| الثقافية
من الأدباء الأمريكيين من انغلق على ذاته وأفكار مجتمعه النفعية فقط، ومنهم من وصل به الانغلاق الى سجن ذاته داخل أوهام وأحلام القوة المطلقة، ومنهم من فاته قطار الانسانية فلم يفهم الآخر ولم يسع الى ذلك وبالتالي اتخذ منه موقفا متعاليا أو عدائياً، منطلقين من مبادىء وقيم القوة والتفرد.
هذا لم يكن حال الشاعر الأمريكي ريتشارد رايت، وفي قصائده الهايكو على الأقل، والتي قرأها الأمريكيون بشغف واستمعوا اليها، رغم أنهم لا يتمتعون بحاسة الاصغاء للآخر، وهي لفتة ومبادرة شعرية انسانية من ريتشارد رايت في مقابل التفاتات ومبادرات بلاده التي تحركها - فقط- الرغبة في حماية مصالحها فقط.
الميناء عند الفجر
عطر البرتقال الشذي
في عصفات رياح آذار.
*****
رياح كانون الأول
كنست الغيوم
منظّفة المساء
لتجمد البحيرة
بعد ذلك بهدوء.
*****
أنسجة العناكب
تعترض وجهي المتعرّق
في الغابات المغبرة.
*******
عارية تحت السماء
قرية
لا اسم لها
في الشمس الغاربة.
*****
عويل وبكاء
صف من الأوزات الحزينة
يجتاز المقبرة.*1
فبقدر تفكير الأمريكيين بأنهم «أمة عظيمة وشعب مختار وذو خطوة ومواهب تختص به وحده» وفي الوقت نفسه الذي لا يقبلون فيه من الآخر سوى الانحناء «والمدح والتقريظ» وبقدر جهل الأمريكيين الفاضح بكل شيء عن الآخر وعن أنفسهم أيضا، بقدر هذه الأمور وغيرها، تحدث بعض الاستثناءات من عدد نادر من «بعض المتخصصين والأشخاص الذين يتمتعون بالثقافة» حسب ميشال جوبير.
«انها بالطبع لن تعلم الأمريكيين شيئا، أي أولئك الذين تنقصهم المعرفة» ولا يعرفون أنهم لا يعرفون، بل وتشدهم قوة بلادهم الى الشعور بأنهم ليسوا بحاجة الى أي نوع من المعرفة الانسانية أو معرفة الآخر، أيا كان هذا الآخر.
وبقدر ما أصبح الأمريكيون أسطورة تمثل القوة والانتصار في العصر الحديث، تضاءلت ثقافتهم الروحية والجمالية والانسانية الى درجة ان أصبحت لا تلفت الأنظار، والى درجة ان بدأت الثقافات الروحية والجمالية والانسانية للآخرين تغزو الأمريكيين، وليس على أيدي الآخرين فقط، بل وعلى يد بعض الأمريكيين أيضا.
وبقدر ما فرض الأمريكيون حضورهم العسكري والاقتصادي على العالم، تقلص دورهم الثقافي والفني والابداعي والحضاري الانساني، والى درجة تشعر المنابع وكأن منابع الروح والجمال قد جفت لديهم وأصبحوا مجرد آلات مبرمجة للابقاء على النفوذ والسيطرة وحماية المصالح.
وبقدر احساس الأمريكيين بالوصول الى مرحلة الاكتمال المادي، يلاحظ الجميع، فقرهم الشديد الى أدنى درجات المشاعر والعواطف الروحية والانسانية الجمالية.
وبقدر احساسهم بأنهم فوق الضعف وضد الهزيمة عسكرياً ومادياً، يعي ندرة منهم، من أصحاب الثقافة الانسانية فقط، انهم في حاجة ماسة الى من يسندهم روحياً وجماليا، وبخاصة في مجال الثقافات الانسانية والفن والابداع.
وبنفس القدر الذي يؤمن به المثقفون الآخرون ان رسالتهم هي الكلمة، وفي سبيل الانسان ومساعدته على تحقيق ما يصبو اليه من حرية وعدالة وسعادة واقناعه بأنه صاحب الكلمة الأخيرة وان واقعه ومستقبله وخياراته ملكه وحده.
ترجمة محمد النصار
|
|
|
|
|