| الفنيــة
* القاهرة عثمان أنور:
للفنان الكبير أحمد زكي ميزة قلما تتوفر لكثيرين وهي قدرته البارعة في تجسيد وتقمص الشخصية التي يقدمها وتظل الشخصية مرتبطة به رغم انتهاء التصوير وعرض الفيلم هكذا وجدنا أن أحمد زكي ما يزال متقمصاً لشخصية الرئيس السادات التي قدمها في فيلمه أيام السادات، ففي حوارنا معه فوجئنا به يتحدث إلينا أحياناً بلهجة الرئيس، وأحياناً أخرى كان يرد بانفعال على ايه انتقادات توجه له.
وعلى طريقة الرئيس السادات في حنكته ودهائه السياسي وخروجه من المواقف كانت اجابات أحمد زكي في هذاا لحوار الذي تحدث فيه عن فيلمه أيام السادات وكيفية الإعداد له والرد على الانتقادات التي وجهت له كذلك مشروعه الفني الضخم الذي يقوم علي فكرة تقديم الزعماء والرؤساء والملوك العرب على الشاشة.. وفي مقدمتهم الملك عبدالعزيز.
ما قبل السادات
* متى قررت تقديم السادات في فيلم من انتاجك؟
يعود قراري لتقديم فيلم عن السادات قبل تقديمي لفيلم «ناصر 56» حيث كنت في ذلك الوقت في جولة خارجية وزرت جامعة مونبلييه بفرنسا ووجدت أنهم قاموا بتحويلها إلى متحف وأنشأوا جامعة جديدة وقابلت طلاباً من المغرب وبعض الدول العربية وفور رؤيتي قالوا «طه حسين» وتحدثت معهم فعرفت أن وراء التحاقهم بجامعة مونبلييه مسلسل «طه حسين» الذي عرض قبل أكثر من 19 عاما ً حينها أدركت مدى تأثير تاريخنا علينا فبزغت في ذهني فكرة تقديم تاريخنا وخاصة الجوانب الايجابية فيه من خلال مشروع فني ضخم يشارك فيه كافة الفنانين لتقديم الشخصيات التي أثرت في تاريخنا مثل سعد زغلول، وعبدالعناصر والسادات ومبارك .
وليس شرطاً أن أقدم كل هذه الشخصيات وحدي وبالفعل عرضت هذه الفكرة على بعض الأصدقاء فاقتنعوا بها ومن ثم جاء فيلم «ناصر 56» الذي أبدع فيه الكاتب محفوظ عبدالرحمن ولقي نجاحاً كبيراً وترك صدى واسعاً، وحدث أن زرت المعهد العربي بباريس وقابلت أحد الفرنسيين هناك وكان شاهد الفيلم وقال لي «لم يكن لفرنسا أي دور في حرب 56 فلماذا تورطنا .
وقال يجب أن أعود للبحث في هذه النقاط من جديد! وهذا مازاد من اقتناعي بمشروعي الفني عن ضرورة تقديم الايجابيات في تاريخنا وفي هذه الأثناء كنت أبحث عن تفاصيل وأشياء تخص فيلم «السادات» وشاهدت فيلما قدمه يهودي أمريكي وحصلت على نسخة منه وذهبت بها.
إلى شركة أنيس عبيد لترجمتها ففوجئت أن الفيلم يحمل كماً كبيراً من المغالطات فقد تم تصويره في تونس واظهارها على أنها مصر، وطوال مشاهدتي للفيلم شعرت باستفزاز شديد فتحمست لفيلمي «أيام السادات».
قصة الترشيح
* ولكن قيل أن الرئيس السادات نفسه هو أول من رشحكم لفيلم عنه في حياته؟
حدث هذا فعلاً وكان من المفروض أن يتم لقاء بيني وبينه للاتفاق على الفيلم ولكن حال حادث المنصة دون اتمام هذا اللقاء
وكتب عدد من النقاد حول هذا تحت عنوان لقاء لم يتم، أما قصة هذا الترشيح كما عرفتها أن عدداً من المخرجين والنقاد قد زاروا السادات وقدموا له أسماء بعض الفنانين للترشيح للدور ولكنه قال لهم أريد الولد الذي قدم «طه حسين».
بعد ذلك جاءني المخرج يحي العلمي وأبلغني بهذا الترشيح غير أن اللقاء لم يتم فتأجل الفيلم حتى الآن.
اختلاف في الرؤى!
* قبل عرض الفيلم دعوت النقاد والصحفيين بأن يتركوا أفكارهم المسبقة خارجاً وأن يروا الفيلم بمنظار فني وليس سياسي، هل كنت تستشعر الضجة التي أحدثها الفيلم؟
لم استشعر ضجة ولكن كنت أشعر بوجود اختلافات في الرؤى وأنه سيتم خلط بين السياسة والفن، واعترف أنه قد حدث هذا بالفعل وفي هذا السياق أود القول أنه لا يجب تغليب رؤيتنا عن المواقف السياسية وانحيازنا لموقف دون آخر على الفيلم لأنني لم أقدم الفيلم لطرح وجهة نظري ولا تقديم السلبيات والايجابيات في عهد الرئيس السادات ولكن تقديم القرارات نفسها وصاحب القرارات نفسه وليس وجهة النظر فيها ويؤكد ذلك اعتمادي على كتابه البحث عن الذات وليس عن كتب أخرى تخالفه الرأي.
فالفيلم ببساطة هو مسيرة حياة لصانع القرارات التي تركت تأثيراً كبيراً علينا وليس مناقشة هذه القرارات أو ابداء الرأي فيها.
الصورة السلبية
* ولكن رغم كل ما تقوله فإن البعض يرى أن الفيلم جاء لتحسين صورة السادات، كما أنه لم يقدم شيئاً مفيداً؟
يرد أحمد زكي بانفعال.. هذه الرؤية خاطئة تماماً فأنا «ابن ثورة يوليو» وأعشق عبدالناصر وأضعه في مكانه والدي وأرى أن عبدالناصر زعيم وطني وكذلك السادات ومبارك فكلهم وطنيون عملوا لصالح بلادهم وهدفي من تقديم فيلم عن السادات هو الاجابة على سؤال ملح أعتقد أنه مازال يتردد حتى الآن سواء بين مؤيدي السادات أو معارضيه هذا السؤال هو كيف كان يفكر هذا الرجل وماذا كان يدور في رأسه .
وأؤكد هنا على ضرورة التعرف عن قرب عن طبيعة وتفكير أي شخص من خلال ظروفه وبيئته وأفكاره ومبادئه وسوابقه وتصرفاته، وغيرها من هذه الأمور والحقيقة فإن شخصية السادات مثيرة ومليئة بالدراما تفتح شهية أي فنان كي يجسدها وأنا كمواطن عادي بسيط لا علاقة له بالسياسة من قريب أو بعيد وصلتني من السادات أشياء كثيرة عظيمة وايجابية مثل نصر أكتوبر العظيم خاصة ما سبقه من الخداع الاستراتيجي وكنت أريد التعرف عن قرب على الظروف التي كانت محيطه به آنذاك وساعدت هذا الرجل على اتخاذ قرار العبور والخداع الاستراتيجي وكنت أريد التعرف على كيف توصل إلى خيار السلام.
* ولماذا لم تود التعرف بعمق على دوافع قرارات سبتمبر وحملة الاعتقالات الشهيرة وقرارات يناير وانتفاضة الخبز في مقابل ما ذكرت سابقاً؟
هذه القرارات سألت عنها جيهان السادات ففوجئت أنها مثلي مندهشة من اتخاذ الرئيس لهذه القرارات ومع ذلك وافقت على تقديمها، فقلت لها ألا يغضبك هذا فقالت: إذا لم تقدمها لن يكون هناك فيلم، وكما قلت سابقاً أنا في فيلم عبدالناصر والسادات أقدم ايجابيات التاريخ وأحرص على تعريف الأجيال أن كلهم وطنيون عملوا لصالح بلادهم، كما أنت لست محللاً سياسياً رغم أنني استمعت لكثير من التحليلات أغلبها كان غامضاً بالنسبة لي وأنا بالاحساس لست سياسياً ولكن فنانا وقبل أن أكون فناناً فأنا مواطن عادي يريد أن يعرف فقط من أجل المعرفة .
والفنان الجيد يستطيع أن يجسد الشخصيات التي تعرض عليه وهو بذلك يعبر عن الوطن من خلال شخوصه، وعندما نختار أن نقدم شخصية معينة فنحن نرى ضرورة تقديم سلبيات وايجابيات هذه الشخصية وانعكاسها ومواقفها وأفعالها على المجتمع وكل هذا الكلام ينطبق على الشخصيات المجتمعية، ولكنني كفنان انتقلت حالياً إلى مرحلة تجسيد أصحاب القرار ودوافع اتخاذها وليس لابداء الرأي فيها ومعارضتها، معارضة القرارات وكشف عيوبها وسلبياتها ثم تقديمها عبر أفلام عديدة، ففي فيلمي «زوجة رجل مهم» قدمت قرارات 17،18 يناير وارتفاع الأسعار وقدمت السينما أفلاماً عن اعتقالات سبتمبر في «موعد على العشاء» و«عيون لا تنام» كذلك قدمت أفلاماً عن نكسة 67 وانتصارات أكتوبر.
* ولكن شخصية السادات مليئة بالدراما فلماذا اقتصرت على تقديم المواقف والقرارات؟
أؤكد مرة ثانية أنني اقتربت من حياة السادات ايماناً بضرورة سماع السادات قبل الحكم عليه والتعرف على القرارات التي اتخذها وليست مناقشتها تفصيلاً.
* يرى البعض أن تجسيدك لشخصية السادات جاء مسطحاً وأقرب إلى الشكل الكاريكاتوري؟
يرد بانفعال مرة أخرى» .. من لم يعجبه أدائي فليأت هو ويقوم بتجسيد الشخصية.
تناقض
* سبق وأن قدمت شخصية عبدالناصر ألم تشعر بوجود تناقض داخلي أثناء تقديم السادات؟
لم أشعر بهذا التناقض الذي تتحدث عنه لأنني ببساطة لم أتخذ موقفاً فكرياً أو عقائدياً منهما فقد التزمت بمشروع فني كبير فكرت فيه طويلاً وأنا صاحب اقتراحه بأن أقدم ايجابيات الرؤساء والزعماء وتقريبهم للأجيال الجديدة.
* بحكم معايشتك عن قرب لأسرة السادات في فترة الإعداد للفيلم ما حجم المساعدة التي قدمتها السيدة جيهان السادات وما مدى تعرفك على تفاصيل لم تكن تعرفها من قبل؟
ساعدتني السيدة جيهان السادات كثيراً، كذلك الرئيس مبارك الذي وافق مشكوراً على اعطائي مكتب الرئيس السادات في قصر عابدين للتصوير وطائرته الهليوكوبتر والاستراحة التي كان يقيم فيها أحياناً بالاسماعيلية .
وقمت بالتصوير في مجلس الشعب، كما قمنا بتصوير مشهد المنصة في المكان نفسه وسبق تصوير الفيلم الرجوع إلى الوثائق والمراجع والتسجيلات والصور الخاصة بالرئيس السادات سواء كانت محلية أو أجنبية .
وسألت السيدة جيهان كثيراً وسألت عن عدم ذهاب ياسر عرفات إلى مباحثات مينا هاوس قرأت كثيراً وبحثت فوجدت الاجابة عند حلاق الرئيس محمود لبيب الذي حكى لي عن المقاطعة وشبهها بحكاية المحل الذي انتزع من صاحبه عنوة بينما حاول شخص آخر أن يضع لصاحب المحل كرسياً داخله حتى يراقب ما يحدث وتكون البداية والخطوة الأولى لاسترداد حقه وهذا ما حاول السادات أن يفعله مع ياسرعرفات وتوصل معه إلى معنى كلمة المفاوضات، كما استمعت إلى كل خطب السادات التي ألقاها وكل الوثائق التي جاء ذكره فيها
الملك عبدالعزيز على الشاشة
* في مشروعك الفني لتقديم الرؤساء والزعماء على الشاشة هل يقتصر على مصر فقط؟
المشروع يتسع للجميع وهناك اقتراحات عديدة لمشروعات أفلام عن الرؤساء والزعماء العرب.
* وهل يوجد بينهما مشروع عن حياة الملك عبدالعزيز مؤسس المملكة العربية السعودية؟
بالفعل الملك عبدالعزيز يستحق فيلماً كبيراً فهو الذي أرسى ثوابت وأسس النهضة في المملكة العربية السعودية .
وهو الرجل الذي قام بتوحيد الممالك المتفرقة ليصنع دولة كبرى وحياته حافلة بالمواقف التي يجب أن يعرفها الجيل الحالي.
وللعلم تضمن فيلم السادات لمحة عن دور المملكة في حرب 73 والجهود الكبيرة التي قدمها الملك فيصل في صالح مصر والعرب والقضية الفلسطينية.
* وأخيراً ما هي الخطوة القادمة للفنان أحمد زكي؟
حسني مبارك ومازلت في المراحل الأولى لهذه الاستعدادات.
|
|
|
|
|