| الاخيــرة
قلّما فاتتني قراءة الزاوية الاسبوعية «يمانيات» التي يكتبها الشاعر اليماني الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح في جريدة الوطن.
ليست مواظبتي على قراءة زاويته نابعة من عمق التفاعل الثقافي القائم بيني وبينه منذ أمد بعيد عن طريق تبادل الرسائل والنتاج الأدبي لكلينا، وليس بدافع أحاديثه الاذاعية عن ديواني «في زورقي» من اذاعة صنعاء في حدود )16 حلقة( عام 1405ه، وان كنت أشكره على ذلك وافر الشكر وانما الذي حببها إلي هو جديَّة وواقعية ما يطرحه في ثنايا هذه الزاوية من موضوعات ثقافية عقلانية رزينة.. تلقي ضوءاً هادئا يزيح عتمة الطريق الأدبي والابداعي الى حيث يجب ان يكون وضاء مضيئا.
لقد استرعاني مقاله الأخير المنشور في زاويته الاسبوعية في الوطن يوم 30 ربيع الآخر 1422ه بعنوان «أسوأ بلد تكون فيه أديبا» وأحببت مداخلته هنا رغبة في ان يزيد التعاطي في هذا الاتجاه.. لعل وعسى ان يكون له من الصدى المتجاوب ما يحقق شيئا من قبل مالكي القرار العربي نحو دعم الأدب والثقافة في بلدانهم دعما يدفع الوعي العربي المتخلف في هذا الجانب الى التقدم والتطور والى حياة فكرية وابداعية أكثر وأنضج.
علق الدكتور المقالح على المقولة العربية القديمة «فلان.. أدركته حرفة الأدب» بالسؤال الآتي: لماذا الوطن العربي وحده تقريبا الذي يعاني فيه المبدع لما يترتب على اختياره الكتابة، في ان يكون عرضة للجوع والمساءلة ولما هو أخطر كأن يدفع حياته ثمنا لشطحة عابرة أو لتفسير مغلوط. فضلا عن اضطرار المبدع العربي الى ان يحترف عملا غير الأدب، أو ان يلتحق بالوظيفة الرسمية، وما فيها من اهدار للوقت والتزام بشروط السلامة.
انني أعاضد الدكتور عبد العزيز في جانب من وجهة نظره هذه واختلف معه في جانب آخر منها.
نعم يجب اعطاء المبدع العربي ما يستحقه من دعم مادي ومعنوي لاسيما الذي يسخر ابداعه لما يخدم حياة أمته ويعلي شأنها ويفخر ويعتز بقيمها وثوابتها ويرفع معنوياتها ويذود بأدبه وإبداعه عن حياض فكرها ولغتها.
أما ما أختلف فيه مع الدكتور المقالح فهو ما يوحي باستهجانه ان يكون الأديب موظفا رسميا .. ويرى ان الأفضل للأديب ان يستغني بأدبه عن الوظيفة الرسمية ولكنه في عالمنا العربي مضطر اليها اضطرارا ليعيش ويعيش أسرته.
وفي رأيي ان الوظيفة الرسمية ليست حجر عثرة في طريق الأديب المبدع والدكتور عبد العزيز المقالح من أبرز الأمثلة على ذلك فهو يتسنم ومنذ سنين رئاسة أكبر جامعة في اليمن الشقيق «جامعة صنعاء» ومع ذلك لم تؤثر هذه الوظيفة الرسمية الكبيرة على نتاجه وإبداعه الأدبي المتمثل في كتبه النثرية ودواوينه الشعرية والتي آخرها ديوانه «أبجدية الروح» والذي صدر عام 1998م وقد يتاح لي ذات يوم ان أتحدث عنه ان شاء الله والشاعر المقالح هو أحد النجوم الساطعة في سماء الشعر والأدب العربي المعاصر متعه الله بالصحة والعافية.
ولو انفصل الأديب عن معاناة أمته ومجتمعه الذي تمثله الوظيفة لعاش شبه معزول عما تضطرم به حياة الفرد والجماعة ولربما صار نتاجه قاصرا عن التعبير الصادق والملامس لدواخل الناس وخفايا مشاعرهم وأحاسيسهم ومتطلبات توعيتهم وتثقيفهم.
لذلك فالأديب ليس جنسا منفصلا عن صخب الحياة وهموم المجتمع وليست الوظيفة جدارا حاجزا بين العمل لخدمة الدولة كفرد منها وبين العطاء الأدبي الابداعي الذي قد يستمد رؤاه البناءة من اندماجه وانصهاره في هذا العمل الوظيفي أو ذاك كجزء مهم في الحياة العامة.
نعم يحتاج الأديب الى شيء من التفرغ بين حين وآخر قبل ان يحين تفرغه الاجباري بالتقاعد ولكن الفكر والعطاء الأدبي قادر على الاستمرار في حالتيه معا.
والخلاصة انه لا تعارض بين الابداع وممارسة الوظيفة الرسمية بل الوظيفة أحيانا ما تكون وقودا ينضج التجربة الشعرية والشعورية.
|
|
|
|
|