أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 31th July,2001 العدد:10533الطبعةالاولـي الثلاثاء 10 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

الكل يبكيك يا سمو الأمير
د. سليمان بن عبدالرحمن العنقري
الموت حق وهو سنة الله في الحياة، كما قال جل وعلا مخاطباً أكرم خلقه وخاتم رسله (إنك ميت وإنهم ميتون) لذلك قضى سبحانه وتعالى بالموت على جميع خلقه صغيرهم وكبيرهم عالمهم وجاهلهم ذكرهم وأنثاهم مسلمهم وكافرهم فالموت لا مفر منه ولا محيص عنه فالخالق جل شأنه قد ساوى بين البرية في ورود حوض المنية.. والموت مشروع لا بد مورود وكلنا وإن طال المدى مفقود.. وبين لحظة وأخري يخطف هادم اللذات ومفرق الجماعات عزيزا علينا فنرضى بقدر الله وحكمه فقضاؤه ماض وهو عدل قاض يولي ويبتلي، ويسلب ويعطي له الخلق وفعله الحق فأمر الله لا يقبل إلا بالرضا والصبر على ما قضى ومضى.
ويوم الأربعاء الماضي 4/5/1422هـ خطفت يد المنون فهد بن سلمان بن عبدالعزيز وغيب الموت إنساناً عزيزاً علينا جميعاً وما أصدق أن يغيب الموت إنساناً فيبكيه الباكون ويذكره بالخير الذاكرون ويترحم عليه المترحمون وفهد بن سلمان الذي وافاه قدره هو واحد من هؤلاء الذين جللت أعمالهم بحب الخير وبالعطاء الإنساني، فالجمعيات الخيرية وجمعيات تحفيظ القرآن الكريم والأسر الفقيرة وكل صاحب ذي حاجة تثمن للأمير فهد بن سلمان عطاءه الإنساني المتواصل.
وبقدر ما يكون الإنسان أي إنسان فضلاً عن أن يكون أميراً وابناً لسلمان بن عبدالعزيز وحفيداً لعبدالعزيز بن عبدالرحمن قريباً من الناس ومع الناس وبين الناس بسيطاً بمستوى بساطتهم معطاء كريماً بقدر ما تجد محبة الناس له، ومن يكتسب حب الناس رداء له فهو من أهل الخير إن شاء الله والناس شهود الله في أرضه كما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وهذا لعمري هو الارث الحقيقي للمسلم.
لا أدعي إني على علاقة وطيدة بالأمير الراحل فهد بن سلمان وإن كنت قد تزاملت معه في الدراسة بجامعة واحدة هي جامعة دنفر بولاية كلورادو الأمريكية منذ نيف وعشرين عاماً حينما كان سموه وسمو شقيقه الأمير سلطان يواصلان دراستهما الجامعية هناك وكنت وقتها أواصل دراستي العليا وحينها كنا قد استأجرنا شقة لأداء الصلاة فيها جماعة إضافة إلى اقامة صلاة الجمعة وحينما ضاقت الشقة بالمصلين من الطلاب الدارسين هناك استأجرنا منزلاً (فيلاً) لاستيعاب الأعداد الكبيرة من المصلين إلا أنه نتيجة للزحام الشديد وارتال السيارات التي تقف حول المصلى الجديد بدأت مضايقة الجيران لنا والضغط على صاحب المنزل لإخراجنا فاجتمع الاخوان المسؤولون عن المركز وهم المهندس عبدالعزيز بن علي آل الشيخ رئيس المركز والدكتور عبدالرحمن الطريري عميد كلية التربية بجامعة الملك سعود، الأستاذ عبدالقادر برهان أحد كبار موظفي الخطوط السعودية، الأستاذ عبدالرحمن بن موسى القباع وأنا واتفقوا علي شراء مكان مناسب وواسع يكون قريباً من سكن جامعة دنفر حيث تتواجد الأعداد الكبيرة من الطلاب وفعلاً (وبفضل من الله سبحانه) تم العثور على مكان منفردٍ تحيط به الشوارع من كل مكان وقريب من سكن الجامعة وطلب فيه صاحبه مائة وعشرين ألف دولار وهنا وقعنا في مشكلة تدبير هذا المبلغ الكبير ولكن الله سبحانه وتعالى سهل الأمور حيث اتصل الأخ عبدالرحمن القباع - شفاه الله مما هو فيه - بسمو الأميرين الكريمين فهد بن سلمان وشقيقه سلطان فلم يترددا لحظة واحدة حيث تبرعا بنصف المبلغ (ستين ألف دولار) وبدأت جهود الجميع في جمع ما تبقى من المبلغ واتصلت بفضيلة الشيخ الوالد سليمان بن عثمان الفالح نائب رئيس هيئة التحقيق والإدعاء العام الذي بادر وبجهود كريمة من توفير مبغ كبير فتم تسديد قيمة المنزل الذي تحول وبفضل من الله إلى مركز إسلامي تقام فيه الصلوات الخمس والجمعة وبعض الندوات واللقاءات الخيرة وصلاتي العيد، كما إني لا أنسى جهود الأمير الراحل فهد وشقيقه سلطان حينما تعرض الأخ عبدالرحمن القباع لفقدان الذاكرة إثر عملية جراحية وكيف أنهما بذلا الكثير له ولعائلته جعل الله ذلك في ميزان حسناتهما يوم القيامة.
ولعلي في هذا السياق أشير إلى قصة طريفة تدل على سماحة الأمير الراحل وجميل شمائله وكرم أخلاقه، فلقد حدثني الأديب والكاتب المعروف الأستاذ علي بن أحمد الشدي أنه تعرضت سيارة الأمير الراحل لحادث سير عند إحدى إشارات المرور من سيارة تقف خلفها فلما عاتب الأمير صاحب السيارة عن سبب السرعة إجابه بأن مديره في أحد الوزارات شديد وأنه لا يقبل تأخر الموظفين فما كان من سموه إلا أن سأله عن مديره واعطاه رقم هاتف قصره دون أن يخبره من هو وقال له بالحرف الواحد: اتصل بي غداً وقل لمن يرد عليك أود الحديث مع الذي صدمت سيارته بالأمس وفعلاً اتصل الرجل ووصف له الأمير رحمه الله مكان القصر ولما قابله الرجل أخبره سموه أنه طلب من مديره مراعاة ظروفه ثم إنه لم يكتف بذلك، بل أهدى له سيارة ونصحه بالحذر والحيطة والانتباه. فأي اخلاق هذه وأي شمائل تلك إنها أخلاق ملوك وأبناء ملوك والابن سر أبيه فإذا كان سلمان بن عبدالعزيز مجبولاً على فعل الخير كما رباه أبوه، فإن فهد بن سلمان أيضاً جبل على فعل الخير كما رباه أبوه.. فإلى أبيه المفجوع سلمان بن عبدالعزيز وإلى أمه المكلومة الحزينة وإلى إخوانه وأبنائه وأحبابه أقول أعظم الله أجركم وأحسن مصيبتكم والهمكم الصبر والسلوان و«إنا لله وإنا إليه راجعون».

أعلـىالصفحةرجوع













[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved