| الاخيــرة
في مشهد كنت اتمنى لو انه لم يتكرر «على ما فيه من لمسة عاطفية غاية في الرقة والنبل» حاول سلمان بن عبد العزيز ان يحول دون ان تسقط دمعته الحرى على وجنتيه وأن يبقيها حبيسة في محاجر عينيه، غير ان عين الرجل القوي كانت سخية وكريمة فسقطت دمعته الساخنة على خديه دون ان يقوى على منعها في لحظات عاطفية جياشة لا تصدر الا عن انسان يحمل مخزونا هائلا من العواطف الجميلة، وسلمان في هذا الموقف هو هذا الانسان.
* * *
كانت الرياض التي احبها سلمان وأحبته تحتفل بمرور مائة عام على تأسيس المملكة، وتزامن ذلك مع اختيارها عاصمة للثقافة العربية بجهد خلاق من الأمير الراحل فيصل بن فهد رحمه الله، وكان من الوفاء ان يشير أمير الرياض في لفتة لا تغيب عليه الى الرجل الذي عمل من اجل ان تكون الرياض عاصمة للثقافة العربية وان وافاه الأجل قبل ان يرى ثمرة جهاده الطويل.
حاول سلمان وهو يلقي كلمته في حشد من المثقفين ان يبدو طبيعيا، غير ان الكلام استعصى على امير عاصمة الثقافة العربية لبضع ثوان عندما مر على لسانه اسم فقيد الشباب لتتجاوب دموع الحضور مع دمعة سلمان، ويومها قال من حضر بأنه يستحيل على سموه ان يمر بمثل هذا الموقف المشحون بالعواطف الصادقة دون ان يترك موقفا يسجله التاريخ، وهكذا كان سلمان.
* * *
كان سلمان بن عبد العزيز صديقا لفيصل بن فهد، والذين رافقوا مسيرة الفقيد في رعاية الشباب، يتحدثون عن حجم اعجاب فيصل بعمه الى درجة محاكاته في اسلوب عمله وطريقة ادارته والمنحى الذي خطه في تعامله مع الآخرين، وكان هذا التناغم في نوع العلاقة وأسلوب العمل بين سلمان وفيصل قد فسّرته دمعة سلمان بعاطفتها وحزنها واساها لكنها مع الاسف لم تكن الدمعة الأخيرة ولن تكون وهذا قدر سموه وقدرنا جميعا.
* * *
تذكرت هذا الموقف، واستحضرته من بين مواقف كثيرة وعديدة لسلمان بن عبد العزيز الانسان فيما بدأت عين أبي فهد تعطي من جديد وبسخاء المزيد من الدموع حزنا وأسى على غياب نموذج آخر ممن يستحقون ان نبكيهم وان نمنحهم دموعنا وهو الأمير فهد بن سلمان بن عبد العزيز، وسلمان في هذا الموقف كما هو في الموقف السابق لم يكن صاحب الدمعة اليتيمة فالدموع مثلما رأيناها في وجه سلمان رأيناها في الوجوه كلها في ظاهرة تجسد لنا نبل هذا الشعب من خلال ما عبر عنه من عواطف ومشاعر انسانية صادقة.
* * *
والذين استقبلوا الأمير سلمان لحظة وصوله الى الرياض أو رافقوا سموه الى المقبرة او شاركوه في الصلاة على الفقيد أو زاروه في قصره العامر لتعزيته في وفاة أكبر أنجاله، لاحظوا كم كان سلمان كبيرا وهو يغالب دموعه ويتظاهر بالتماسك حتى لا يشرك مواطنيه بأكثر مما عبروا عنه من عواطف ومساندة في موقف يشعر كل مواطن ان هذه التظاهرة الحزينة انما هي بمثابة استفتاء على مكانة الفقيد الكبير في عقول وقلوب وعواطف أبناء هذا الوطن الغالي.
* * *
لكن سلمان بدموعه الجديدة والقديمة معا انما يعبر عن وجهه الآخر المضيء والمشرق، فهو مع قوته من أرقّ ما عرفت في تسامحه وإنسانيته وتفهمه لواقع مجتمعه، لا اقول هذا عن عاطفة وان كنت لا أبرئ نفسي منها لكنها بعض ما سمعت من رجال كثر كانوا في قصره ينتظرون دورهم لتعزية سموه بمصابه الجلل وانا هنا انقل من ذاكرتي صورة ما سمعت وما رأيت لأضيفها إلى ما أعرفه عن سموه.
* * *
أجل فكلنا بكاءون..
وكلنا ذلك الانسان..
كلنا سلمان..
* * *
رحمك الله يا فهد..
وإلى الجنة إن شاء الله.
|
|
|
|
|