| وَرّاق الجزيرة
في الطريق الذي يخترق الحمادّة متجهاً إلى بلدة الحريق شرقا وقبل الولوج مع الثنية المؤدية للبلدة المذكورة بمسافة قليلة ترى على اليمين والشمال بعض القصور القديمة المتناثرة يوجد بجانب كل قصر بئر خاصة به كانت هذه القصور قديماً تستغل في زراعة الحبوب. والعادة أن هذه القصور تنسب للبلدة القريبة منها فهذه القصور تسمى قصور الحريق، ويوجد قصور خاصة ببلدة القصب وأخرى تخص بلدة شقراء وأثينية وثرمداء ومرات وبلدان أخرى كثيرة.
بلدة الحريق)1( بتشديد الياء تصغير حريق وهي النار المنتشرة بكثرة تلك البلدة الحالمة بين جنبات جبل طويق يخترقها واد تنحدر سيوله من هذا الجبل. لهذه البلدة مشاركة واضحة في بعض الأحداث التاريخية منذ القدم حسب ما رصدته لنا كتب التاريخ)2( ولم أقف على نص صريح يفيدنا عن تاريخ نشأتها حسب اطلاعي القاصر.
قال الشيخ محمد بن بليهد: )الحريق قرية من قرى الوشم ولكنها منعزلة عنه موقعها في سفح جبل اليمامة ويقع عنها غربا جبل المتينة والهضبة التي يقال لها الفريدة في طرف جبل المتينة الجنوبي منقطعة منه()4(.
وقد ذكرها البريطاني ج.ج.لوريمر بقوله: )الحريق: على بعد حوالي 20 ميلا شمال شرقي شقراء، المنازل والسكان: 40 منزلاً لبني تميم، الملاحظات: قرية فقيرة بها قليل من النخيل وقليل من زراعة القمح()5(.
هذه المعلومات التي سجلها لوريمر في حدود سنة 1900م يعتريها شيء من عدم الدقة خاصة في وصفه لها بأنها قرية فقيرة، فقد حدثني والدي بسام بن عبدالله البسيمي بان البستان المسمى بالعشرية في أشيقر كان سابقا في ملك الأمير محمد بن ابراهيم بن نشوان، عندما أراد أن يغرسه بالنخيل أتى بفسائل النخيل من بلدة الحريق كل فسيلتين على جمل، وغرسه هذا سابق للفترة التي كتب فيها لوريمر تقريره بقليل، علماً أن البستان المذكور يعد من البساتين الكبار في بلدة أشيقر يوجد فيه عشرات النخيل. فهذا ينافي وصف لوريمر للحريق بأنها قرية فقيرة بها قليل من النخيل. إذ لو كانت كذلك لما استطاع أحد أن يأخذ منها عشرات الفسائل ومن ثم نقلها إلى أماكن بعيدة وهذا لايعني كذلك قلة فسائل النخيل في أشيقر وإنما نقلها الأمير ابن نشوان من بستان له هناك.
وقد ذكر الشيخ المؤرخ ابراهيم بن صالح بن عيسى في إحصائية عملها سنة 1320ه عن بلدان نجد ان عدد الرجال في بلدة الحريق مئة رجل)6( يقصد القادرين على حمل السلاح ومواجهة الحروب وكان قد ذكر في أحداث سنة 1292ه ان ابراهيم بن نشوان سطا في بلدة أشيقر ومعه نحو ثمانين رجلاً من أهل الحريّق.
وقد ذكر الشيخ محمود شكري الألوسي )ت1342ه( في إحصائية عن البلدان النجدية ان في الحريق مئتي بيت ونخيل وزراعات كثيرة)7(.
وبلدة الحريق تزخر كغيرها من البلدان بآثارها القديمة التي منها قصر آل بريد بن مشرف وقصر ابن يوسف وقصر الجزيع وكذلك الجبل المعروف باسم أبا الرحي حيث يوجد فيه مقص للرحي جمع رحى تلك الحجارة التي تستخدم قديما في طحن الحبوب فكانت بلدة الحريق تزود منطقة الوشم وغيرها بالرحي لقوة حجارتها وشدة تحملها.
ولأهل هذه البلدة صلات مع غيرهم من سكان البلدان الأخرى سواء كانت هذه الصلات لأهداف تجارية أو علمية أو أسرية.
فمن تلك العلاقات علاقة قديمة بين هذه البلدة وبلدة أشيقر إذ كثير من سكان بلدة الحريق ترجع أصولهم إلى بلدة أشيقر وبالأخص فخذ المشارفة )8( وهناك تنقلات أسرية فيما بين البلدتين أكتفي بإيراد مثل واحد فأسرة آل نشوان )9( كان بعض أفرادها يقيمون في بلدة أشيقر ثم انتقلوا منذ حوالي مئة سنة مع باقي أفراد أسرتهم الذين يقيمون في بلدة الحريق. وقد برز من هذه الأسرة الكريمة عدد من الأعلام منهم في بلدة الحريق الشيخ عبدالرحمن بن عمر بن نشوان )ت 1337ه( الذي وقف مجموعة كبيرة من الكتب)10( في بلدان متعددة مما يدل على ولعه بطلب العلم وحب نشره بين الناس.
ويوجد لبلدة الحريق بعض الوثائق كتبها علماء أشيقر، ومن أقدم ما وقفت عليه ما جاء في إحداها: )الحمد لله يعلم الواقف على ذلك بأن وقف محمد بن عيسى وهو البطيحا شرقي باطن الحريق مشهورة والوثيقة بخط الشيخ حسن أبا حسين)11( مثبتاً للوقف المذكور وصفة الوقف المذكور ان محمد بن عيسى وقف البطيحا المذكورة على عياله فليكن معلوما بأن هذا ترتيب جملة يكون على البطن الأعلى لايستحق من أنزل منه شيء في ذلك الوقف حتى ينقرض من أعلى منه قولا واحدا عند أهل العلم والوقف المذكور ثابت لازم قال ذلك كاتبه ابراهيم بن اسماعيل)12( الحمد لله إذا كان العقار المذكور قد وقفه محمد بن عيسى على عياله أو على أولاده فهذا وقف صحيح وهو ترتيب جملة لايستحق البطن الثاني مع وجود الأول شيء ولو ما بقي من البطن الأول إلا بنت واحدة استحقت الوقف كله والله سبحانه وتعالى اعلم قاله كاتبه عبدالرحمن )13( ابن محمد بن ربيعة العوسجي الحنبلي( )14(.
وقد تولى إمامة المسجد الجامع في بلدة الحريق أحد علماء أشيقر الشيخ عبدالله بن محمد بن فنتوخ )ت1339ه( لمدة سنتين وذلك قبل أن ينتقل إماما لجامع بلدة القصب)15(. وقد يكون أحد قبله من أفراد أسرته إماماً في بلدة الحريق، فقد اطلعت على وثيقة مضمونها شهادة في بلدة الحريق كتبها عبدالمحسن بن عبدالله بن فنتوخ عم عبدالله المتقدم ذكره ويوجد كذلك كتاب بخطه سوف يأتي ذكره. ومن العلاقة بين البلدتين انه يوجد في بلدة أشيقر أوقاف قديمة أوقفت على مصالح خيرية في بلدة الحريق. ووجد في الماضي عدد من المعاملات التجارية بين سكان البلدتين من بيع ومداينات وغير ذلك. هذا باختصار ما أردت أن أقوله عن هذه العلاقة مع أنه شابها شيء من عدم الاستقرار في اخر القرن الثالث عشر ومطلع القرن الرابع عشر الهجريين ولكن سرعان ماعادت الأمور إلى نصابها.
وقد وجد في بلدة الحريق عدد من كتاب الوثائق لايمكن حصرهم في مقال كهذا ولكن حسبي ان أذكر بعضهم ممن وقفت على خط له أو سمعت خبرا عنه فمنهم:
1 عبدالله الحميزي من آل كثير من بني لام من طيء من قحطان: قد يكون المذكور أقدم من عرف من أسرة الحميزي بالكتابة وقد عاش حياته في النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري ومن المرجح ان ابنه محمد درس عليه.
2 الشيخ محمد بن عبدالله الحميزي: ابن الذي قبله، يبدو انه رحل في طلب العلم إلى شقراء إذ كانت في أوج عزها العلمي بتواجد عدد غير قليل من المشايخ وطلبة العلم فيها. تولى المترجم إمامة المسجد الجامع بالحريق، وكان يكتب مايحتاجه أهالي الحريق وغيرهم من وثائق البيع والمداينات والوصايا والوقفيات والمراسلات والشهادات وغيرها. وكتاباته تدل على علمه بالفقه وأحكام الشريعة وأسلوبه في كتابة الوثائق أسلوب راق قل من يجيده. وقد اطلعت على عدد غير قليل من الوثائق بخطه وخطه حسن مقروء وموثوق به لذلك يعتمده القضاة والكتاب الآخرون وقد نسخ بخطه بعض الكتب منها كتاب: )تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي()16( لابن الجوزي انتهى من نسخه في يوم السبت 11/6/1299ه ويوجد له تملكات على بعض الكتب منها تملك بخطه على : )ثلاثة الأصول وآداب المشي إلى الصلاة()17( لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب. والمترجم معروف بالأمانة لذلك يوكله القضاة على قضاء ديون المتوفين والاشراف على بيع التركات فقد وجه له قال بلدان الوشم الشيخ علي بن عيسى خطابا مؤرخا سنة 1311ه وكله فيه على بيع عقار أحد المتوفين ومن ثم قضاء دينه. وله جهود في تعليم أبناء البلدة وقد برز من تلاميذه ابنه عبدالعزيز.
وأنقل هنا نص الوثيقة المرفقة بخطه لتضمنها عدداً من الفوائد منها أنها ذكرت بعض أشجار الفاكهة التي كانت موجودة في منطقة نجد في تلك الفترة وكذلك شجر القطن:
)بسم الله والحمد لله الموجب لتحريره هو أن ابراهيم بن محمد بن نشوان في حال ولايته على نصيبه من تركة والده ووكالته على أختيه نورة وخديجة وكذلك ناصر ابن محمد بن نشوان بعد بلوغه ورشده وولايته على نصيبه من التركة وكذلك زوجة محمد بن نشوان، بعد ولايتها على نصيبها من زوجها وابنائها عبدالعزيز وصالح أجر وأحمد بن عبداللطيف وأولاده ملكهم المسمى بالعشرية في جو أشيقر مدة خمس عشرة سنة بربع الملك المذكور نخلة وأثله فان خرجوا قبل تمام مدة الإجارة الخمس عشرة سنة المذكورة فليس لهم في النخل ولا في آلأثل شيء ولهم ربع الأثل الذي فيها من اليوم إلا أن خرجوا قبل تمام المدة فليس منه شيء وأما الأرض فليس لهم فيها شيء وعلى أنهم ماغرسوا فيها من النخل فليس لهم فيه الاربعه يعني نصف حق العامل ويقلعون منها ويغرسون فيها وأما ماغرسوا فيها من شجر الفاكهة من رمان أو خوخ أو تين أو اترنج أو عنب فلهم نصفه يعني كل حق العامل وماغرسوا فيها من قطن فلهم أيضا نصفه وأما الأثل الذي يضر بالنخل فهو يقطع في الحال وأما مدة الإجارة فهي من سنة 1312 منها عشر سنين بالخمس مساقاة أربعة أخماس للعامل وخمس لأهل الأصل وعشر السنين الباقية بالربع ثلاثة أرباع للعامل وربع لأهل الأصل والربع المذكور لآل عبداللطيف إجارة لهم ريع في مدة العشر المذكورة فإذا تمت عشر السنوات المذكورة فكل يفتصل في نصيبه وما زرعوا خارج سور العشرية فهو بالعشير لأهل الأرض إلى إتمام مدة الخمس عشرة سنة المذكورة وأما ما زرعوا فيما أدخله السور فليس عليهم فيه كرى إلى أن تنقضي مدة الإجارة المذكورة ومن طرف الحلوة أضحية عثمان المعروفة على الجابية القبلية فهي مسقمة هي وبناتها ولاشملتها الإجارة فليس للمستأجر فيها ولا في بناتها شيء وأما المبنى عليهم في مدة خمس السنين الأوليات والعشر الباقيات فالمبنى بناء السور على حسب الملك عليهم ربعه وعلى أهل الأصل ثلاثة أرباعه وما احتاجه مسيلها من حصى لطوي فهو في مدة الخمس عشرة سنة المذكورة انصافاً على المستأجر نصفه وعلى أهل الأرض نصفه ومن بعد الخمس عشرة سنة المذكورة فهو على حسب الملك على المستأجر ربعه وعلى أهل الأصل ثلاثة أرباع وأما جميع أشغال الملك المذكور من قشيع أرض وتقطيع مقاري وتخصيل أثل وغير ذلك من الأشغال فهي على المستأجر وحده هذا صفة ما جرى بينهم وتراضوا عليه شهد على ذلك عبدالكريم بن محمد بن حمد وهو من توسط في ذلك وشرط تلك الشروط المذكورة وابراهيم بن صالح بن عيسى ومحمد بن عثمان بن ابراهيم وشهد به وكتبه الفقير إلى الله تعالى محمد بن عبدالله الحميزي وذلك محرر في غرة راسنة)18( 1312 وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم(.
الهوامش:
)1( هي إحدى بلدان منطقة الوشم يوجد من يخلط بينها وبين مدينة الحَرِيق الواقعة في وادي نعام في ناحية الجنوب عند حوطة بني تميم.
)2( من ذلك في أحداث سنة 1105ه حيث قتل سلامة بن ناصر بن بريد أولاد ابن يوسف ابن مشرق في الحريق )تاريخ بعض الحوادث:76( ورأيت في مخطوطة: )ديوان ضبط أوقات أشيقر: 45( وثيقة مضمونها شهادة عن وقف أوقفه سلامة بن بريد كتب الشهادة الشيخ ابراهيم بن محمد بن اسماعيل )ت 1185ه( وأشارت الوثيقة إلى أن زوجة سلامة بن بريد شايعة بنت ابن يوسف.
)3( وقد استنتج الدكتور عويضة الجهني بعد دراسته للأحداث )ظهور عدد من القرى والبلدان الجديدة في نجد خلال الفترة من القرن التاسع إلى القرن الثاني عشر الهجري وقد ظهرت تلك القرى والبلدان على أنقاض بعض البلدان القديمة أو بالقرب من تلك الأنقاض أو في أماكن لم تشهد استيطانا سابقا( وعد من تلك البلدان بلدة الحريق )تاريخ ابن يوسف: 19 ، 20( وانظر كذلك ص: )26 ، 27(.
)4( )ما تقارب سماعه وتباينت أمكنته وباعه: 94( الصحيح ان جبل المتينة يقع جنوبا عن بلدة الحريق على يمين الداخل مع الثنية.
)5( دليل الخليج القسم الجغرافي :7/2561(.
)6( مخطوطة: )مجموع ابن عيسى: 291(.
)7( مجلة )العرب( رمضان وشوال 1395ه ص: )293(.
)8( ذكر بعض هذه الأسر ابن عيسى في : )تاريخ بعض الحوادث: 223( كما أنه يوجد عدد من الأسر الكريمة من قبائل متعددة تقطن في هذه البلدة.
)9( تولى الإمارة في بلدة أشيقر من أسرة آل نشوان ثلاثة أمراء هم: محمد بن علي بن نشوان ومحمد بن ابراهيم بن نشوان )ت 1300ه( ثم من بعده ابنه ابراهيم.
)10( انظر نص وصيته في كتابنا: )العلماء والكتاب في أشيقر: 1/87(.
)11( هو الشيخ حسن بن عبدالله أبا حسين )ت1123ه(.
)12( هو الشيخ ابراهيم بن محمد بن سماعيل الذي تولى قضاء بلد القرائن )ت1185ه(.
)13( علق الشيخ عبدالعزيز بن عامر في الهامش بقوله: )عبدالرحمن هذا هو ولد الشيخ محمد بن ربيعة العوسجي( قلت: الشيخ محمد بن ربيعة )ت1158ه( مؤرخ له تاريخ مطبوع متداول.
)14( نقلا عن مجموع فتاوى العلماء نجد مخطوطاً بخط الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن عامر إمام جامع أشيقر )ت1356ه(.
)15( )العلماء والكتاب في أشيقر: 2/260(.
)16( كان هذا الكتاب سابقا ضمن مخطوطات مكتبة شقراء العامة إلا أنه نقل مع باقي المخطوطات مؤخرا إلى مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض والنسخة المذكورة ناقصة من الأول والموجود منها )143( ورقة.
)17( هذه النسخة بخط عبدالمحسن بن عبدالله بن فنتوخ فرغ من نسخها في يوم الخميس 14/8/1276ه.
)18( المقصود شهر ربيع الأول.
للتواصل: الوشم أشيقر 11961 ص.ب: 6075
|
|
|
|
|