رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 29th July,2001 العدد:10531الطبعةالاولـي الأحد 8 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

لو يُردّ الحمام لانتصب الحب..!
حمد بن عبد الله القاضى
* ** أجل..!
(لو يُردّ الحِمام لانتصب الحب
سياجاً فما استطاع الحِمام)
كما يقول الشاعر..!
لكنها إرادة الله قضت أن كل من عليها فان إلا وجهه الكريم.
لقد فُجعت وأنا في طريقي إلى المطار متجهاً مع أسرتي إلى «أبها» لقضاء إجازة قصيرة فيها فجعت بنبأ رحيل الأمير العزيز فهد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى الحياة الآخرة.
***
وظللت أتأمل: كلنا في هذه الحياة نسافر ونرحل، لكن هناك من سفرته أبدية، وهناك من سفرته محددة بأيام ثم يعود منها إذا أراد الله.
ولكمْ تظلم الدنيا.. وتسودّ الأيام عندما يرحل الأخيار منها.
والأمير فهد بن سلمان كما عرفته وعرفه غيري أحد أبرز الأخيار في مجتمعنا، الذين يسخرون جهدهم ووقتهم ومالهم في سبيل الخير: إغاثة لملهوف، ومساعدة لمحتاج، ومشاركة لبائس، وهذا ما يخفف على كل محبيه ألم فراقه.. إن أمامه بحول الله نعيماً مقيماً، ورباً رحيماً.. وحياة لا كدر ولا خوف ولا حزن فيها.. وهذا وعد الله للكرام الأخيار.. ومن أصدق من الله قيلاً ووعداً. فالله القادر يقول في محكم كتابه (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية، فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون). ذلك وعد الله.
***
** لقد كتب وسوف يكتب الكثيرون عن هذا الراحل الغالي تغمده الله بواسع رحمته لكنني أتوقف عند خمس صفات نادرة في الأمير فهد بن سلمان: بعضها عرفتها بنفسي وبعضها عرفتها عن طريق غيري.
* الأولى: حرصه الشديد على عمل الخير ورسم الابتسامة في قلوب من يحتاجون إليها.. وأذكر موقفاً عايشته معه رحمه الله فلقد هاتفته بشأن أمر خير فاهتم بالموضوع، وطلب مني الكتابة عن الموضوع عاجلاً.. ولعلني تأخرت يوماً أو يومين عن الموعد المحدد لمشاغل الحياة وإذا به رحمه الله وجعل الجنة مثواه يهاتفني يسأل ويستعجل إرسال أوراق ذلك المحتاج.. إنه لا يرغب في فعل الخير فقط بل يحرص ويتابع ويستعجل.. ولعله يدرك في قرارة نفسه أن الحياة قصيرة، وقد يداهمنا الأجل دون أن نقدم المزيد من الخير.
* الثانية: «شفافيته» واحساسه المرهف تجاه الآخرين إلى درجة نادرة جداً.. فهو ما إن يرى رحمه الله أحداً من معارفه يعايش هماً أو ألماً إلا ويبادر بسؤاله والاهتمام بحاله، والاستفسار خشية ان يكون هو سبب ألمه بكلمة أو تصرف وحصل هذا كثيراً، فقد ذكر المربي الشيخ عثمان الصالح انه رآه ذات مرة غاضباً ومتوتراً فجاء إليه يسأله وكان الشيخ مديراً للمعهد والأمير فهد طالباً : مابك يا شيخ.. أرجو ألا أكون سبباً في ألمك وغضبك.. ولم يرتح حتى طمأنه الشيخ عثمان ألا علاقة له بالموضوع.
أرأيتم مثل هذا الاحساس المرهف؟ كما ذكر مثل هذا الموقف في صحيفة عكاظ صديقه ومرافقه سالم الصوينع رحمه الله رحمة الأبرار.
* الثالثة: أريحيته العجيبة ومروءته النادرة في مجال مساعدة الآخرين، ومسح دموعهم، ويبلغ به الأمر أنه كان يتألم غفر الله له عندما لا يستطيع مساعدة محتاج.. وكان يصل به الأمر كما أخبرني من أثق به أنه كان يقترض ويتحمل مسؤولية الدين ولا يرد محتاجاً.
إنها صفة نادرة جداً أن يقترض الإنسان من أجل الآخرين.. أن يتألم عندما لا يستطيع ان يساعدهم.. وإنني لأسأل الله بصفاته العليا ان يدرجه في سلك أولئك الذين إذا لم يجدوا ما ينفقون يتولون وأعينهم تفيض من الدمع حزناً.. قد وُقي شح نفسه في الدنيا وأمامه الفوز العظيم بالآخرة بجنة المأوى كما وعد واهب الحياة، ومقدر الممات.. لقد كانت كلمته التي يرددها كما يقول صديقه «الصوينع»: (إننا لن نأخذ من الدنيا شيئاً).. وقد صدق رحمه الله إنه لم يأخذ من الدنيا شيئاً ولكنه أبقى في الدنيا طيب الذكر، وفي الآخرة سينال بحول الله عظيم الأجر.
***
* الرابعة: زهده في المناصب في الوقت الذي يتهافت فيه الناس على المناصب.. فلقد ترك أكثر من منصب كبير، وعُرض عليه أكثر من منصب.. بل إنه عُرض عليه بعد تركه إمارة المنطقة الشرقية منصب أكبر من منصبه السابق ولكن لم يوافق على ذلك كما قال لي شخصياً أثناء حديث بيني وبينه ولكن هذا الإنسان الذي رفض مثل هذه المناصب قبل فوراً منصباً فيه عمل خير ومساعدة محتاجين، ذلك هو أمين عام جمعية رعاية مرضى الفشل الكلوي.. وهو لم يرفض مثل هذا العمل لأنه يستجيب مع نزعة حب الخير في نفسه رحمه الله.
* الخامسة: حبه وتعلقه بوالديه، وسعادته بخفضه لهما جناح الذل من الرحمة.. ومن رأى وسمع كيف تحدث عن أبيه وأمه في اللقاء التلفزيوني الذي أجراه الاذاعي منصور الخميس في محطة (art) قبل بضعة أشهر أحسّ وأدرك هذه العاطفة العظيمة في وجدانه حتى ان دموعه تكاد تسبق كلماته وهو يتحدث عنهما.. رحمه الله رحمة واسعة.. وأذكر انه هاتفني بعد كتابتي عن هذا «اللقاء» هاتفني وهو سعيد جداً.. ومما قال لي بعد الشكر: أنا لا يهمني ما كتبت عني يا حمد ولكن الذي أسعدني اشارتك بالمقال لحديثي عن أبي وأمي وأرجو ان يكون ذلك دافعاً للشباب للبر بأمهاتهم وآبائهم رحمه الله..
***
** وبعد :
إن عزاءنا في هذا الراحل الذي هذه بعض صفاته، حسن خاتمته وهذه من علامات الخير له إن شاء الله فآخر منصب له في الدنيا هو: أمين عام جمعية الكلى.. وآخر صدقة قدمها للجمعية الخيرية برماح، وآخر عمل خير قام به قبل وفاته بيوم كما قال إمام مسجده الشيخ سلطان العتيبي هو تأمينه «أجهزة منع استقبال الجوال في المسجد» ووقوفه واشرافه على تركيبها بنفسه رحمه الله.
ما أحسن هذا الختام وإنني لأسأل الله في هذه اللحظات التي أكتب فيها هذا المقال.. في الثلث الأخير من الليل..
أسأله تعالى ان يجعل ذكره الحسن في الدنيا هو بشراه المعجلة في الدنيا.. وان يضاعف حسناته ويغفر ذنوبه.. وان يجمعنا به والراحلين الغالين علينا في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
** ختاماً:
أما أنت يا والده أميرنا سلمان الذي طالما قاسمتنا أحزاننا وشاركتنا أفراحنا فابنك من ودائع الله التي استردها وما دام على تلك الصفات من حب الخير، والحفاظ على دينه وصلاته فإن هذا مما يخفف مصابك فيه، وإنه بحول الله قدم إلى جوار رب رحيم، ورحل من دار الشقاء إلى دار النعيم التي لا شقاء فيها بل نعيم مقيم، ورب غفور.
ولك أيها الأمير الغالي ولوالدته الثكلى واخوته وأسرته صادق الدعاء بأن يربط الله على قلوبكم، وان يجمعكم به في جنة المأوى التي لا فراق فيها لغالٍ علينا.
أما أنتم أحبائي: فلذات كبده: سلطان وأحمد وسارة وريما فلتعلموا أن ذلك قضاء الله وقدره.. وعزاؤكم أنكم إذ كنتم فقدتم «فهد» والدكم فقد أبقى لكم «سلمان» والدكم، ولن تحسوا بعون الله باليتم، وهو يرعاكم ويحوطكم بعطفه، ويحنو عليكم بأبوته وحنانه.. ومن قبل أبيكم ومن بعده (لكم الله حافظ ومعين).

أعلـىالصفحةرجوع








[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved