| الاخيــرة
كتبت قبل نحو عشرين عاماً مقالاً اتابع من خلاله حديثاً للصديق والمفكر المعروف الدكتور حمد المرزوقي، نشرته صحيفة «الرياض» في عددها الصادر يوم الثاني من شهر شعبان عام 1403ه، وقد أودع الدكتور المرزوقي مقاله ذاك رؤيةً شفافةً ودقيقةً لما اسماه ب« أزمة الإعلام العربي» واحسب ان ما كتبه الدكتور المرزوقي يومئذ لم يغادر الحقيقةَ، فالاعلام العربي في جل حالاته كان وما برح يشهد أزمةً حقيقيةً في طرحه وادواته وحتى مصداقيته، ولذا، حقّ عليه القول بأن ظاهره سقيم وباطنه عليل، والعلة والسقم وجهان لعملة واحدة، هي.. القصور!
*****
واليوم، أجد ما يحملني على الخوض مجدداً حول هذا الموضوع، يستفزّني الى ذلك ما نسمعه وما نقرأه ونشاهده عن ممارسات عدوِّنا الأول والأخير، اسرائيل، ومن سار على نهجها، ودار في فلكها المشحون بالغدر والعدوان وخراب الديار، فأقول:
أولاً: يبدو أننا معشر العرب نسينا أو تناسينا حقيقةً مذهلة، وهي أنه لا يكفي أن نكون أصحاب قضية عادلة فقط، ولو من منظورنا نحن، لكن لابد لنا من الاذعان لمنطق العصر، وهو أننا نواجه عدواً متعدَد المواهب، ذكيَّ الانتشار، قويَّ النفوذ، يعرف كيف يوظّف الكلمة، مقروءةً أو مسموعةً أو مرئيةً لخدمة أغراضه، فيحيل بها الليل نهاراً، والصيف شتاء، والهلال بدراً، يتعامل مع الحقائق باخلاقية تاجر السلع الرديئة في سوق الاستهلاك، يهمّه ان يكسب القضية بأي ثمن وبأي اسلوب، ولا يتورع في سبيل ذلك عن ارتكاب ابشع الأفعال والأقوال، ما ظهر منها وما بطن، وصولاً الى تلك النتيجة!
********
ثانياً: ان عدوَّنا يعرف عنّا الكثير، تاريخاً وجغرافيةً وتراثاً ولغةً، وأسلوبَ حياة، فماذا نعرف نحن عنه أكثر مما تجود به قصاصات صحفنا السيارة؟ ماذا يعرف عنه جيلنا الحاضر أكثر مما يعرف عن تحضير الأرواح، أو محاولات السطو على القمر والنجوم السابحات؟!
*******
ثالثاً: لست هنا من دعاة محاكاة العدو في أساليبه للتعبير عن قضيته، ولا أريد أن ارتكب إثم الغلو في رسم صور الاحباط الذي يعاني منه اعلامنا العربي، لكنني اعتقد مخلصاً ان بامكان هذا الاعلام ان يتسامى عن مرحلته الراهنة، وهي مرحلة تميزت حتى الآن بممارسة نجوى الذات، ومخاطبة الجموع التي لا يعوزها الايمان بالقضية!
********
فمثلاً:
نحتاج ان نتجاوز هذه المرحلة بالحديث مع «الآخر» ممن لا تشدّهم عروة الانتماء الى القضية، ولكن يعوزهم الفهم لأطرافها!
نحتاج الى بناء جسور مع هذا «الآخر» لكن بلغة يفقهها وأسلوب يميزه، فهماً وتقديراً!
لقد آن الأوان لنا أن نقلعَ عن عقدة الحديث مع الآخر بلغة لا يدرك اسرارها سوانا، ولا يفقه مضمونها إلا من جُبل عليها!
آن الأوان لنا أيها السادة السياسيون والاعلاميون في كل مكان، أن نخاطب الناس في شأن قضيتنا بما يمكنهم أن يعقلوه لا بما نريدهم نحن أن يفهموه، رغم انفسهم، وهم غير قادرين!
آن لنا أن نسلك توجهاً جاداً وجديداً وابداعياً في اعلامنا ان كنّا نبتغي لقضيتنا حضوراً تحترمه نواميس هذا العصر وضوابطه واعرافه!
|
|
|
|
|