| مقـالات
إن المتأمل في حال كثير من المقبلين على الخير المسارعين إلى الطاعة يجد الكثير منهم قد قصروا الطاعة على بعض العبادات البدنية كالصلاة والصيام وغيرها من العبادات الظاهرة ودليل ذلك ما يرى من اجتهاد هؤلاء في هذه العبادات رغم ما قد يجدون فيها من مشقة وغفلتهم عن أبواب العبادة الأخرى وطرق كسب الثواب التي فيها من الأجر ما قد يفوق ما اجتهدوا فيه وليس فيها من العناء أو المشقة ما يقاربها ومع ذلك لم يتوجهوا إليها أو يحرصوا عليها.
فحسن الخلق مثلاً من أعظم وجوه البر وأوسع أبواب الأجر فقد قال صلى الله عليه وسلم في بيان فضله وعظيم ثوابه: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق» وبيّن عليه الصلاة والسلام أنه من أعظم أسباب دخول الجنة عندما سئل صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: «تقوى الله وحسن الخلق» وبيّن صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم.
ولذا أصبح صاحب الخلق الحسن من أقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حيث قال عليه الصلاة والسلام: «ان من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً».
أفبعد هذه النصوص الظاهرة والوعود الصادقة نرى حريصاً على الخير عابس الوجه مقطب الجبين!!
لقد أقفل مَنْ هذا عمله هذا الباب الواسع والميدان الفسيح الذي يحوز من خلال عمل يسير وجهد قليل على خير عظيم وثواب جزيل.
ومن هذه الأبواب التي غفل عنها كثير من الناس مساعدة الآخرين وقضاء حوائجهم ونفعهم مما قد يراه بعض الناس عملاً دنيوياً يسعى منه المرء لمصلحة مادية أو جلب ممدحة، أو دفع مذمة أو رفع ملامة ويغفل عن عظيم أجره وأنه من أعظم سبل وطرق الثواب فالرسول صلى الله عليه وسلم الذي أدَّبه ربه فأحسن تأديبه وهو الذي اصطفاه الله تعالى وصنعه على عينه كانت أعمال الخير ونفْع الناس من أعظم صفاته التي عُرف بها قبل البعثة وبعدها ولذا عندما جاءه جبريل عليه السلام بالوحي ورجع صلى الله عليه وسلم إلى زوجته خديجة رضي الله عنها هَّدأت من روعه وقالت ما تعرفه من خلقه صلى الله عليه وسلم ونفعه المتعدي حيث قالت:« والله لا يخزيك الله، انك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق» فمن أعطاه الله فقهاً في الدين يدرك ان المجتمع يعتبر فرصة طيبة ومجالاً واسعاً لعبادة الله والتقرب إليه ولذا مُنعت الرهبنة في الإسلام مع أن فيها انقطاعاً للعبادة واقبالاً على الطاعة لكن لأنها تَحْرُم من العبادات الاجتماعية ان صحت التسمية كاتباع الجنائز وعيادة المريض وافشاء السلام واطعام الطعام وزيارة الأرحام وبر الوالدين والإحسان الى الجار واكرام الضيف واعانة المحتاج واغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب والسعي على الأرملة والعطف على المسكين وكفالة اليتيم وغيرها من العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله عن طريق مساعدة الناس.
إن التعرف على مشكلات الناس وتحسس آلامهم والتفاعل مع قضاياهم من تخفيف المصاب ولأم الجراح واذابة الأحزان ينبغي أن تكون من أهم الأعمال وألصقها بأصحاب الهمم الذين يتطلعون إلى الجنة ويسعون إلى رضا الله تعالى كما بيّنه عليه السلام عندما قال: «أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام».
وقد ثبت بالحديث الصحيح أن امرأة دخلت الجنة في كلب سقته بعد أن كاد يهلك من العطش ورجل دخل الجنة في غصن شوك أزاله عن الطريق والأحاديث التي تبين أجر وثواب من نَفَعَ الناس وسعى في حوائجهم أكثر من أن تحصى هنا كقوله صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذي لا يفطر».
وكقوله صلى الله عليه وسلم «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».
ولذا قال علي رضي الله عنه «لأن أقضي حاجة مسلم أحب إلي من ملء الأرض ذهباً وفضة» ان في ذلك لعبرة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
* جامعة أم القرى
ص.ب 13663
amrrsa@hotmail.com
|
|
|
|
|