| مقـالات
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف والبر ساحله |
تلقيت كغيري نبأ وفاة الامير فهد بن سلمان بن عبدالعزيز رحمه الله كالصاعقة، مع تسليمي بقضاء الله وقدره وان لكل اجل كتاب، وبفقد هذا الشاب الانسان المتألق المحبوب، يكون الوطن قد خسر احد رموزه في ريعان شبابه، الذي خدم بكل كفاءة واقتدار وكان افراد هذا الشعب يعلق عليه آمالاً عريضة بعد الله في هذه المسيرة الخيرة، ويتوقع عودته لتسلم احد المناصب العالية في الدولة نظراً لنضجه وامتلاكه مواهب وصفات متعددة، وثقافة عالية، وخبرة واسعة نحن بحاجة اليها فهو الى جانب حصوله على المؤهل العلمي العالي، تربى وترعرع في كنف رجل عظيم، وعبقري لامع يتمتع بمواهب غير عادية هو والده سمو الامير سلمان، ذلك الموسوعة النادرة والمدرسة الفذة، التي تخرج منها يرحمه الله، وقد ظهرت استفادة سموه من والده في وقت مبكر، تجلى ذلك في طريقة تطبيق سموه رحمه الله لاحدى مهارات وابداعات والده في الادارة إبّان عمله نائباً لامير المنطقة الشرقية، الى جانب العمل في المشاريع الخيرية ومساعدة ذوي الحاجات عن حب وطيب نفس جبل عليه، وبدماثة اخلاق، يشعر معها المرء انه قريب الى قلوب الناس ويحس بمعاناتهم، ومشاكلهم العارضة، ويجد راحة وسعادة عندما يفرج كربة محتاج، او يساهم في عمل خيري، او يحل قضية، او يرفع مظلمة، وان كان ذلك قد اغرقه في الديون، واتعبه، فقد اتخذ من قول المتنبي نبراساً:
لولا المشقة ساد الناس كلهم
الجود يفقر والاقدام قتال |
واعلم ان اي انسان يحب ان يكتب عن بعض صفات الفقيد الغالي، من باب الاعتراف لاصحاب الفضل والسير العطرة بجزء من مآثرهم الطيبة فلن يستطيع ان يوفيه حقه مهما اعطي من مساحة ولعلي هنا اقف امام حادثة ايام حرب تحرير الكويت عندما كان سموه امطر الله على قبره شآبيب رحمته نائباً لامير المنطقة الشرقية، تدل على وفائه وانسانيته ووقوفه مع الحق رغم انشغال سموه وقتها بالنزول الى الشوارع والميادين العامة لطمأنة النفوس، واستنهاض الهمم وتحسس حاجات الناس، مما شاهدناه على شاشات التلفاز، اذ تلقى سموه اتصالاً من مواطن في حي الملز بالرياض مفاده ان رجلاً مريضاً من اهالي المنطقة الشرقية اوضح بأنه يعرف سموه قَدِم للرياض لتلقي العلاج في عياة خاصة للدكتور رسلان صاحب عيادة لعلاج الامراض العصبية في شارع التلفزيون بموعد مسبق، وقد وصل للرياض ليلاً واتجه لاحد معارفه الذي لا يعرف موقع منزله تماماً في الحي نفسه، فكان ان قرع جرس باب شخص آخر وتزامن ذلك مع اطلاق صاروخ «اسكود» جهة الرياض، واجهه صاروخ مضاد من نوع «باتريوت» وابطل مفعوله فأكثر من قرع الجرس خائفاً ومرعوباً وضرب الباب بقوة فكان ان ظن به صاحب المنزل سوءاً، فاتصل بزوج اخته بنفس الحي للاستنجاد به ثم قدم ذاك وخرج هذا، وهما من الشباب الاقوياء ولم يسألاه بل تفننا في ضربه ولكمه، وركله حتى ظنا انه فارق الحياة ثم سحباه بعيداً عن المنزل وتركاه وبعد ساعات افاق ولم يستطع الرؤية لتورم عينيه وطلب الاتصال بسموه لانه يعرف وضعه الصحي بعد ان كان من زملاء سموه في الدراسة في امريكا ثم تركها وعالجه سموه على حسابه اكثر من مرة بعد ان تخلى عنه اقاربه وقد سأله سموه عن اسمه واسم ذلك المضروب فاخبره، وعندها طلب منه سموه ايصاله لاقرب مستشفى لاسعافه، ثم الاتجاه لمكتب والده في الامارة وقد تم ذلك ثم عمدني سموه سيدي الامير سلمان بالتحقيق الفوري في الموضوع وإحضار الجاني وقد تم ذلك وعندما ما بدأت في التحقيق اتصل بي سموه رحمه الله بكل لباقة وخلاصة ما علق في ذهني قول سموه انا لا اتدخل في موضوع التحقيق ولا اعرف ملابسات ما حدث ولكني احب ان ابين ان الرجل مريض نفسياً وقد عالجته على حسابي اكثر من مرة ولا اعتقد بانه يحمل شراً واوضح سموه بأنه يعطف عليه لما يعلم من حالته الصحية والنفسية ولان اهله تخلوا عنه وتساءل سموه لماذا يضرب بهذه القسوة حتى ولو كان قد أخطأ؟ وقد اظهرت نتائج التحقيق انه حضر على موعد للعلاج وانه ظل الطريق المؤدي الى منزل صديقه وأن ما اوضحه المذكور حقيقة وقد تم علاجه وانصافه من قبل سمو سيدي امير المنطقة الامير سلمان عبدالعزيز حفظه الله والهمه وحرمه وانجال الفقيد واسرته ومحبيه الصبر والسلوان، ولعل ما يخفف من آلام كل محب لسموه رحمه الله وما اكثرهم ما لمسه الجميع من مضاعفة سموه الجهود المباركة في مساعدة الجمعيات الخيرية التي زارها سموه في عدد من المحافظات وتوسعة مسجد سموه تمهيداً لافتتاح مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم به ولا نملك امام هذا المصاب الجلل الا الدعاء الصالح له بالمغفرة والرضوان وإنا على فراقك يا فهد لمحزونون، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
المستشار ومدير عام المتابعة بإمارة منطقة الرياض
|
|
|
|
|