| مقـالات
من بوادر الخير للفقيد ولذويه ان تتجسد المحبة وتتمثل التزكية ويتواصل نزيف التفجع والتوجع والتأبين بشكل مثير والناس الذين عبّروا عن مشاعرهم بطوعهم واختيارهم شهود الله في ارضه، والله أكرم من كل الذين تدافعوا ليشهدوا بما علموا، لقد أثنوا، ودعوا، وواسوا، والله قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.
ومجيء الموت دون معاناة وفي لحظات التألق الخلقي والعملي، وفي أوج العز والتمكين يكون من نعم الله على الإنسان ذلك ان حملة أمانة التكليف معرضون للفتن «أحسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون».
والفتنة قائمة حتى تبلغ الروح الحلقوم، وإذا قبض الله روح عبده على شهادة ألا إله إلا الله فتلك أولى بوادر النعم، وإذا توفاه الله ولما تنهكه الأمراض المستعصية ولما يبلغ أرذل العمر فتلك نعمة أخرى، وإذا جاءه الحق ولم يظلم هذا ويسرق مال هذا ويشتم هذا فتلك نعمة ثالثة، وحين تخترمه يد المنون وهو محسن محبوب يسعى في حاجة الأرملة والمسكين ويحث على الخير ويدعو الى الإحسان ويتصدر مجالس الأعمال الخيرية فتلك رابعة النعم وفضل الله واسع، والفقيد «فهد بن سلمان» نحسبه كذلك ولا نزكي على الله احداً، والثناء على الإنسان بما فيه وذكر محاسن الأموات من مقاصد الإسلام. إذ فيه تطيب لخاطر ذويه المجروحين، وحث للأحياء المترددين لعمل الخير، إذ من شهد هذا الاجماع على الثناء والمحبة لا يتردد في عمل الخير والإحسان الى الناس. وهل هناك رجل رشيد لا يغبط ذوي الفقيد على هذا الذكر الجميل، وإذا أحب الله قوماً ابتلاهم، وقد يكون للمرء عندالله منزلة لم يبلغها في عمله فما يزال يبتليه حتى يبلغها والموت حق وهو آت طال الزمن أو قصر، يلاقي ذويه فلا مهرب والله قد وعد بالبلوى من جوع وخوف ونقص في الأموال والأنفس والثمرات، ولكنه بشر الصابرين الذين يواجهون المصائب بقولهم: «إنا لله وإنا إليه راجعون» ووعد اؤلئك بالصلوات والرحمة والهداية. وذلك وفاء بغير حساب وكيف يكون الحساب والله يحب الصابرين، وهل حبُّ الله يحصر قدره حساب وأمر المؤمن عجب ان اصابته سراء شكر، وان اصابته ضراء صبر فكان في الشكر والصبر مأجورا، وليس ذلك لاحد إلا للمؤمن. وأنفس العارفين ترضى وتطمئن بالذي قدر عليها، والجزع يحرم من الاجر ولا يأتي بالفقيد الغالي. وحين فجع الرسول صلى الله عليه وسلم بولده الوحيد قال ما يرضي الله وان دمعت عينه وحزن قلبه، وكلما اشتدت البلوى فعلى المؤمن ان يطفئ لظاها بالتسليم، اذ كل نفس ذائقة الموت ولا يرث الأرض ومن عليها إلا الله، والله قال لرسوله: «إنك ميت وإنهم ميتون» وكل الذي فوق التراب تراب «منها خلقناكم وفيها نعيدكم».
ومن اكتوى بألم الفراق فليعلم أنه مفارق فالدنيا ليست دار قرار، وليستعد لملاقاة ما لقيه أحبابه، وكل محب او كاره مفارق.
لقد فوجئنا وفجعنا بفقد الأمير الشاب فهد بن سلمان - رحمه الله - والمفاجأة والفاجعة ليس لأنه مات، فالموت حق وهو آت ولكنَّ الفجيعة والمفاجأة لفَجأةِ الموت وكون الوفاة اخترمته في عنفوان شبابه وتمام صحته وفي اوج تطلعه للعمل الخيري، ولأنه سيترك فراغاً أثق انه سيسد وان اعماله الخيرة سينهض بها محبوه، وحين فوجئت وفجعت سعدت كثيراً بهذا الفيض من الثناء وبهذا التدفق من المواساة والدعاء، وكيف لا يسر المؤمن بتواتر الثناء وضجيج الدعاء، فالثناء والحب والدعاء قيم لا ينالها إلا المحظوظون.
إننا حين نشاطر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ووالدة الفقيد وأبناءه وأشقاءه وزوجته آلامهم لا نمضي مع نزيف الحزن، بل نتطلع الى ترجمة هذا النزيف الى عمل خيري كي يبقى صدقة جارية لهذا الشاب الذي ترك الحياة وهو يحلم بمشاريع خيرية، كان على رأسها مشروع الفشل الكلوي، وكان يعد بانشاء جمعية أخرى لمرض السكر وتلك أعمال خيرة تدل على جميل سيرته وصفاء سريرته، وحبه للخير وسعيه في حاجات الناس واقتدائه بوالده الذي كان سباقاً الى كل خير، والأمل معقود على اشقاء الفقيد وابنائه ومباركة من والده المثقل بالمسؤوليات والمشاريع والأمل معقود على اصدقائه وزملائه ومحبيه والمفجوعين بفراقه الأمل معقود على هؤلاء جميعاً ان يترجموا هذا النزيف من الحزن والحرقة، فهو في قبره أحوج ما يكون الى مواصلة عطائه وفعله الإنساني المتميز.
والجميع قادرون على ان يواصلوا ما انقطع بموت الفقيد، فالمريض الذي يعاني من الفشل الكلوي، والمقعد الذي ينخر في جسمه المرض السكري بحاجة الى من يعيد اليهم الثقة والاطمئنان لقد نهض الفقيد بهذه المهمات الإنسانية طائعاً مختاراً.
ان اشقاء الفقيد وابناءه واصدقاءه ومن ورائهم الأب المفجوع سلمان بن عبدالعزيز قادرون على مواصلة العطاء لا بما يملكون من مال وجاه ولكن بما يشتملون عليه من قلوب رحيمة وايدٍ كريمة وشعور بالمسؤولية.
وبتلك المبادرة الفورية والمتوقعة يكون «فهد بن سلمان» حياً بيننا لا نبكي إلا شخصه ولا نفقد إلا ابتسامته العذبة وخصاله الحميدة وسيرته العطرة.
وحين يموت إنسان حمَّال مثل «فهد بن سلمان» يموت بموته خلق كثير، ولكن الأمل فيمن حوله أكبر والثقة أقوى.
لقد ضجت لوفاة الفقيد أقلام وحناجر، وسوف تطوى الصحف وتجف المحابر فتلك غاية النفوس ومنتهاها:
كل حيٍّ على المنية غادي
تتوالى الركاب والموت حادي
ذهب الأولون قرناً فقرناً
لم يدم حاضر ولم يبق بادي
هل ترى منهمُ وتسمع عنهم
غير باقي مآثر وأيادي |
إننا بحاجة الى المحافظة على مآثر الفقيد وأياديه، والانتقال من نزيف التفجع الى رصين الفعل فحق الفقيد علينا يجب ألا يقف عند البكاء والحزن، لابد من ان نسعده في قبره بمواصلة افعاله الإنسانية لتكون صدقة جارية تؤنسه في وحدته، وتسعده في وحشته، فرحم الله أمواتنا وأموات المسلمين وألهم المصابين الصبر والسلوان.
وعزاؤنا الجميل لكل المفجوعين بفراق الفقيد الذين يخففون الامهم بالإيمان وحسن الظن بالله انهم سيرثون خصال الفقيد الذي عاف الكسل والتواني وعود المقربين منه على المبادرات الإنسانية، وما مات من خلف الأوفياء الذين سيتلقفون الراية باليمين ويواصلون المسيرة.
|
|
|
|
|