| الثقافية
أقف خلف النافذة الزجاجية أرقب حركة الآخرين أمامي.
دفعني لذلك صوت المطر الذي يترقرق بخفة وهدوء على قرص الأرض ذي اللون الباهت ليحوّله إلى لون منعش يطرب بالحياة.
من خلف النافذة أرقب العالم الكبير حولي دون أن يعلم أحد بوجودي وبمناظرتي الخفية له.
الأرض بدأت ترتوي وصوت ذرات المطر يزيدها ارتواء، وأصوات الأقدام وعجلات المركبات يزيدها تصفيقاً.
ألِفْت هذا المنظر منذ أن اقتادوني إلي هذا المنزل..
كل يوم يتكرر المنظر وكأن ما حولي مسرح للدمي المتحركة كل شيء يتحرك بلا توقف إلا حياتي فقد توقف وهجها منذ دخولي إلى هذا المنزل.
ما أجمل هذه اللحظات التي أحلم أن أكون فيها داخل مسرح الدمي ذلك، لا يهم أن أكون دمية فيه أو غير ذلك، المهم ألا أكون تمثالاً منصوباً في منزل بير تحف جوانبه جدار حاولت أن تتنفس في جوانبه الحياة بوضع الصور الحائطية.
كل يوم أرتشف فنجاناً دافئاً من الأشواق.. يحملني على أكتاف الذاكرة لأعود إلى موطني الأول حيث كل حياتي السعيدة والجميلة حيث الصبا والانطلاق مع زميلاتي وقريناتي قبل زواجي.
هنا عالم غريب ليس كقريتي الحبيبة، حقاً إنها مدينة أكبر من قريتي ولكن..
آه، صوت المطر ما زال يعلو مع كل قطرة من قطراته، صوت المطر واحد لأنه ماء نقي نظيف ولكن صوت مطر قريتي أجمل.
من خلال هذه النافذة الصغيرة أرى هذا العالم بكل دقة، أعرفه وأعرف من يسير فيه.. أصبحت بيني وبينهم لغة مبهمة أعرفها أنا فقط.
عندما تقدم لخطبتي «خالد» كانت كل الخصال الحميدة تسبق حضوره.. وصفوه مثالاً للصدق والاستقامة، والطموح والعصامية.
قلدوه كل نياشين الزوج المثالي، واطلقوه إلى ساحتي وقيدوني.
سأتزوج ذلك الفارس المثالي القادم من المدينة.. الثري الذي سيحقق كل أحلامي وسيجلب لي كل ما أتمناه.
زفوني إليه كوردة ناصعة البراءة والأنوثة مفعمة بالآمال والأحلام.
بعد الزواج تجرد ذلك التمثال من كل تلك الخصال التي كانت قشوراً ألصقوها به..
ذات مساء مفعم بالكآبة تسلل إلى مسمعي صوت والدته تقابله على السلم وتقول في غضب:
متى ستقلع عن هذه العادة الكريهة؟؟
جميع السبل اتبعناها معك ولم تجد، فتحنا لك مؤسسة تجارية خاصة فلم تشغلك عما أنت فيه! أبعدناك عن أصدقاء السوء حولك ولكنك كنت أكثر تمسكاً بهم، ماذا تريد، قل لي ماذا تريد؟؟
- (خالد) ابني الغالي، هل تريدنا أن نقف هكذا مكتوفي الأيادي وأنت تقتل نفسك بهذه المخدرات؟؟
لقد زوجناك من أجمل البنات علها تغير حياتك بعد أن رفض جميع أهالي مدينتنا تزويجك من بناتهم، لا تجعلنا يا بني السبب في تدمير حياتها بعد أن نقلنا اليها صوراً مغايرة لحقيقتك لتقبل الزواج بك، كفى يا بني كفى تعذيبي، وتعذيب زوجتك.
كلمات والدته أذابت كتلة الحلم الذي كنت أسعى لتحقيقه مع زوج مثالي ومنزل أو قل قصراً يعج بحاشية الخدم والأثاث الفاخر النفيس وكل مباهج الحياة المادية.
علمت للتو أنني دخلت الدائرة المفرغة وأن حياتي انتهت الى حفنة من الألم معه لقد خدعوني واختلت المعادلة الحلم لدي.
الحلم دفعني إلى المشاركة في مسرح الخديعة لينتهي دوري من حيث بدأ.
تكشفت الحقائق بحضوري احتفالية موت الحلم والخديعة التي نصبت لاصطيادي كزوجة لابنها الفاشل.
ايماءه مفجعة ولا شعورية انسابت من أطرافي
اسقطتني من شباك الحلم الفاجعة، الحلم المعادلة المقلوبة وليفاجئني الطبيب بأن ثمة كائن ما يتحرك في أحشائي ليربطني هذا الكائن بالحلم والخديعة.
|
|
|
|
|