| مقـالات
المهتمون بالأدب العربي يعرفون مقولة قديمة تداولها العرب منذ أن لمع نجم أبطالها إلى الآن وإلى ما شاء الله.. هذه الجملة المشهورة تقول:«أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب».. والذي يهمنا من هذا الرباعي الشهير.. الشاعر الأخير.. الأعشى.. وفي العاصمة الرياض شارع باسمه في حي منفوحة.. هذا الحي الذي يقال: إن الأعشى ينتمي إليه أو نشأ فيه.. ولوسألت الناس هناك من هو الأعشى؟!.. سنفاجأ أن أكثرهم لايعرف.. والغالبية لم تسمع عنه.. وربما يتفلسف أحدهم حتى لايبدو جاهلاً فيقول بأن الأعشى لاعب كرة قدم.. وآخر يظن أنه ممثل.. وإذا أسعدك الحظ بمثقف فيقول إنه شاعر.. ولو أردت أن تتزيد لما خرجت بالمزيد.
ولهؤلاء أورد هنا نبذة مختصرة عن الأعشى.. شخصيته وحياته وشعره.. اسمه الحقيقي «ميمون قيس» من قبيلة بكر بن وائل.. ولد ومات بمنفوحة من الرياض. قال الشعر وتكسب به فمدح الملوك والأشراف بالحيرة واليمن والشام واليمامة والحجاز. وشهرة الأعشى في عالم الشعر أنه كان في زمانه أكبر هجاء سياسي ظهر في العصر الجاهلي.. وفد على النبى صلى الله عليه وسلم مادحاً ومسلماً.. فتصدت له قريش ونفرته من الإسلام.. فرجع ومات في سفره. ومما يقال عنه أنه كان مولعاً بالخمر والنساء والغناء فعاش لها وتغنى بها.. كان دائم الحكي عن مغامراته مع النساء وقصصه الداعرة معهن.. ويصور بالشعر مجالس القيان والغناء.. فكان «دو نجوان» عصره و«زوربا» زمانه.. له مكانته العالية عند أصحاب الملذات واللهو من الشعراء.. ومن ناحية أخرى فإن النقاد يضعونه في منزلة متقدمة لكثرة تصرفه في فنون الشعر ووفرة الموسيقى وعذوبة الألفاظ ويسرها حتى سمي «صناجة العرب» أما معلقتة الشهيرة فقد تناول فيها الغزل والخمر والهجاء والفخر.. وقد صور القدماء الأعشى في قصصهم رحالة يجوب بشعره الآفاق باحثاً عمن يشتري مديحه.. إلى حد أنهم قالوا: إنه أول من تكسب بشعره.. ومن حق الأعشى ألا يظلم في ذلك.. كما أن من حقه ألا يظلم باتهامه أنه صاحب لهو ولذة وخمر.. لأنه كان يذهب في ذلك مذهب فتيان العرب في الجاهلية.. حيث كانوا يهجمون على الملذات قبل أن يهجم عليهم هادمها.. لايرون فيها عيباً أو حراماً.. وإنما هي عندهم مبذولة لمن يستطيع أن ينالها.. وليس ينالها إلا القوي الجريء. ورغم أن الأعشى قد مدح كثيراً من الأشراف والملوك من غير قومه.. ونال عطاءهم.. إلا أنه لم يفقد صفته السياسية الأصلية في الدفاع عن قومه.. فكان صوتهم القوي الذي خلد يوم «ذي قار».. وكان بعد ذلك لسانهم فيما ينشب بينهم وبين جيرانهم من منازعات وحروب.. وماحفظه التاريخ عن الأعشى أن أباه يسمى «قتيل الجوع».. سمي بذلك لأنه دخل غاراً يستظل فيه من الحر.. فوقعت صخرة عظيمة من الجبل فسدت فم الغار.. فمات فيه جوعاً.
ومما يذكره التاريخ أن الأعشى نبغ واحتل من قبيلته مكاناً رفيعاً.. ثم ذاع صيته في أنحاء الجزيرة العربية حتى أصبح مسموع الصوت مرهوب الجانب.. من الذين يحسب الناس لشعره ألف حساب حتى أن قريشاً فزعت حين علمت بمقدمه على النبي صلى الله عليه وسلم فجمعوا له من مالهم مئة ناقة حمراء على أن يعود دون ان يقابل النبي فعاد بعد أن قبض الرشوة. رغم ما عرف عن الأعشى من خصال انحرافية.. إلا انها لم تفقده إخلاصه لقومه وعشيرته.. فظل شاعر السياسة الذي يعبر عن وجهة النظر الرسمية لقبيلته.. ويسجل ما بينها وبين جيرانها من أحلاف ومعاهدات.. ويؤرخ الوقائع.. ويمجد البطولات في شعر رائع.. ويهاجم بأحدِّ الألفاظ من تحدثه نفسه بالنيل منها أو مهاجمتها.. مهدداً بقوة قومه.. كانت للأعشى شخصية قوية واضحة.. جعلت منه شاعراً ممتازاً ومحامياً في الدفاع عن قومه.. وكان أهم ما يميزه الوفاء لهم لدرجة أنه اتهم بأن شعره السياسي اتسم بروح العصبية.. لكنه في حقيقته الوفاء الصادق والاخلاص غير المحدود. بقي أن نعرف أن الأعشى لقب بهذا الاسم لانه لم يكن يبصر في الليل.. وقيل انه كان شبه أعمى ولذا لقب أيضاً ب «أبي بصير».. وهذا مما يؤكد أنه لم يكن لاعب كرة قدم في حواري منفوحة.
|
|
|
|
|