداخلي وتدميره بعد ان عجزت آلة الاحتلال القمعية عن وأد الانتفاضة وتدمير وحدة الصف الفلسطيني. فالوحدة الوطنية ببرنامج سياسي ونضالي مشترك طريق الخلاص، وثابت دائم الثوابت الوطنية التي يقوى ويشتد ساعد الشعب الفلسطيني بها.
وعلى كل حال، كما كان متوقعاً عند اغلب المراقبين والمتابعين لما يجري في الاراضي الفلسطينية المحتلة، فهدنة تينيت مؤقتة، وهشة، تترنح كل لحظة تحت وطأة استمرار الاحتلال والاستيطان والعنف الاسرائيلي، واصرار شارون وديناصورات التطرف في حكومته الائتلافية الصهيونية على لي عنق الحقائق والرفض العملي لتقرير لجنة التحقيق الدولية غير المتوازن اصلا باستثناء الفقرة الداعية لوقف مصادرة الارض ووقف الاستيطان بكل انواعه باعتباره المصدر الرئيسي لدوامة العنف، ورفض شارون كذلك التقرير كرزمة كاملة من خلال تفكيك عناصره الاربعة، وعندما ينشط المبعوث الامريكي الجديد إلى الشرق الاوسط السيد بيرنز جاعلا من بعض العناوين في تقرير ميتشل وورقة جورج تينيت محور حركته واتصالاته السياسية، فانه في هذا السلوك يوفر للجانب الاسرائيلي تغطية سياسية معقولة تمكن شارون وحكومته من معالجة تقرير ميتشل بطريقة انتقائية قائمة على احداث المقاربة الكاملة للتقرير اياه ولورقة تينيت مع الموقف الاسرائيلي الداعي لوقف حركة الانتفاضة الفلسطينية وتحميل الفلسطينيين المسؤولية الاساسية عن اندلاع دوامة العنف منذ اكثر من تسعة اشهر. فشارون يريد من تقرير ميتشل ما يراه مناسبا وهبوطا اكثر من الهبوط الذي لاقاه التقرير ذاته عندما تحول عمليا ورقة جورج تينيت، ولا ندري إلى اين ستهبط بدورها ورقة تينيت ما دامت السبحة مفتوحة في ظل الموقف الامريكي البعيد جداً عن منطق الحد الادنى من التعاون.
|
|
|
|
|