| مقـالات
تحدّث الأستاذ الزعارير في الفصل الخامس من كتابه عن علاقات آل رشيد مع الدولة العثمانية وبريطانيا. وقد تتبّع علاقات آل رشيد بدءاً بمؤسس امارتهم عبدالله بن علي، وانتهاء بسعود بن عبدالعزيز بن متعب بالدولة العثمانية. وأوضح عمق العلاقات بين الطرفين وشمول ذلك علاقات آل رشيد بولاة مصر والحجاز والعراق، اضافة الى علاقاتهم الوطيدة مع حكومة العثمانيين المركزية، مبيّناً إظهارهم الخضوع والولاء لسلاطينها، وارسالهم هدايا لهم، وترتيب أولئك السلاطين مرتّبات لهم ولأفراد أسرهم، ثم إمدادهم بأسلحة وأموال ورجال في نزاعهم مع الملك عبدالعزيز آل سعود. وحديثه عن تلك العلاقات جيد في عمومه وان اشتمل على هنات يسيرة.
وفي حديثه عن علاقة جبل شمّر بالحجاز قال: «إن تلك العلاقة امتدت الى ما قبل عهد آل رشيد. وكان من مظاهرها مشاركة شمّر في أول غزوة للشريف غالب بن مساعد على نجد سنة 1205ه تحت زعامة مصلط بن مطلق الجرباء».
وهذا الكلام غير دقيق. فجبل شمّر، الذي كان أميره محمد بن عبدالمحسن بن علي، قد دخل تحت الحكم السعودي سنة 1201ه، ولم يشارك في غزو الشريف لنجد تلك السنة، بل كان مع القوات السعودية.
والذين اشتركوا مع ذلك الشريف فئات من بادية شمّر لا بادية شمّر كلها وكانت بقيادة مطلق الجرباء لا ابنه مسلط.
وقد ذكر الأستاذ الزعارير «ص 160»: «ان الأمير عبدالله بن رشيد لما أرسى قواعد امارته أصبح على درجة من القوة تمكّنه من الانفصال عن الرياض، وأنه قد شجعه على التفكير في ذلك الشريف محمد بن عون، لكنه توفي قبل أن يحقق شيئاً من ذلك. ففي الوقت الذي كان يمكنه تنفيذ ما يفكّر به كان الشريف محمد يغزو اقليم القصيم عام 1264ه». وقد وضع رقماً بعد ذكر غزو الشريف للقصيم أشار في الهامش الى أنه اعتمد فيه على سيد حراز.
ومن الثابت أن غزو الشريف للقصيم كان سنة 1263ه، لا 1264ه. وكل الدلائل التاريخية توضح أن الأمير عبدالله بن رشيد كان صديقاً مخلصاً للإمام فيصل بن تركي، والادّعاء بأنه كان يفكر بالانفصال عن الرياض ادعاء لا يوجد في المصادر الموثوقة ما يؤيده.ومن المحتمل أن الشريف قد كتب إليه يحثّه على الانفصال عن حكومة الإمام فيصل، لكن من الظلم اتهامه بما لا دليل على ثبوته. وبقاء ابنه طلال صديقاً مخلصاً للإمام فيصل دليل على عمق الصداقة بين القيادتين في حائل والرياض في تلك الفترة.
على أن بقية حديث الأستاذ عن علاقة آل رشيد بأشراف مكة جيد وواضح.
وقد جاء عرض الأستاذ الزعارير للعلاقات بين آل رشيد وبريطانيا جيداً وواضحاً أيضاً.
وفي تلك العلاقات ما هو غير مألوف لدى الكثيرين وان كان ثابتاً. ومن ذلك ما قاله «ص 172»:
«في مبادرة هي الأولى من نوعها على صعيد العلاقات بين آل رشيد والسلطات البريطانية قام عبدالعزيز الرشيد بالاتصال مع السلطات البريطانية في سنة 1319ه بعد غزو شيخ الكويت وابن سعود للقصيم.ومن الدوافع لهذه المبادرة من جانب ابن رشيد إعجابه بالامتيازات التي يتمتع بها شيخ الكويت، وتأخر الحكومة العثمانية عن إرسال المساعدات التي طلبها ابن رشيد عند غزو شيخ الكويت وابن سعود لبلاده. كما أتاحت رسالة السلطات البريطانية لابن رشيد التي تطلب تسوية الخلافات بين ابن رشيد وأمير الكويت إقامة علاقات ودية مع السلطات البريطانية.
ولكن قبل قيام هذه العلاقات اشترط ابن رشيد أن تقوم السلطات البريطانية بإمداده بالأسلحة والذخائر، وأن تعزل الشيخ مبارك «هكذا» عن الكويت، وتضع مكانه ابن شقيقه مقابل عدم تدخله في شؤون الكويت، وأن يقوم بضمان سلامة المنشآت البريطانية المتمثلة في الخط الحديدي عبر جزيرة العرب. وبالرغم من عدم قبول السلطات البريطانية لهذه الشروط فقد ظلت حريصة على الابقاء على الصلات الودية مع أمير حائل، واقترحت ارسال ضابط بريطاني الى العقبة للالتقاء بالأمير والتأكد بشكل خاص من آرائه وطبيعة شخصيته، كما حاولت الضغط على شيخ الكويت لمنع أي هجوم من قبله على نجد».
ولقد ناقش الدكتور محمد الثنيان بالتفصيل كل المسائل المتعلقة بطلب الأمير عبدالعزيز بن رشيد الحماية من بريطانيا في دراسة مستقلة.
وختم الأستاذ الزعارير «ص 178» حديثه عن العلاقة بين الدولة البريطانية وآل رشيد بذكر محاولة تلك الدولة التوسط بين آخر حكامهم، محمد بن طلال، وبين الملك عبدالعزيز. وكان الأمير محمد قد طلب منها ذلك. لكن الملك لم يقبل وساطتها. وقد وردت الى كوكس برقية من العراق تحذر من القتال الناشئ بين ابن رشيد وابن سعود، وما يقوم به ابن سعود من استعدادات حربية لمهاجمة حائل، وتشير إلى أنه إذا تمكن ابن سعود من الاستيلاء عليها فإن أطماع آل سعود تزداد ازدياداً يعرض حدود العراق إلى تجاوزات مستمرة منهم.وتحدّث الأستاذ الزعارير في الفصل السادس، وهو آخر فصل في الكتاب، عن سقوط إمارة آل رشيد. وحديثه عن بداية المواجهة بين الملك عبدالعزيز والأمير عبدالعزيز بن رشيد حتى معارك القصيم ضعيف بصفة عامة ومشتمل على بعض الأخطاء الواضحة والأمور غير الدقيقة.
لقد تحدّثت عن هذه المسألة في كتابي معارك الملك عبدالعزيز المشهورة لتوحيد البلاد «ص ص 60 61». وبيّنت ما رأيت أنه أقرب إلى الصواب، معتمداً على رواية المؤرخ إبراهيم بن محمد القاضي المعاصر لتلك الحادثة. ولعلّ من المناسب، هنا، إيراد هذه الرواية بنصّها المكتوب باللهجة العامية. قال القاضي «ص 9»: «ابن رشيد طال منزله في الباطن. ما تهيّأ له فرصة (أي لم تتهيّأ له فرصة لمهاجمة الكويت). ثم ورد عليه أمر ابن سعود أنه أخذ الرياض. واستلحق شمّر، وقال: هذا أمر ابن سعود، وهذا الذي هو سوّى. وش «ماذا» ترون؟ وإذا شمّر متعيفين من طول المناخ، ويخافون يسحبهم ابن رشيد لمّ (إلى) الجنوب. قالوا: هذا ضب وزا (دخل) في جحره ولاحقين عليه. انكف، وكلّ له كيلة غير هذي، وأمره يهون».
وما قاله المؤرخ القاضي المعاصر لتلك الحادثة أقرب إلى الصواب. على أنه من المحتمل أن ابن رشيد قال العبارة صدى لرغبة كبار قومه الذين قالوها ابتداء، لا اقتناعاً منه بانطباقها مع الواقع، أو عدم اهتمام منه بأمر الملك عبدالعزيز. فيؤخذ قوله لها على أنه محاولة إدخال اطمئنان الى نفوس عامة قومه فقط. ولعلّ مما يؤيّد ذلك أن ابن رشيد كان قد أدرك خطر الملك عبدالعزيز قبل أن ينتزع الرياض من إمارة آل رشيد، وحث السلطات العثمانية في الأحساء على مضايقة الذين انضموا إليه من القبائل حتى انفضوا من حوله.
شومما قاله الأستاذ الزعارير «ص 192»: «ان ابن سعود توجه بعد انتزاعه الرياض بنخبة من رجاله إلى الحوطة جنوبي نجد، وتمركز في إقليم الأفلاج بين قبائل الدواسر التي تنتمي إليها والدته، وراح من قاعدته هذه يشنّ سلسلة متواصلة من الغارات على القوافل الرشيدية». وأشار في الهامش إلى أنه اعتمد في هذا على الريحاني. وبالرجوع إلى الريحاني يتضح أنه لم يذكر ما عزاه الأستاذ الزعارير إليه.
|
|
|
|
|