أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 30th July,2001 العدد:10532الطبعةالاولـي الأثنين 9 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

بين عظم الفجيعة وحسن العزاء
خالد بن عبدالله بن فهد الفيصل
الحمدلله الذي يرحم عباده ببلائه، عدة الصابرين، وسلوان المصابين، المنفرد بالبقاء الذي كتب الفناء على أهل هذه الدار وجعل الجنة عقبى الذين اتقوا وعقبى الكافرين النار والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي قال الله تعالى فيه: «إنك ميت وإنهم ميتون»،،.
إن فقد الأحبة وبخاصة الأبناء وفلذات الأكباد مما لاشك فيه حدث موجع وأمر مؤلم ومفزع، بل هو من أثقل الأنكاد التي تمر على الإنسان، ولكن الله تعالى جعل الموت أمراً محتوماً على جميع العباد حيث لا مفر منه ولا أمان فكل من عليها فان،،،.
لقد كان خبر وفاة سمو الأخ العزيز الأمير فهد بن سلمان تغمده الله بواسع رحمته ومغفرته فاجعةً أكبر من أن تتحملها القلوب وحسرةً شديدةَ الوطأة على النفوس، وخطباً عظيماً بعظمة المكانة التي تبوأها رحمه الله في قلوب محبيه ممن عرفهم وممن لم يعرفهم، تجلت صور ذلك بوضوح يوم تشييع جثمانه الطاهر وسط جموع غفيرة ووفود هائلة من أمامه وخلفه وعن يمينه وشماله يعلوهم الحزن وتكسوهم الكآبة بقلوب محترقة وأعين باكية وأنفس والهة متألمة في منظر مؤثر للغاية. عند الحديث عن الفقيد الغالي يرحمه الله يقف اللسان عاجزاً، والفكر حائراً، من أين البدء؟ وفي ماذا سيكون الحديث؟ فماذا عساني أن أكتب والفقيد في حجم ومكانة الأمير فهد بن سلمان،،، فإن من أصعب وأقسى اللحظات أن ينعي الإنسان شخصاً عزيزاً على نفسه، فكيف إذا ما اجتمع مع ذلك أن تكون محبة هذا الفقيد وتقديره مكان إجماع الناس على اختلافهم، فقليلٌ هم الرجال الذين تبقى ذكراهم بعد رحيلهم على كل لسان وصفاتهم محل تقدير واعتبار،، وهنا أتذكر عندما أهديت إلى سموه الكريم آخر كتاب قمت بتأليفه يحتوي على مجموعة مقالات نشرت لي في بعض الصحف المحلية فوصلني خطاب كريم منه رحمةُ اللهِ عليه غمرني فيه بثنائه وإعجابه على ذلك الإصدار ومباركاً لي تلك الخطوة التي أقدمت عليها بل وشجعني وحثني على الاستمرارية وشد من أزري في مواصلة الكتابة والتأليف في موقف ترك في نفسي أبلغ الأثر والتقدير.
رحل عنا فهد بن سلمان وبقيت أمة مذكورة ومآثر مسطورة وأعمال صالحة مبرورة... نعم بقيت أمة كانت في ذلك الرجل تتمثل في صفات حميدة وخلق محمود وتواضع جم يعجز القلم إذا ما أراد أن يوضح روائع ذلك الخلق البديع والأدب الرفيع،، رحل عنا فهد بن سلمان وبقيت أمة كانت في ذلك الرجل تحب الخير وتعشق المعروف وتجتذب القلوب كالظل الوارف يأوي إليه المحتاج ويستظل به المنهك ويلوذ به المنقطع بعد الله سبحانه وتعالى،، رحل عنا فهد بن سلمان وبقيت أمة كانت في ذلك الرجل تعين العجازى والمسنين وتنفق على الفقراء والمساكين وتفرج هموم أصحاب الديون وتفك كرباتهم.. رحل فهد بن سلمان وبقيت أمة كانت في ذلك الرجل ترعى المرضى و تمسح دموع المحتاجين فما يسمع بمسكين يحتاج إلى مساعدة ولا عاجز يحتاج الى إعانة ولا مريض يحتاج إلى رعاية إلا وسعى في قضاء حوائجهم والتفريج عنهم، وإن شئتم فاسألوا أحبتنا مرضى الفشل الكلوي عافاهم الله وسيجيبونكم عن ذلك بكل تأكيد،،، فكم من مريض سيتألم لموته؟ وكم من ضعيف ومسكين سيبكيه؟ وكم من عاجز سيجد أثر فقده؟ وكم من صاحب دين ستزداد كربته بموته؟ مات الجسد.. وبقيت مآثر كانت تعيش داخل ذلك الرجل، وهكذا يعيش العظماء بعد موتهم.. العظماء الذين لم يكونوا يعيشون لأنفسهم، ولا لرغباتهم ولا لشهواتهم، بل كانوا يعيشون للصلاح والإصلاح والبذل والعطاء بما أوتي من جاه وكلمة مسموعة ودعوة مطاعة وبالذات على من لم تصل كلماتهم وشكواهم للمسؤولين فهل ذلك غريب على من تربى في كنف سلمان بن عبدالعزيز وتتلمذ في مدرسته؟! وبعد.. ماذا بعد:
إلى كل مصاب بهذا المصاب الجلل وفي مقدمتهم جميعاً سمو والدي الغالي الأب المفجوع المحتسب الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمد الله تعالى في عمره وسمو والدة الفقيد الغالي الصابرة المحتسبة وإخوانه وأبنائه أقول: إن مصابكم هو مصابنا جميعا، وما روّعكم روّعنا، وما أبكاكم أبكانا فعليكم من الله الرحمات عدد ما سكبتم من العبرات وكظمتم من الأنات وجعل مصابكم من الباقيات الصالحات وأمّنكم من الفزع يوم تنشر السجلات، وضاعف لكم الأجر والثواب والحسنات. واعلموا ان الذي قدر الأقدار حكيم خبير عليم، لايفعل شيئاً عبثاً ولا يقدر شيئا سدى بل هو رحيم تنوعت رحمته سبحانه وبحمده يرحم العبد فيعطيه ثم يرحمه فيبتليه، ثم يرحمه فيُوفقه للصبر، ثم يرحمه فيكفر بالبلاء ذنوبه وزلاته ويزيد حسناته ويرفع درجاته وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.. عظَّم الله أجر الجميع وجبر كسرهم وعوضهم خيري الدنيا والآخرة فيما فقدوا والحمدلله على قضائه وقدره حلوه ومره. رحم الله الفقيد العزيز ورحم كل عزيز فقدناه رحمة واسعة، وأسكنهم جنات الفردوس مع الأنبياء والصالحين، وجعلهم من الوجوه المسفرة الضاحكة المستبشرة. عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل في حديثه القدسي: ما لعبدي المؤمن عندي من جزاء إذ قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسب إلا الجنة» إنا لله وإنا إليه راجعون.

أعلـىالصفحةرجوع




[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved