أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 23rd July,2001 العدد:10525الطبعةالاولـي الأثنين 3 ,جمادى الاولى 1422

مقـالات

إضاءة
لا مفر ولا مناص (2)
شاكر سليمان شكوري
حين اعتذرت عن عدم الكتابة هذا الاسبوع والذي قبله، كانت محاولةمني للتقوقع داخل جدار الإجازة السنوية، على نحو ما يفعل البعض بقفل قنوات الاتصال مع العالم خارج جدار (الشرنقة) وخلود الواحد الى ذاته.. ربما ليريح ويستريح، غير أن موضوع علاقة الوالدين والأبناء في الاتجاهين يبدو أنه استهوى القراء الأعزاء، فقد تلقيت مهاتفة من شخص عزيز ومهاتفات أخرى من بعض القراء، يطالبني فيها الجميع بمتابعة الموضوع دون إبطاء، وما كان لي إلا أن البي شاكراً.
ها أنذا اعود والعود أحمد إليك عزيزي القارىء، وفي جعبتي حكايات من كتب التاريخ والسيرة تلقي مزيداً من الضوء والتمثيل لتلك العلاقة الخِلقية بين الوالدين والابناء.
وكلنا يعرف قضية المرأتين اللتين تخاصمتا على طفل بين يدي القاضي (الحكيم) كلتاهما تدعي بنوة الطفل وتقدم الحجج، فلما أعياه الفصل فكر في حيلة يكتشف بها الأم الحقيقية للطفل المتنازع عليه، قال الحكيم: إذن فلترض كل منكما بنصف الطفل، وهَمَّ ينادي السياف ليشقه نصفين، فسكتت المدعية، بينما صرخت الأم الحقيقية تناشد القاضي ألا يفعل، وأن يعطي الطفل لغريمتها.. وهذه هي عاطفة الأم الحقيقية التي لم تكن لترضى أدنى الأذى لطفلها وإن كان الثمن فراقها لفلذة كبدها كي يسلم.
ومما تحكيه كتب السيرة أن رجلاً حضرته الوفاة، وكلما ردد المحيطون به الشهادة عليه، أبى لسانه أن ينطق بها، فذهب الصحابة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضون الأمر عليه، فسألهم عما إذا كان والدا الرجل أو احدهما على قيد الحياة، فأفادوا بأن أمه لم تزل، فاستدعاها صلى الله عليه وسلم، وسألها عما كان من ابنها في حياته معها، فشكت منه مر الشكوى، وسردت ما كان من عقوقه لها، ولما طلب منها صلوات الله وسلامه عليه ان تسامح ابنها أبت وأصرت على الإباء لشدة ما نالها منه من أذى، وهنا استثار المصطفى عاطفة الأمومة الدفينة في قلب المرأة، فهتف ببعض من عنده ان يجمعوا حطبا ليحرقوا هذا الابن العاق، جزاء نكالا على ما قدمت يداه في حق أمه، وهنا تحولت المرأة المتشددة الى رقة الأمومة العاطفة، حتى على العصاة من الابناء والعاقين، وراحت تستعطف الرسول الكريم ألا يفعل وتعلن انها قد سامحت ابنها، وما كادت تفعل حتى أنطقه الله الشهادة، ثم فاضت روحه الى بارئها.
والحكاية الثالثة لأم وقفت تبكي بين يدي ابنها وهو يعاني سكرات الموت، والابن يحاول أن يهدىء من روعها ظنا منه أنها تبكي لفراقه، ولكنها فاجأته بأنها إنما تبكي لانه على وشك لقاء ربه وهو خالي الوفاض من عمل صالح ينجيه من عذابه، فقال لها: إذا مت فوجهيني الى القبلة، وضعي قدمك على خدي وقولي: اللهم إني راضية عنه فارض عنه، وما لبثت في حديثها اسفا حتى فاضت روح الابن ففعلت ما أراده منها ان تفعل، فما ان اتموا دفنه حتى سمعت الأم هاتفاً من عل بصوت ابنها يقول لها: ابشري يا أماه فقد قدمت على كريم.
وبعد.. فكما أنه لا مفر ولا مناص من ان يبذل الوالدان كل الرعاية والعناية في تربية الأبناء، فإن على الأبناء أن يمتثلوا قول رسولنا صلوات الله وسلامه عليه «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة».

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved