تمتد جذور الآداب الصينية الى عهود سحيقة، وهي واحدة من أقدم الآداب في التاريخ لأنها تعود الى ما قبل ثلاثة آلاف من السنين. كشفت البحوث التاريخية عن وجود أطباق برونزية وعظام كانت تستعمل كطقوس دينية قبل ألفي سنة، وهي تعود الى عصور المدنية القديمة الأولى.
وفي الأدب، وفي عصرنا الحديث أُكتشف «كتاب الكتابات» الذي يحفظ عبارات وشعائر ومجموعة طقوس كُتبت كمخطوطات بالنثر الايقاعي.
كما عثر على مقتطفات أدبية مختارة في «كتاب الأغاني» وجهت لرفع النقاب عن طبيعة هذه الآداب، بعضها لا يحمل اسم المؤلف وبعضها باسم مستعار، لكن الاشعار فيها تفوح بالرائحة الشعبية القديمة. أما بدايات شعر الملاحم والرواية والأساطير المكتنفة بالأسرار في القرن السادس قبل الميلاد - وتحديدا- بعد دخول الفلسفة والكونفوشيوسية «تعاليم كونفوشيوس الأخلاقية» الى صدر الآداب وهي النقطة التي حددت ميلاد الفنون الملحمية. الأمر الذي أعاد احياء التقليدية الجديدة والتي أبرزها كتاب الأغاني في سطور مختصرة عن ذي قبل، وقدم الشعر الغنائي في صورة المرثاة التي تغلب عليها الكآبة.
عصور آداب الصين.
نظرا لقدم الآداب، فان هذا القدم والتراكم قد سمح للآداب ان تتطور في أكثر من مرة تبعا للظروف الدينية والسياسية والاجتماعية لكل عصر.
1- عصر هان H A N :
وهو أقدم عصور تغير الآداب الصينية. تبعت فيه الصين في القرن الثالث قبل الميلاد التيارات الفلسفية والكونفوشيوسية التي كانت قائمة قبلا لكن في تطوير أدبي وتشذيب منمق حتى أضحى التياران قبلة آيديولوجية لمتعطشي الآداب. وأحدث التطوير أيضا ميلاد الكتابات التاريخية، والملاحظات حول التاريخ التي سجلت صورة الآداب من وجهات نظر مختلفة. كما تطور مضمون كتاب الأغاني ليلمس الدور المعياري الهام للأغاني «نموذج يو فو Jo - Fu»، هذا الدور الذي حرص فيه كتاب الشعر الغنائي على الموضوع والأسلوب والشكل التقليدي.
2- عصر السلالات الست «221-589م»
امتاز هذا العصر بتغيرات سياسية وأيديولوجية أثرت سلبيا على نمو الآداب وازدهارها. سياسيا فقد تعاقبت ثلاث ملكيات على الصين، وأيديولوجيا فقد سارت الكونفوشيوسية الي الضعف بينما نمت الديانتان البوزية والطاوية «وهي فلسفة دينية مبنية على تعاليم لاوتسى».
ومع ذلك التراجع السلبي فان الساحة الأدبية قد عرفت نظام النبرة والتوكيد في الألفاظ الصينية، كما نميت بالقياس المتري، وعرف الأدب الصيني نظرية الأدب والنقد الأدبي، وفرق تدقيقا بين المضمون والشكل في العمل الأدبي. وجاء الأدب معينا بالطبيعة وبالعبادة وبالتغيرات السياسية الواقعة «أعمال باأو تشو pao csao»، وبالتعامل في آداب سرد الحكايات وأدب النوادر مع المضمون الريفي الرعوي.
3- عصر تانج TANG (618- 907م)
تتغير الحياة الأدبية إثر تغيرات اجتماعية حلت بالصين، تهب ثورة الفلاحين وتقسم الأراضي عليهم لكبح جماحهم، بل وتدفع الدولة ضرائبهم على الأراضي، يحدث تطور على المدن نتيجة ازدهار الزراعة والتجارة والصناعات اليدوية، وتصبح مدينة تشانجان العاصمة، وتظل مدينة ليونج عاصمة لشرق الصين، كما يؤيد الجيش كل خطوات الاصلاح للفلاحين.وأمام ضعف الديانة البوزية واضمحلالها تغلق الصين 4600 دير لعبادة البوزية. لكن كيف أثرت كل هذه الأحداث على الأدب الصيني؟
عادت امبراطورية الصين الى التوحيد مرة ثانية. وأدت الانتصارات العسكرية والتطور التجاري الى ميلاد نور الثقافة وأضواء المدينة. وكان الأدب هو الحارس على الثقافة والمدنية معا. خطت كل الأنواع الأدبية خطوات تقدمية الى الأمام، استمتع الشعر بنصيب وافر فيها بعد ان اندفع أكثر من 2200 شاعر يبدعون قصائد تؤرخ للعصر الجديد قُدرت بخمسين ألف قصيدة شعرية تمثل النموذج الجديد للكلاسيكية الصينية بفضل براعة تقنية كتابة الشعر وقرضه. كما قدّم النثر تمردا على التوازي والتطابق الذي كان معروفا من قبل، ليبعث بأفكار حرة دون قيود.
أما الرواية فقد نهضت بما عُرف ب«النموذج الطرازي» في الأدب الروائي، الذي اعتنى بالمعرفة، علامات التكوين الفني الروائي بعيدا عن الحكايات والنوادر القديمة. والى جانب هذه النقلات الأدبية والفكرية، فقد ظلت مساحة للأدب الشعبي والبسيط المسمى بيانفن PIEN - VEN لا تنتمي الى البوزية.
4-عصر سونج SUNG«960- 1279م»
تصعد الآداب تباعا لتفعيل نهضة الأدب في عصر تانج، ويؤكد ذلك الصعود الديناميكية التي سادت روح عصر سونج، أشكال جديدة ومحاولات لغوية، وكتابات شعرية تتوافق مع طبيعة الأغاني تؤدي الى ثراء الليرا وغنى في الأساليب المختلفة تظهر في فنون المقال. وكلها دفعت الى ابراز ثقافة العصر في الأدب النثري الجميل، والى لعب دور هام في تطور لغة الشعب.
5- عصر مينج MAN DZSU CSING(1368- 1644م)
وهو العصر الذهبي للأدب القصصي والروائي في الصين. ففيه تتطور لغة الشعب لترتفع الى مصاف الشكل الملحمي. وفي القصة تبرز خصائص الفولكلور، لكن في تحول مضامينها من الصورة القديمة الى صورة تحمل الخصائص الفنية للأحداث والشخصيات في تكثيف دقيق، دون أن تفقد خصائص الأصول القديمة، مضيفة الى عالم القصص نماذج تاريخية وبيكاريسكية(1) واجتماعية وخيالية «لم تخل القصص الاجتماعية الواقعية من أدب البورنوجراف الداعر».
6- عصر سلالة مندجو تشنج MANDZSU(1644- 1912م)
تصل القصة خاصة في أخريات العصر الى قمة الهرم الأدبي. يظهر نوع جديد من القصص موضوعاته «الأسرة» بكل ما فيها من علاقات. وهو نوع صور الحالة الاجتماعية الداخلية للمجتمع وأفراده «قصة حُلم الليلة الحمراء» وقد أضاف هذا النوع من القصص الملحمة الصينية وأثار الكثير من الابداع الجديد الملتصق بعلم الاجتماع. إلا ان القرن العشرين يضيف الساتيرية الى القصة الصينية(2). وسرعان ما تنتشر المساتيرية في الرواية أيضا، ومن بعدها الخيال.
وفي ثلاثينيات القرن العشرين تهب على الآداب الصينية موجة ثقافية، تُشيح بوجهها كاملا عن الأدب التقليدي لتنشر الأدب القومي الحديث، وقد ساعد على امتداد هذا التيار الأدبي الجديد اتصال الصين بتيارات آداب عالمية أخرى، واستعمال لغة العصر «باي- هوا» PAJ - HUA. سمح هذا الأدب القومي باعتناق وجهات نظر عديدة في نظرية الأدب، اضافة الى تحقيق جماليات أدبية صعدت لأول مرة في تاريخ الأدب. ويتضح تأثير هذه الموجة الثقافية في انتاجات أدبية عديدة، وفي لباس الليرا الطابع الغربي، وفي تكثيف المادة في الرواية «أعمال لو هسين» LU HSUN التي ساهمت في نشر الأدب الصيني الى العامة، اضافة الى الترجمات التي قام بها للآداب الأوروبية.
* الأدب الدرامي.
بدأ الأدب الدرامي انتشاره في الصين منتجا للدرامات واعتناء بفنون المسرح، وبخطة مبشرة في القرنين 13، 14 ميلادي، تركز النشاط المسرحي في حفلات الباليه في البلاطات، وفي متجولين يمارسون فن المسرح في الأسواق العامة والشعبية، وفي الشوارع والميادين لتقديم عروض خفيفة ومسلية تزخر بحركات في الأكروبات. وغالبا ما كانت الموسيقى تصاحب هذه العروض المسرحية.
تأثر مسرح الصين بأساليب فن التمثيل الهندي، وبخاصة في فنون مسرح العرائس ومسارح خيال الظل، فعكس كل التقنيات لخشبة المسرح وأساليب العرض ومكوناته.
ولعبت الموسيقى دورا هاما الى جانب الدراما الصينية، ناقلة الطابع الاقليمي والمحلي لشمال وجنوب أقاليم الصين. كما تنوع الأدب الدرامي خاصة في عدد فصول الدراما، وارتبطت الدرامات الموسيقية بفن الشعر الذي كان يسيطر على الأغاني والفقرات التي تشترك فيها الموسيقى. أقبلت الجماهير على هذا النوع من العروض الدرامية التي كانت تستقطب هذه الجماهير.
وفي أربعينيات القرن العشرين خلت الدراما الصينية الى مرحلة تقدمية، حينما ترجمت أعمال كتاب الدراما العالميين «هنريك إبس، أنطون تشيكوف، بوجين أونيل» ويتضح اهتمام الأدب الدرامي الصيني بالدرامات النرويجية والروسية والأمريكية التي انتشرت طوال القرن الماضي في مسارح العالم.
وتبقى نفس مرحلة الأربعينيات هذه الانطلاقة الكبرى للأدب الصيني المعاصر، بعد استقرار الأداب على التقاليد الشعبية الصينية وأشكالها الملحمية المستوحاة أصلا من الشعر الشعبي، ولكن باضافة تجديدات عصرية. وهو الأمر الذي فتح شهية العالم للتعرف على هذه المعادلة الأدبية الجديدة. عناق الماضي وتشذيبه بروح العصر.
الهوامش:
(1) Picaresque نوع من القصص ذي علاقة بالمتشردين وأحوالهم وحياتهم المعيشية، أسباني الأصل.
(2) Satire الساتير معناها عنصر من عناصر الهجاء يدخل في البناء الأدبي للقصة.
الآداب الصينية