| مقـالات
يلتقي الإنسان في حياته بنماذج فذه من الرجال الأخيار الذين ساروا على نهج من الله وجعلوه نبراساً لحياتهم وديدنهم في هذه الحياة وعندما يفتقد مثل هذه النماذج، فإن الخسارة عارمة والفقدان عظيم والمصاب جلل وهذا هو ما افتقدناه في يوم الأربعاء 4/5/1422ه عندما فوجئنا ببيان الديوان الملكي الذي نعى فيه صاحب القلب الكبير والخلق الجم، صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلمان بن عبد العزيز رحمه الله ، لقد ذهب هذا الأمير وأي أمير ضارباً أروع مثال في التواضع ونبل الأخلاق وكريم الصفات وحسن السجايا ولكن ممن، عندما يكون هذا الانسان هو أحد الأمراء الذين لهم ثقلهم ومكانتهم وليس بمستغرب من أحد أفراد هذه الأسرة الكريمة.
عندما علمت بوفاة سموه رحمه الله عادت بي الذاكرة إلى أول لقاء التقيت فيه بسموه عندما كنا في زيارة لأحد الأقارب بمستشفى الملك فيصل التخصصي وكنت بصحبة الوالد والأعمام حيث قابلنا سموه هناك وكانت الابتسامة المشرقة تعلو محياه، وأي تحية وترحيب وحسن منطق ونبل أخلاق وكريم صفات، غمرنا بها سموه يرحمه الله حتى أصبحت قلوبنا أسيرة لحب هذا الإنسان الكريم لما لقيناه من سموه وقد أبدى سموه ضيافته لنا في قصره العامر وعرض خدماته لنا فلم يكن منا إلا أن شكرناه على كريم أخلاقه ولم نطلب منه شيئاً سوى تشريفه لنا بزيارة كريمة من سموه لنا في منزلنا وقد أبدى سموه ذلك في وقت لاحق.
لقد كان سموه جواداً ومقداماً والجود سواء بالمال أو الجاه هو بحد ذاته شجاعة لا يتحلى بها كل موسر وقادر ومواقف سموه في ذلك كثيرة «تغمده الله بواسع رحمته».
ولقد أثبت ذلك سموه عندما باشر مهام عمله في المنطقة الشرقية، فكان الابن البار والصديق المخلص والأب الحنون لأبنائه وإخوانه، ولا يخفى على الجميع وقفاته المشهورة والمعروفة لدى إخواننا وأشقائنا الكويتيين ابان حرب الخليج حيث تواجد سموه بمدينة الخفجي أثناء الغزو لاستقبال الأشقاء هناك وكان مثالاً رائعاً يحتذى به في النبل والكرم والأخلاق الحميدة وكان سموه خلال تلك الأيام العصيبة يجوب شوارع وميادين وأسواق المنطقة الشرقية الى ساعات الصباح الأولى للاطمئنان على الأوضاع وكان يحث التجار على فتح متاجرهم، والعودة بالحياة إلى مجاريها، وقام سموه بتفقد أحوال المواطنين وبحث عن مدى توفر الخدمات المريحة لهم مما أعاد الحياة لتلك المنطقة الحساسة في ذلك الوقت من بلدنا الغالي ولقد نوهت شبكة «CNN» الاخبارية بذلك واستغربت خروج مثل هذه الشخصية البارزة وفي هذه المواقف الحرجة بدون مرافق وحرس خاص فما كان من سموه إلا الرد على مراسل تلك الشبكة عندما قال: «إنني أسير بين إخوتي» والأعظم من ذلك واجله هو برُّه بوالديه، ولا يخفى على كل مسلم ما في بر الوالدين من الأجر العظيم والخير الكثير ولقد قرأنا في الصحف ذلك اللقاء مع سموه عندما كان يتحدث عن إنشاء جمعية مرضى الفشل الكلوي حيث ذكر سموه أن ذلك الداء يعرف عنه الشيء الكثير إثر تجربة شخصية وذلك اثر تعرض والدته الى ذلك الداء عافاني الله وإياكم منه وذلك الحديث ان دلَّ على شيء فإنما يدل على رحمة قلبه الكبير وعطفه على والدته وتعظيمه وتقديره لوالده عندما قال: «أنا خريج مدرسة سلمان بن عبد العزيز» وحق له ذلك يرحمه الله .
بعد وفاة الشخص يتضح للعيان مدى محبة الله لذلك الإنسان من عدمها بغض النظر عن مكانة المتوفى الاجتماعية أو المادية، فكم من شخص له مكانة عالية في المجتمع واذا توفي لا يحزن عليه الناس ولا يتألمون لفاجعة وفاته ومقياس ذلك محبة الله له. يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم «اذا أحب الله عبداً نادى منادٍ في السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم ينزل الله ملكاً في الأرض ينادي ان الله يحب فلاناً فأحبوه.. إلخ.
إن توافد تلك الجموع الهائلة وإصرارها على الحضور شخصياً واحتشادها وتدافعها في المطار وفي الجامع للمشاركة في الصلاة على فقيد الوطن وفي قصر الأمير سلمان لتقديم واجب العزاء في هذا المصاب الجلل لأكبر دليل على ما تركه في نفوس المعزِّين من ذكرى وصدى طيب يرحمه الله الذين رغم تباعد اماكن تواجدهم في مثل هذه الأيام من كل عام، توافدوا للتعبير عن الحب والوفاء والتقدير لمكانة الأمير الشهم في نفوسهم وتقديراً ووفاءً لصاحب الوفاء، والد الجميع الأمير سلمان بن عبد العزيز الذي طالما مسح بيديه البيضاوين دموع الأيتام والمحزونين والمنكوبين، فلذلك وجب على كل من عرف هذا الانسان ان يبادله ويواسيه أحزانه في هذا الموقف العصيب.
أسأل الله العلي القدير أن يجبر مصاب الجميع بفقده وأن يلهم أهله ومحبيه ويلهم والدته وإخوانه وأبناءه الصبر والسلوان وأن يتغمده بواسع رحمته وغفرانه وأن يشمله بعفوه ورضوانه ويسكنه فسيح جناته.
والحمد لله على قضائه وقدره.
|
|
|
|
|