| مقـالات
*
كيف أكتب.. ومن أين أبدأ عن فهد بن سلمان رحمه الله وكيف يعبر قلمي عن مشاعر فاضت بالحزن والعبرات الجياشة الخانقة التي اعتملت في صدري وكل كياني حال سماعي فاجعة رحيل هذا الفارس النبيل الشهم، كريم الشجايا. لطيف المعشر. قمة الأخلاق والجود والتواضع. عرفت الأمير الانسان فهد بن سلمان بن عبد العزيز رحمه الله لأول مرة في بداية عام 1976م أثناء دراستنا الجامعية بمدينة (توسان بولاية اريزونا الأمريكية) ولبداية هذا التعارف قصة جديرة بالتنويه تحكي عن موقف من مواقفه الشهمة حيث شاهدت هذا الشاب العالي الأخلاق والهمة فهد بن سلمان رحمه الله في موقف سيارات طلبة الجامعة يهم بركوب سيارته بعد يوم دراسي حافل وكانت تقف الى جوار سيارته سيارة أخرى لأحد الطلبة من الاخوان العرب وهي سيارة قديمة، متواضعة أصابها عطل ميكانيكي وكان قائدها يعاني من حرج الموقف وقلة الحيلة أثناء محاولته إصلاحها ورأيت هذا الزميل وهو من إحدى الدول الشقيقة مترددا وخجولا ومتهيباً من طلب العون من أحد منا لكن فهد بن سلمان الإنسان اللماح رحمه الله لم ينتظر حتى مجرد إشارة عون من هذا الرجل وهرع اليه هاشاً باشاً مبدياً المساعدة بإحضار جميع الإمدادات والعدد من سيارته للمساعدة بل إنه أشرف على إسعاف السيارة وتشغيلها بمساعدة صاحبها حتى دارت عجلاتها، وكم كانت ابتسامة فهد بن سلمان رحمه الله كبيرة وهو يرى زميله يغادر المكان سعيداً بعد اصلاح سيارته، ثم استدار نحوي رحمه الله وقال (الحمد لله ان السيارة اشتغلت فهذا الطالب المسكين رأيته يعمل في «كافتيريا» الجامعة أول الصباح ثم يواصل حضور الدروس والمحاضرات طوال فترة الظهيرة ولابد أنه مرهق هذا اليوم). هذا الموقف من الأمير فهد بن سلمان هز مشاعري واثار عواطفي نحو هذا الأمير الإنسان، المرهف الإحساس فكانت بداية التعارف آنذاك مع سموه الكريم الشهم فما أشرفها وأطيبها من معرفة لي ولغيري من الاخوة والزملاء الطلبة المبتعثين للدراسة آنذاك في هذه الولاية الأمريكية والذين عرفوا فهد بن سلمان رحمه الله عن قرب.
كما أذكر موقفاً آخر من مواقف فهد بن سلمان الإنسانية رحمه الله وهو أن أحد الطلبة السعوديين أصيب فجأة بنزيف داخلي نتيجة عارض صحي في المعدة أثناء جلوسه في إحدى قاعات استراحة الطلبة بالجامعة، وعندما علم الأمير فهد بن سلمان رحمه الله بذلك سارع مهرولاً معنا ومع بعض الزملاء الطلبة لنقله فوراً الى أقرب مستشفى حيث مكث مع المريض لأكثر من أربع ساعات في غرفة الطوارىء ولم يغادر المستشفى حتى تأكد واطمأن من استقرار وتحسن حالة هذا الزميل ثم أصبح يعاوده ويتردد على زيارته في المستشفى يومياً طيلة مدة تنويمه ولأكثر من أسبوع.. هكذا كان فهد بن سلمان بن عبد العزيز رحمه الله في لمساته الانسانية ومواقفه الرجولية الشهمة نحو زملائه أيام الدراسة ونحو جميع من يطلب عونه من الآخرين .. انسانية فهد بن سلمان كانت تتجلي في إحساسه المرهف ومشاركته الوجدانية للناس في أفراحهم وأتراحهم، وأذكر أن منزله رحمه الله في (توسان) كان موئلا لزملائه الطلبة المبتعثين وبابه دائما مفتوحا للصغير والكبير فكان نعم المضياف الودود الذي يشعرك وكأنك في منزلك، وكم كنت ألمس مشاعر الغبطة والفرح على وجهه البشوش عندما يفاجئه زملاؤه بزيارة لمنزله أو يسمع عن أخبار مفرحة تحدث لبعض الطلبة أثناء دراستهم وتفوقهم.. والمواقف الانسانية الرائعة مع هذا الرجل رحمه الله في جميع مراحل حياته كانت سلسلة متواصلة لا تنتهي من المحبة والبذل. كرم مذهل وخصال حميدة وسمو أخلاق تربى وترعرع عليها ونهلها من مدرسة والده الأمير الإنسان الشهم سلمان بن عبد العزيز حفظه الله.. لقد رحل فهد وتركنا في الحزن فنسأل الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته ويسكنه فسيح جناته وأن يلهم والده سمو الأمير سلمان ووالدته الكريمة واخوانه وأبناءه وبناته وزوجته وجميع أهله ومحبيه وعارفيه الصبر والسلوان.
و«إنا لله وإنا إليه راجعون».
|
|
|
|
|