أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 24th July,2001 العدد:10526الطبعةالاولـي الثلاثاء 3 ,جمادى الاولى 1422

عزيزتـي الجزيرة

خواطر من تجربة شخصية
اهتمام ورعاية يحظى بها أبناؤنا في مدارسهم
حضرت قبل فترة ليست بعيدة في مقر مدرسة علي بن ابي طالب الابتدائية في محافظة الزلفي حفلاً مصغراً نظمته إدارة المدرسة تكريماً لطلبة الصفوف الأولية في المدرسة، وذلك كولي أمر بحكم وجود ابني «عبدالمجيد» ضمن طلاب الصف الأول المتفوقين لعام 1421ه حيث حضر عدد من أولياء الأمور بناء على دعوة المدرسة. وكانت بادرة المدرسة بإقامة هذا الحفل ذات صدى طيب لدى اولياء الامور الذين ثمنوا لادارة المدرسة هذه الخطوة وأعربوا عن شكرهم وتقديرهم لجميع منسوبي المدرسة من ادارة ومرشدين ومعلمين وموظفين علي جهودهم المستمرة في تشجيع ابنائهم الطلبة.
واثناء حضوري لهذا الحفل ومشاهدتي لاولئك الاطفال وقد اصطفوا جميعا على صالة كبيرة توسطته قاعة الحفل وما اقامته لهم ادارة المدرسة من تكريم بهذه المناسبة تخللته وجبة افطار خفيفة تملكني الشعور بالفرحة والغبطة المضاعفة لعدة اعتبارات اولها تفوق «عبدالمجيد» واجتيازه لسنته الدراسية الاولى وثانيها هذا الاهتمام وهذه الرعاية التي يحظى بها ابناؤنا في مدارسهم وما يجدونه من المسئوولين من اهتمام في المدارس وادارة التعليم في محافظة الزلفي بصفة عامة وفي مدرسة علي بن ابي طالب على وجه الخصوص فقد رعتهم في ايام الدراسة في الاسبوع التمهيدي رعاية خاصة واثناء توزيع نتائج الفصل الدراسي الاول وهذا لا شك اسلوب تربوي يرقى لاعلى درجات النجاح بعد توفيق الله سبحانه وتعالى في تشجيع الطلبة المبتدئين على الاستمرار في الدراسة وتقبل المدرسة وعدم شعور الطالب بالخوف بعد انتقاله من البيت للمدرسة وكذلك يسهم هذا الاسلوب في استمرار التفوق خصوصاً عندما يكون التعاون بين المدرسة والمنزل على الوجه الصحيح كما ان هذه الرعاية تجعلنا نطمئن على ابنائنا بأنهم بأيد امينة ترعاهم حق الرعاية وفق توجيهات الدولة الرشيدة اعزها الله.
انتهى الحفل وعلامات الفرحة والسرور تعلو وجوه الاطفال المحتفى بهم توزيع إشعارات النتائج وشهادات التفوق عليهم من قبل مدير المدرسة وعدد من أولياء الأمور الذين شاركوا في تسليمها وأخذت «عبدالمجيد» الذي اشعر انه يكاد يطير من الفرح للمنزل حيث كان على موعد مع والدته واخوته الذين كانوا بانتظاره وما ان وصلنا نزل من السيارة قبل توقفها وسارع لوالدته وسلمها شهادة التفوق الهدية الخاصة من المدرسة بهذه المناسبة وتلقى تهانيها وتهاني اخوته وشقيقته وعندما دخلت المنزل رأيت إحدى الغرف وقد علقت بها الزهور من كل جانب واضيئت بها الانوار بمختلف الاشكال والالوان وفرشت بالزل الفاخر وعندما استفسرت عن الوضع واسبابه كانت الاجابة ان هناك حفلة تكريم «منزلية» لعبدالمجيد ستقام له عصر نفس اليوم بمناسبة تفوقه في المدرسة دُعي لها عدد كبير من الأطفال من أقاربه ومعارفه ممن هم في سنه عندها تضاعفت فرحتي بهذا الاهتمام بعبدالمجيد من منزله علاوة على تكريمه بمدرسته وانتابني شعور غريب لا يعلمه إلا الله طلبوا مني تقديم المبلغ المخصص لمستلزمات حفلة التكريم المنزلية ولم اتردد في تسليمه مضاعفا وإذْ كنت على استعداد تام لدفع ما يطلب مني حينها، فاللحظة غير قابلة للرفض بل تدعو المشاركة بكل شيء. «جزى الله والدينا ووالديكم خير ما يجزى به عباده الصالحين».
وفي هذه الاثناء عادت بي الذاكرة لبداية الثمانينيات الهجرية عندما كنت طالباً في المرحلة الابتدائية وحاولت ان أستذكر الاوضاع التي عشتها وبعض اقراني في بداية دخولنا المدرسة وماذا كنا نقابل به سواء في المدرسة او المنزل في اول يوم دراسي او بعد النجاح ولم استطع استذكار ما اريد الوصول إليه وكما قيل «للسن احكام» ولكن الشيء الذي انا متأكد منه أننا لم نكن نلقى ما نسبته 30% من الاهتمام والارشادات والتكريم الذي يحظى به طالب اليوم في بداية دراسته بل وعلى مدى مراحله التعليمية. صحيح ان اوضاع ذلك الزمن لا تقارن بزمننا الحاضر وماهو مهيأ للناس اليوم لم يكن موجودا سابقا في كثير من المجالات ولكن الشاهد في الموضوع هو الاهتمام بطالب اليوم مقارنة بالاهتمام به في الزمن الماضي خصوصاً من جانب منزله؟؟ ولعل هذا الأمر مشاهد ومحسوس لدى الجميع ورغم ذلك ومع كل هذه المغريات «ان صحت التسمية» لطالب اليوم حتى يلتحق بالمدرسة ويستمر بها الا ان الملاحظ هو العكس فبدلا من ان تدفعه هذه المغريات للركض قبل المشي للمدرسة نجد العكس «وهذا الحكم ليس عاماً» وكثيرا ما واجه الآباء والامهات متاعب لا تعد ولا تحصى اثناء تسجيل الطالب المبتدئ في المدرسة وعندما يحين اليوم الاول للدراسة فتجد الدنيا تقوم ولا تقعد بسبب رفض الطفل التوجه للمدرسة، فما اسباب ذلك هل للتربية داخل المنزل دور في ذلك أم ظروف الحياة تتحكم في بعض الاطفال. لقد كنا نتجه لمدرستنا صباح كل يوم طواعية ودون اي طلبات وكنا نسير على الاقدام مسافة طويلة للمدرسة تصل لاكثر من 25 كم ذهاباً وعودة ونتعرض لبرودة الجو وحرارة الشمس اما طالب اليوم فتنتظره السيارة الفاخرة المكيفة عند باب منزله ومدرسته، ولم نكن نستقبل بمثل ما يستقبل به الطالب المستجد اليوم ولم يخصص لنا برنامج اسبوع تمهيدي تتقلص فيه عدد الحصص وتتزايد بالتدريج ولم نستقبل بالحلوى والهدايا. ولا اتذكر ان حفلا تكريميا اقيم لنا بعد النجاح من الصف الاول لا في المنزل ولا في المدرسة. وكنا «ان لم تخني الذاكرة» نتسلم شهادة النجاح من خلف نافذة الفصل وقوفاً في زحام شديد وقد آذتنا النافذة الحديدية في ايدينا؟؟ وفي المنزل كان اكثر ما نلقاه هو عبارة «مبروك النجاح» عندما يجود بها احد والديك «غفر الله لوالدينا جميعاً». كنا نستذكر دورسنا في المنازل الطينية على فراش ذي الوان كثيرة تشوش على انظارنا وتتزاحم الحروف امامنا ونصاب بالصداع لذلك الوضع، لم نكن نحظى بالتكييف والفرش الفاخرة كما هو الحال الآن، وكنا نجلس تحت مراوح معلقة تزعجنا بصريرها وكانت المراوح اليدوية «المهافّ» جليسنا في بعض الاحيان، وفي الليل نستذكر دروسنا تحت مصباح اصفر اللون قوته ما بين 40 60 شمعة وكنا نستعين بعض الاحيان بالفانوس «السراج» ليساعدنا على الرؤية؟؟ لم نكن نجد تلك المكاتب الفاخرة المتوفرة اليوم والادوات ذات الاشكال المتعددة التي تغري من يراها ودواليب الملابس الفاخرة التي يحفظ بها طالب اليوم ملابسه اذ كنا نعلقها على حبل في إحدى الغرف؟؟
كنا نستذكر دروسنا غالبا تحت اشجار «الاثل» في المزارع المجاورة نهاراً نتتبع الظل وفي حرب وصراع مع النمل وبعض الحشرات حتى تشتد حرارة الشمس ويتقلص الظل ثم نعود للمنزل؟ لم نكن نجد متابعة في المنزل ولا نعرف ان هناك شيئاً اسمه «التعاون بين المدرسة والمنزل» بالشكل الملاحظ الآن كانت الادوات المدرسية متواضعة جدا فالشنطة عبارة عن كومة من الجلد مفتوحة من الوسط تثقل كاهلنا والاقلام ناشفة عادية المسطرة خشبية وشتان ما بينها وبين ادوات الدراسة اليوم؟ لم نكن نعرف ريالي الفسحة «او الخمسة او العشرة» عند البعض اليوم. كنا نكتفي بوجبة افطار متواضعة ولله الحمد والشكر داخل المنزل كافية لاستعدادنا للدراسة حتى الظهر واذكر انني كنت احضر الخبز بنفسي بعد صلاة الفجر مباشرة من مخبز يبعد عن المنزل اكثر من كيلو متر وأسلك تلك الشوارع الموحشة ذهاباً وعودة. وهذه الظروف تجربة شخصية اجزم ان هناك الكثيرين من اقراني في ذلك الزمن عايشوها معي ومع كل هذه الظروف كنا نؤدي يومنا الدراسي على الوجه المطلوب، ولم نتخلف عن الدراسة إلا لظروف قاهرة، ولم نكن ندعي المرض كما يفعل بعض الاطفال اليوم؟؟ حتى يسمح له والدها بالغياب عايشنا ظروفنا وتكيفنا معها وسلكنا طريقنا في الدراسة مع زملائنا الذين مر اكثرهم بنفس ظروفنا بل اصعب منها ولم تمنعهم من تكملة المشوار. فما بال طلبة اليوم وقد تهيأت لهم كل هذه الامكانات والحوافز يرفضون التوجه للمدارس في بداية اعمارهم الدراسية ويواجه آباؤهمو امهاتهم متاعب يعرفها الكثيرون عندما يقترب موعد التوجه للمدرسة كل صباح؟
ورغم كل الخطوات التي اتخذتها وزارة المعارف ومعها الرئاسة العامة لتعليم البنات من اجل ترغيب الطلبة والطالبات في المدرسة وازالة الخوف من نفوسهم وبذل كل المساعي المشكورة لهذا الهدف الا ان هناك اطفالا لم تجد معهم هذه الوسائل ولم يتبدد الخوف من نفوسهم من شبح المدرسة فما هي أسباب ذلك.
أعتقد انه لم يبق اي مجال للجهات المسؤولة إلا وسلكته من اجل ترغيب الطالب والطالبة في المدرسة ولكن؟؟
اذاً ما هو دور البيت لمعالجة هذه المشكلة وهل المنزل يلعب دورا فيها بمعنى ان التربية التي يعيشها كل من الطالب والطالبة في المنزل لها دور كبير في تعلقه بالمنزل وخوفه من الخروج منه وخصوصاً للمدرسة أم ان هناك اسباباً اخرى؟؟
ختاماً ما ذكرته خواطر من تجربة شخصية رأيت أن اسطرها من خلال هذه الصفحة وعذراً عن الإطالة والله أسأل أن يحفظ لهذه البلاد قائد مسيرتها التعليمية خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين ورجال حكومتهما المخلصين وان يحفظ لنا هذه النعم الوارفة التي ننعم بها وان يجعلها عوناً لنا على طاعته ومرضاته قبل كل شيء وان يوفقنا جميعاً لخدمة هذا الوطن الغالي الذي هيأ لنا كل سبل الحياة وان نبادله العطاء بعطاء والوفاء بوفاء والجود بالخدمة والتضحية.
«والله المستعان»
داود بن أحمد الجميل
الزلفي مكتب الجزيرة


أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved