| وَرّاق الجزيرة
لقد شاع في تراثنا ما يعرف بالمستدركات أو الذيول. وهذه المسميات وغيرها من المسميات ذات الصلة بهذا الموضوع تهدف إلى تتبع المؤلفين فيما وهموا أو غلطوا فيه أو تكميل عمل شرع فيه مؤلف سابق لموضوع ما ولم يكمله، أو أن مؤلفا وقف عن حد رآه مناسبا حسب طاقته وجهده، ويأتي مؤلف بعده فيزيد ويضيف أو يصحح ويعلق. وكما هو معلوم فالمعرفة تراكمية المنزع فيبدأ السابق بتأليف كتاب ما، ويأتي مؤلف بعده فيتمه أو يضيف أو يصحح أو غير ذلك، وكما قال حاجي خليفة في مقدمة كتابه كشف الظنون )وهذا هو قول ابن خلدون في مقدمته( من أن التأليف سبعة اضراب )1( إما شيء لم يسبق إليه فيخترعه، )2( أو شيء ناقص يتممه، )3( أو شيء مغلق يشرحه، )4( أو شيء طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه، )5( أو شيء متفرق يجمعه، )6( أو شيء مختلط يرتبه، )7( أو شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه، ولاشك أن المستدركات والذيول هي نوع من أنواع التأليف، ولقد شاع في التراث العربي هذا النوع من التأليف، وهناك مسميات أخرى مثل: التتمة، التكملة، الصلة، صلة الصلة، الفوات. ولكن الأشهر والأغلب استخداما هو الذيل.
ونحن في هذا المقال سنتطرق لنوع من الذيول خاص بنوعية من التأليف طبيعتها تقتضي عملية التذييل والمتابعة بشكل مستمر. هذا التأليف هو الضبط الوراقي )أو ما يعبر عنه بالببليوجرافيا، والتي تُعنى بوصف الكتب(. فمن المعلوم أن تأليف الكتب عملية مستمرة لا تقف عند حد أو زمن، وهذا مايقتضيه تطور العلم، وحاجة الناس للعلم بجميع صوره لا تنقطع. ولقد عرف تراثنا عملية الضبط الوراقي في هذا المجال، ولعل الراشد والمبدع في هذا المجال صاحب الفهرست ابن النديم )ت،438ه(. تلاه محاولات عدة منها ماهو شامل ومنها ماهو خاص بمؤلفات عالم معين، والمجال المتاح لهذا المقال لا يسمح لنا بتتبعها.
ومن أهم الأعمال الببليوجرافية في تراثنا هو كتاب حاجي خليفة )ت، 1067ه( كشف الظنون في أسامي الكتب والفنون. هذه الموسوعة الببليوجرافية التي رصدت لنا ما يقارب ثمانية عشر ألف عنوان من كتب التراث. وكتاب حاجي خليفة توقف في رصد الكتب عند تاريخ وفاة مؤلفه، علاوة على أنه فاته كثير من الكتب التي ألفت قبله. والفترة التي تلت وفاة مؤلف الكشف تعد من أحلك الفترات التي مرت بها أمتنا فيما يتعلق بتأليف الكتب ورصدها. حيث يؤرخ عدد ليس بالقليل أن فترة الانحطاط في الحضارة الإسلامية كانت بدايتها في القرن العاشر الهجري أو قبل ذلك بقليل. على أية حال، ما نحن بصدده هو الحاجة الماسة لرصد ما تم تأليفه من كتب بعد حاجي خليفة؛ لذا نجد أن بعض العلماء شمروا عن ساعد الجد، وحاولوا استكمال ما بدأه حاجي خليفة، ومن قبله ابن النديم. أقول شرع بعض العلماء خصوصا علماء الدولة العثمانية )التي ينتمي إليهاحاجي خليفة( بجمع ما فات حاجي خليفة والتذييل على كتابه الكشف. ولقد ذكر أبو المعالي المرعشي النجفي في مقدمة كشف الظنون أن هناك ذيولا على الكشف حاولت أن تستدرك على حاجي خليفة، ومن هذه الذيول مايلي:
1 التذكار الجامع للآثار للعلامة السيد حسين العباسي النبهاني الحلبي )ت، 1096ه(. اختصر كشف الظنون وزاد عليه مافات المؤلف، وما ألف بعده، ونسخته موجودة بتمامها في مكتبة «يكثي )وتعني الجديد( جامع» من جوامع استانبول.
2 ذيل كشف الظنون للعلامة محمد عزتي أفندي المشهور )بوشنة زاده( الاسلامبولي )ت، 1092ه(، ولايزال مسودة.
3 ذيل العلامة نوعي أفندي )ت، 1201ه(.
4 آثارتو للعلامة أحمد طاهر أفندي الشهير ب حنفي زاده )ت،1217ه( طبع في ليبزيج )ملحقا بآخر المجلد السادس من كشف الظنون( بعناية المستشرق فلوجل. وهذا الذيل به نحو من 5000 كتاب، مابين مؤلفات عربية وفارسية وتركية، ليست موجودة في كشف الظنون.
5 ذيل العلامة محمد أفندي الأرض رومي، والمسمى ب «عثمانلي مؤلفري» ذكر فيه تآليف علماء الدولة العثمانية.
6 ذيل العلامة عارف حكمت بك )ت، 1275ه( وصل فيه إلى حرف الجيم.
7 إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، للعلامة اسماعيل باشا بن محمد أمين أفندي بن سليم الباباني البغدادي، )ت، 1339ه( طبع عام 1346ه هذا الذيل يحوي قرابة 19000 كتاب.
8 ذيل اسماعيل صائب سنجر، لم يتمه، )ولا تزال نسخة هذا الذيل مخطوطة(.
وذكر شعبان خليفة في كتابه الببليوجرافيا أو علم الكتاب )ص.233( أن هناك كتابان آخران، البعض يعدهما من ذيول كشف الظنون، والبعض الآخر يرى غير ذلك. هذان الكتابان هما:
9 الكتاب الأول: لعربة جيار شيخ ابراهيم أفندي )ت، 1179 ه(، حيث عد الأستاذ ابراهيم الإبياري هذا الكتاب ذيلا لكشف الظنون )تراث الإنسانية 3:412(، بينما الدكتور شعبان خليفة يرى أن هذا الكتاب ليس ذيلا على الكشف، وإنما هو عمل مستقل.
10 أما الكتاب الآخر فهو كتاب أسماء الكتب لمؤلفه عبداللطيف بن محمد والشهير برياضى زاده الرومي الحنفي )ت، 1078ه( حيث ذكر محقق الكتاب محمد التونجي أن هذا الكتاب ليس ذيلا على الكشف، لأن مؤلفه معاصر لحاجي خليفة بل يذهب أبعد من ذلك فيذكر «أن رياضى زاده ألف كتابه هذا قبل أن يؤلف حاجي خليفه كتابه كشف الظنون، وأن الأول ألفه بهمة دون همة الثاني، الذي اعتمد على من سبقه وشذَّب وهذَّب غير أنه لم يذكر أن أستاذه في هذا المضمار هو رياضى زاده. بل أنه لم يشر إلى مؤلفه من بين المؤلفات التي ذكرها» )ص3(. والعجيب أن عنوان الكتاب الذي صدر عن مكتبة الخانجي وبتحقيق محمد التونجي ورد بهذه الصورة «أسماء الكتب المتمم لكشف الظنون»، فهل هذه الإضافة «المتمم لكشف الظنون» من الناشر أم أنها من المحقق أم أنها من المؤلف رياضى زاده؟!! على أية حال وكما قال الدكتور شعبان خليفة فالأمر يحتاج إلى وقفة ببليوجرافية متأنية لفض هذا الاشتباك.
11 ووجدت ذيلا آخر، هو الذيل الذي صنعه جميل بن مصطفى بك العظم )ت، 132ه( بعنوان «الإسفار عن العلوم والأسفار» في مجلدين كبيرين نشره في مجلة البصائر ثم توقف بتوقف المجلة. ذكر هذا الذيل محقق كتاب الصُبابات فيما وجدته على ظهور الكتب من الكتابات للعظم بتحقيق رمزي سعد الدين دمشقية.
هذه هي الذيول المعروفة لكشف الظنون، حتى كتابة هذا المقال، وقد يكون هناك غيرها، فالله أعلم بذلك. المهم أن أغلب هذه الذيول لم تر النور حسب علمي، فقد بحثت في المكتبات التجارية والعامة، علاوة على البحث في شبكة الانترنت خصوصا المواقع العربية الخاصة ببيع الكتب فلم أجد ذكرا لهذه الذيول )أقصد التي لم تطبع بعد(. هذا ما توصلت إليه من بحث هذه المسألة، وذلك حسب جهدي وطاقتي، ومن لديه معلومات غير ما ذكرناه آنفا، فلعله يفيدنا ويفيد القراء الكرام عبر صفحة وراق الجزيرة. وأما طبعات كشف الظنون، فلقد طبع عدة طبعات منها الجيد، ومنها دون ذلك، ولا تكاد تخلو طبعة من طبعات كشف الظنون من الأخطاء والتصحيفات، فمن طبعاته ما يلي:
1 أول طبعة لكشف الظنون كانت على يد المستشرق فلوجل، وذلك في الفترة ما بين عام 1251 ه و 1274ه هذه الطبعة صدرت في ليبزيج، وبلغتين: اللاتينية والعربية، وصدر في سبع مجلدات. وكما ذكرنا سابقا، ففي آخر المجلد السادس ألحق فلوجل الذيل الذي قام بتأليفه أحمد طاهر الشهير بحنفي زاده، والمسمى ب آثارنو. وأما المجلد السابع فهو عبارة عن فهرس بأسماء المؤلفين، ويحوي هذا المجلد عددا من قوائم المكتبات التي كانت موجودة في عصر المستشرق فلوجل بدمشق والقاهرة وحلب والآستانة )استانبول( ورودس.
2 طبعة بولاق عام 1274ه، وهو العام الذي أنهى المستشرق فلوجل فيه طبعته السالفة الذكر.
3 طبعة استانبول عام 1313ه، وهي الطبعة الثالثة للكتاب )نفس طبعة بولاق السابقة(.
4 وفي عام 1320ه أعيد طباعة الكتاب مرة أخرى وفي نفس المكان استانبول.
5 وفي الفترة مابين 1360ه 1362ه طبع الكتاب في استانبول )الطبعة الرابعة(، ومعه إيضاح المكنون وهدية العارفين لاسماعيل البغدادي بعناية محمد شرف الدين يالتقايا.
6 واعاد طباعة الكتاب مكتبة المثنى ببغداد في ستة مجلدات )المجلد الأول والثاني خاص بكشف الظنون، والمجلد الثالث والرابع خاص بإيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، وأما المجلد الخامس والسادس فهما خاصان بهدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين من كشف الظنون(، وهذه الطبعة هي المتداولة في الأسواق الآن.
ولقد ذكر صاحب تكملة معجم المؤلفين محمد خير رمضان يوسف أن من ضمن أعمال أحمد عبدالغفور عطار تحقيق كشف الظنون، وذكر أنه معد للطبع )تكملة معجم المؤلفين، 1418 ه، ص 50( وحتى الآن لم تظهر هذه الطبعة. وآمل من القائمين على مؤلفات أحمد عبدالغفور عطار رحمه الله إخراج هذا التحقيق بأسرع وقت؛ وذلك لحاجة الباحثين لمثل هذا العمل. فإن لم يكن هناك عمل كامل لكشف الظنون )أقصد تحقيقا كاملا قام به أحمد عبدالغفور عطار، وليس مجرد تصحيح واستدراك(، فإن الكتاب لايزال بحاجة ماسة لتحقيق جديد يتناسب مع قيمة هذا الكتاب، ويصحح كثيرا من الأخطاء التي وقع فيها صاحب الكشف. ولعله من المفيد عندما يحقق كشف الظنون أن تتم الإشارة إلى الكتب التي حققت وطبعت، وهذا فيه خدمة للباحثين في عدم تكرار تحقيق كتاب ما ذكره حاجي خليفة وهو في واقع الأمر قد حقق وطبع.
ومن آخر النسخ لكتاب كشف الظنون ظهوراً هي النسخة الالكترونية، حيث أصدرت عدد من شركات الحاسب الآلي نسخا الكترونية لكشف الظنون. وهذه النسخ عبارة عن إعادة تخزين للنسخ المطبوعة بشكل الكتروني )رقمي(، وليس هناك إضافات أو تعديلات.
وقبل أن أختم أود أن أقف وقفة قصيرة بخصوص ذيول كشف الظنون، أقول هذه الذيول مهمة جدا لأنها، كما ذكرت سابقا، رصدت لفترة مهمة من تاريخنا، فقد نعثر في هذه الذيول على كتب تجلي لنا بعض الغموض الذي يكتنف تلك الفترة الزمنية )منذ القرن العاشر الهجري وحتى بداية القرن الرابع عشر(. وآمل أن يقيض الله لهذه الذيول من يقوم على تحقيقها ونشرها بين الناس ليستفيد منها الباحثون وغيرهم ممن يهمه شأن تلك الفترة ومؤلفات تلك الفترة، والله الموفق.
د. مساعد بن صالح الطيار:
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
musaidtayyar@hotmail. com
|
|
|
|
|