| القوى العاملة
يواجه المسؤولون في الوزارات والمصالح والمؤسسات الحكومية بل في القطاع الأهلي معضلة جسيمة عند رغبتهم شغل أحد المناصب القيادية، وبالذات في حالة تعدد ذوي الكفاءة المؤهلين لشغل الوظيفة القيادية، وذلك بسبب أهمية هذه الوظائف لتحقيق الأهداف العامة للجهة الإدارية.
فهم يحتارون بين مراعاة وضع الاقدم في الخدمة ولكنه الاقل في التأهيل وبين المؤهل ولكنه الاقل في الخدمة.
وهذا الأمر لم يهمل في التشريعات والأنظمة وفي مقدمتها التشريع الإسلامي العظيم.
ففي التشريع الإسلامي ورد في القرآن الكريم قول الله عز وجل: «.. إن خيرَ من استأجرت القوي الأمين»، نعم انها كلمتان فقط، القوة والأمانة ولكنهما تحملان المعاني العظيمة في الوصول لقرار الاختيار فالقوة تعني حسب المفهوم الحديث ما أوردته قواعد التصنيف الوظيفي من ضوابط التأهيل والخبرة والتدريب ونحو ذلك والأمانة تعني توفر الاستعداد لدى الشخص في تنفيذ واجباته الوظيفية بالجد والإخلاص والمساواة.
وورد في السنة الشريفة قول الرسول صلى الله عليه وسلم «من ولي من أمور المسلمين شيئاً فولى شخصاً وهو يجد من هو أفضل منه فقد خان الله ورسوله»، كما ورد في شأن ابي ذر الغفاري وكلنا يعرف ابا ذر هو صحابي تقي جليل ومقرب لدى رسول الله الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام «ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من ابي ذر».
وكان يطمح إلى تولي أحد المناصب في الدولة الإسلامية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا ابا ذر إني اراك ضعيفاً واني احب لك ما أحب لنفسي لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم».
ومجمل القول بالنسبة لما ورد في التشريع الإسلامي سواء الآية الكريمة أو الحديث الشريف، أن مبدأ الجدارة هو الأمر المعول عليه في التشريع الإسلامي في شغل الوظائف العامة، وبالذات القيادية، وبذلك فإن الشريعة الإسلامية سبقت الانظمة الوضعية الحديثه بمدة طويلة في اقرار هذا المبدأ، فالأنظمة الحالية أيضاً تعتبر مبدأ الجدارة هو الاساس في شغل الوظائف ومنها نظام الخدمة المدنية السعودي، وذلك لارتباط الجدارة بالمصلحة العامة التي تسعى الوظيفة العامة لتحقيق أهدافها.
والجدارة هي مجموعة صفات تتمثل في التأهيل والخبرة والموهبة والجدية والنزاهة، فهي ليست مقصورة على أصحاب المؤهلات ولو علت، بل إنه قد يوجد شخص غير مؤهل علمياً ولكنه مؤهل عملياً وخبراته تجعله الاقرب للوظيفة المطروحة للترقية فيكون هو الأجدر، فمبدأ الجدارة ينبغي الا يكون متماثلاً لسائر الوظائف بل انه يختلف من وظيفة لأخرى، فالتأهيل العلمي يكون أحياناً هو الاقرب لتحقيق هذا المبدأ، وفي وظائف اخرى قد تكون الخبرة هي المحور في ذلك، وفي وظائف أخرى قد لا يكون المؤهل والخبرة بل الثقة والوضع الاجتماعي ونحو ذلك، ثم ان المفاضلة بين شخصين أو أكثر على وظيفة معينة ينبغي أن يكون محصوراً في الأشخاص الأقرب للوظيفة من ناحية التأهيل والخبرة بغض النظر عن الأشخاص الآخرين الذين قد تتوفر لديهم الأقدمية ولكن خبرتهم بعيدة عن الوظيفة. وأعتقد أن هذا الاتجاه يتمشى مع مبدأ الجدارة في شغل الوظائف العامة.
المسؤول عند رغبته شغل احدى الوظائف القيادية لديه قد يستعين بأحد المسؤولين أو بعدة مسؤولين على هيئة لجنة، وهو أمر لا يختلف احد على جدواه، إلا أنه مع ذلك ينبغي الا يكون هو الأسلوب المعتمد عليه في ذلك فقط، بل ينبغي للمسؤول سلوك طرق أخرى ومنها:
* الاطلاع شخصياً على ملفات الموظفين المرشحين.
* الاتصال بأسلوب أو بآخر ببعض الموظفين ذوي الكفاءة الذين يعملون تحت اشراف القياديين المرشحين لمعرفة انطباعاتهم عن رئيسهم.
* محاولة معرفة رأي الجهات التي تتعامل مع القياديين المرشحين خاصة اذا كان عملهم يتعلق بخدمة الجمهور، في المرشح وكيفية تعامله معهم ومع مراجعيه.
* مقابلة الأشخاص المرشحين لمعرفتهم عن قرب ومعرفة درجة التفاوت بينهم وبالذات في حالة تساويهم في التأهيل ونوعية الخبرة والأقدمية في الخدمة، وإذا تبين بعد ذلك استمرار التساوي بين المرشحين فإن على المسؤول أن يلجأ إلى اسلوب آخر يفصل في الموضوع أو اعطاء نفسه مهلة للتأمل والتفكير وذلك ابراء للذمة وتوخياً لتحقيق خدمة المصلحة العامة.
* تكليف الشخص الذي يقع عليه الاختيار بعمل الوظيفة المطلوب شغلها لمدة معينة لمعرفة مدى مقدرته لشغلها وتهيئة زملائه المنافسين له بترقيته إليها.
هذا والله ولي التوفيق،،
|
|
|
|
|