في الأسبوع الماضي ودعت مدينة الرس الوداع الأخير أحد أبنائها وأعيانها المعروفين ووجهائها البارزين الذين يمثلونها في كل مناسبة رجل يشهد له كل من عرفه بالاستقامة والمحافظة المبكرة على أمور الدين وهذه من خير ما نتشرف بذكره من محاسن موتانا.
وكان يرحمه الله رائداً من رواد التعليم الأول في هذه المدينة تتلمذ على يديه أكثر المسؤولين من أبناء هذه المدينة الذين لا تخلو منهم أكثر المؤسسات العسكرية والمدنية في بلادنا الواسعة. لقد مات الرجل الطيب صاحب الأخلاق والمواقف الكريمة الشيخ عبدالله الناصر الرشيد فبكته الجموع الغفيرة، وترحمت عليه لأنه محبوب ومعروف من الجميع وما كان يذكر في حياته إلا بالسمعة الحسنة والوفاء لمجتمعه وبلدته الى جانب منزلته الاجتماعية الرفيعة باعتباره عميد أسرة الرشيد وممثلها في الهيئة الاجتماعية. لقد ارتحل عن هذه الدنيا الفانية، وهذا قدر كل حي ونهايته المحتومة مهما امتد به الأجل. قال المولى عزوجل:)كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور(.
وفي الأثر: «عش ما عشت فإنك ميت وأحبب من أحببت فإنك مفارقه». ولله كم نفارق كل حين من الأحبة والأصدقاء والأقارب والأصحاب نودعهم بطون القبور ونهيل عليهم التراب طائعين محتسبين مسلمين بقضاء الله وحكمته في خلقه:
والله ما حطك بالقبر لكن آمنت
باللي جعل دفن المسلمين مسنون
والله كم نحزن وكم نبكي لفقد مثل هؤلاء الشيوخ نبكيهم لذواتهم ونبكي ما فيهم من الخيرية والصلاح فكبار السن الذين نودعهم كل يوم هم بحق من الخسائر الجسيمة التي لا يقدرها حق قدرها إلا القلائل من أهل النهى والعقول الحصيفة.
فهم الجنود المجهولون في حياتنا، هم أهل الفطرة السليمة وأهل القلوب الواجفة من خشية الله والألسن الرطبة من ذكر الله. أهل الصيام والقيام والصدقات والإحسان. لا نبكيهم وحدنا كبشر بل تبكيهم معنا مصليات الأمهات والجدات التي طويت في منازلنا بعد ان كانت عامرة بالذكر والصلاة والدعاء للصغير والكبير والأحياء والأموات، ونبكي معنا مساجدنا على فقد الشيوخ الذين غابوا عنها على غير عادة وتبكيهم الصفوف التي صارت تتناقص بتناقصهم فلله كم تخسر منازلنا من الخير وكم تبكي مساجدنا من الفضل والوفاء وكم يرزأ الناس بموت خيارهم.
حكم المنية في البرية جار
ما هذه الدنيا بدار قرار
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفواً من الأحزان والأكدار
فالعيش نوم والمنية يقظة
والمرء بينهما خيال سار
رحم الله فقيدنا الغالي رحمة واسعة ووسع له في قبره مد بصره وضاعف له الأجر والمثوبة على ما نفعنا به من العلم الشرعي الذي كان يلقننا إياه عن ظهر قلب وبأسلوبه الخاص الذي قد لا يجيده سوى القلائل من أساتذة التربية والتعليم في عصرنا الحاضر،