رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 29th July,2001 العدد:10531الطبعةالاولـي الأحد 8 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

فهد بن سلمان الإنسان الذي أكد ثلاثة أدلة!!
ابراهيم بن عبد الله السمارى
* يقول العلماء: إن في مصيبة المؤمن ثلاث فوائد انها لم تكن في دينه، وانه ربما دفع الله بها ماهو أعظم منها، وان المؤمن يثاب عند الصبر عليها. والبلوى تكون بالسيئات من موت وغيره وبالحسنات من فتنة المال ونحوه ليتذكر المؤمن ويرجع إلى ربه. قال الله تعالى : «وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون» سورة الاعراف آية 168.
وبالأمس فجعنا بوفاة صاحب السمو الملكي الامير فهد بن سلمان بن عبد العزيز وقد كانت وفاته رحمه الله فاجعة حقا ليس بالنسبة لوالديه وذويه فحسب ولكنها فاجعة وطن فقد انسانا لا أقول خسره ولكنه فقد من أعطاه فأجاد وأفاد.
وهي فاجعة مساكين ومحتاجين استظلوا بظل رعاية هذا الانسان، وكانت نفحاته الخيرة بردا وسلاما أدخل الطمأنينة الى نفوسهم وزرع الفرح في وجدانهم.
يبتلي الله عز وجل المؤمن في ماله وولده ونفسه ليميز الايمان الحق وليصطفي من يشاء من عباده «لتبلونَّ في أموالكم وأنفسكم» سورة آل عمران آية 186.
وهل الولد إلا بضعة من النفس وجزء من علائق الوجدان؟
لقد كانت جنازة الراحل الكريم جنازة مشهودة عند الصلاة عليه، وعند مواراته في قبره، وبعد ذلك في مواساة اهله، وانما تعرف قيمة أي انسان بشهود جنازته، ولذا كانت جنائز العلماء واهل الخير من أعظم الجنائز وسجل التاريخ عن جنازة الامام أحمد رحمه الله أعاجيب وأعاجيب. فلا عجب اذا قال عالم كبير عن خصومه: موعدنا واياكم يوم الجنائز لأنه يعلم ان محبة الناس الحقيقية انما تبرز عندما يحسون بفقد المحبوب ومن يحتاجون اليه!!
في يوم الجنائز يعرف المحبوب بكثرة التابعين لجنازته لأن الناس لا يخرجهم آنذاك انتظار مغنم او خوف من سلطة، وانما هو الاحساس بالفقد وهو إحساس يتجسد بكل أبعاده وتداعياته في يوم تشييع الجنازة حيث تظهر الفطرة على طبيعتها وتنطلق العواطف الحقيقية معبرة عن المشاركة الوجدانية.
وفاة صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلمان بن عبد العزيز بما شهدته من مشاركة شعبية في مختلف الصعد أكدت ثلاثة أدلة لا يمكن الاستدلال بها الا في مثل هذا الموقف العصيب.
أول هذه الأدلة: محبة الناس لهذا الأمير الشهم ولا ريب ان هذه المحبة ليست سوى نبات استنبته الأمير في حياته في قلوب ووجدان كثير من الناس، فقد كانت مواقفه البطولية إبان أزمة الخليج رمزا لعطاء الانسان عندما تتعاظم في نفسه انسانيته وأريحيته. عندها كان فهد بن سلمان نائبا لأمير المنطقة الشرقية، فكان يذهب الى الأسواق يشارك المواطن عمله اليومي بأريحية فذة وفروسية نادرة، وهل هناك فروسية اكبر من ان يخوض الانسان في لجة الازمات ليشعر من هو مؤتمن عليه بأنه حريص عليه وليدخل الى قلبه الطمأنينة عندما يجد المسؤول عنه معه في نفس المكان، وكانت مواقفه مع الإخوة الكويتيين أثناء تلك الأزمة مما لا ينسى، وقد عبر كثير منهم عبر وسائل الاعلام المختلفة بعد وفاته عن احساسهم بفقده وعما يحتضوننه بين ضلوعهم من المودة العميقة له ،ويكفي تصريح وزير الاعلام الكويتي بهذا الشأن ليؤكد جلاء هذه الحقيقة.
ولأن من عرفك أحس بفقدك حق الاحساس، فقد كان تعبير أهالي المنطقة الشرقية من المسؤولين والمواطنين عن شعورهم بفقد الأمير الراحل الى خير جوار باذن الله أشد تعبير عن فقد العزيز الى قلوبهم الأمير الإنسان الذي عرفوه ولامست وجدانهم أريحيته وانسانيته فأحسوا بفقده أعظم احساس.
لم ينس فهد بن سلمان أولئك المحتاجين من مرضى الكلى، ومن الأسر التي ترعاها الجمعيات الخيرية بدعم من سموه فأعربوا عن مصيبتهم الكبرى بفقده وهي مصيبة فقد المعيل بعد الله عز وجل وما أعظمها من مصيبة.
كرس الفقيد الكثير من جهده وماله لرعاية الجمعية الخيرية لمرضى الكلى وكان أمر هذه الجمعية هاجسا يشغل فكر الفقيد في كل وقت ساعيا الى تخفيف ألم ومصاب أولئك المرضى وذويهم، وقد صرح بذلك في آخر حديث أجرته معه احدى الصحف المحلية قبل وفاته رحمه الله بعدة أيام.
قلائل هم أولئك الرجال العظام الذين يأسرونك لا أقول بعفويتهم، ولكني أفضل ان أسميها باسمها الصحيح فأقول: بفطرتهم السليمة «التي وصفها الله عز وجل في محكم التنزيل بقوله عز وجل: «فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم» سورة الروم آية 30، وقد كان فهد بن سلمان من اولئك الرجال لمن عرفه عن قرب أو شاهده في حديث متلفز أو قرأ كلماته في أحد لقاءاته الصحفية.
كان الفقيد كما كشف عنه عارفوه فوق محبته لفعل الخير حريصا على تربية أبنائه تربية مؤسسة على الالتزام بالدين وكريم الخلق ومتابعتهم في ذلك، وكان كذلك انسانا محبا للعلم شغوفا بالاجتماع الى طلبة العلم ومؤانستهم وتداول المسائل العلمية معهم يفيض عليهم وافر السخاء وطيب العطاء والخلق الجم والأدب الرفيع. وهو مع ذلك كان قريبا من جميع الناس بجميل تواضعه وكريم خلقه. ويمكنني القول بعد ذلك بعدل وصدق: انه كان فارسا بحق محبا للفروسية رياضة ومتحليا بعالي آدابها خلقا وسجية.
قلت: إن وفاة فهد بن سلمان رحمه الله أكدت ثلاثة أدلة، أولها محبة الناس لهذا الأمير النبيل وأؤكد ان الدليل الثاني هو ما أكده شهود الجنازة من محبة الناس لمن ربى هذا الانسان وصاغ أخلاقه العالية وسجاياه الرفيعة، فالفقيد هو ابن صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبد العزيز امير منطقة الرياض رجل البر والخير. والذين شاهدوا شدة تأثر الأمير سلمان بفقد ابنه لم يصبهم العجب او الاستغراب فقد كان اشتهر عن الفقيد بره القوي بوالديه، كما ان الامير سلمان أبلى بلاء حسنا في تربية الفقيد تربية متميزة، فكان احساسه بفقده اكبر من الفجيعة فيه، لذا فإن كثيرا من الذين شيعوا جنازة الفقيد انما جاءوا لمشاركة الامير سلمان في مصيبته مشاركة ظافرة بكل معاني الوفاء للانسان الذي ربى انسانا.
وكثرة التعازي التي وجهت لوالدته خصوصا من عموم التعازي التي فاضت بها الصحف والمجلات مواسية ومعبرة دليل أكيد على بعد مدى تعلق هذه الأم الصابرة بابنها البار بها وشدة تأثرها بفقده.
أسأل الله الكريم ألا يحرم أبا فهد وأم فهد أجر المصيبة وأن يخلف الفقيد عليهما بالعقب الصالح، وان يخلفهما على الفقيد باعلاء درجته في الجنة.
الدليل الثالث الذي أكدته الجنازة المشهودة هو التأكيد على قوة العلاقة بين الراعي والرعية فالمشاركة الشعبية التي شهدتها هذه الجنازة في المسجد الجامع وفي مقبرة العودة وفي قصر الأمير سلمان تؤكد عمق تلك العلاقة وعمق الولاء الشعبي لقيادته في الأفراح وفي الأتراح وهي دليل قوي على كريم خلق هذا الشعب ووطنيته الحقة.
لقد كان آخر حديث للفقيد الغالي موعظة مودع لمن كان له قلب او ألقى السمع وهو شهيد. كان حديثه ذاك رسالة مفعمة بالصدق وخالص النصح للقادرين حاول الفقيد من خلالها اضاءة طريق البر والإحسان أمامهم ليسلكوه على هدى وبصيرة. وكأني به بعد وفاته يقول لكل ميسور الحال: انظر كيف تكون آثار شكر الخالق بالاحسان للخلق من توفيق للعبد عند الله وعند الناس، فالناس شهود الله في أرضه، وما أظهروه من محبة للفقيد وأسى لفقده امارة خير وتوفيق له عند ربه باذن الله تعالى.
والاقتراح الذي أراه معبرا عن الوفاء والعرفان للفقيد الغالي هو تعديل اسم الجمعية الخيرية لمرضى الكلى ليصبح اسمها «جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية لمرضى الكلى» فهذه الجمعية كانت لها منزلة خاصة في نفس الفقيد، وقد اعلن ان أمرها يشغل حيزا كبيرا من اهتمامه الشديد وتفكيره الدائم لرعايتها، فلا يصح ان تكون أقل وفاء لمن شغله همها.
رحل فهد بن سلمان بن عبد العزيز الانسان الذي فاض بره وخيره التلميذ النجيب وكثير هم التلاميذ النجب في جامعة والده أمير البر سلمان بن عبد العزيز وإنا لرحيله لمحزونون ولا نقول الا ما يرضي ربنا: «إنا لله وإنا إليه راجعون».
والله الموفق..
alsmariibrahim@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع








[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved