| القرية الالكترونية
في هذه الحلقة سوف أتناول العلاقة بين الثقافة والتكنولوجيا إن شاء الله. نظرا للارتباط الوثيق فيما بينهما. إن المتتبع للكلمات التالية الإعلام التعليم الأمية اللغة النصالرمز المعرفةالذاكرة الجمعية الابتكار، يصعب عليه تحديد ما إن كانت ضمن أبجدية الثقافة أو ضمن أبجدية المعلومات، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على مدى التداخل بين منظومتي الثقافة والمعلومات، ويتمثل التداخل والتقارب بين منظومتي الثقافة والمعلومات ويبدو واضحا على مستوى التعريف أو خصائص المنظومة أو وظيفتها، فإن عرفت تكنولوجيا المعلومات بأنها أداة معالجة سلاسل الرموز فالثقافة في أحد تعريفاتها هي التمثيل الرمزي للفكر والقيم والأهداف داخل المجتمع، وإن اعتبرنا قدر المعلومات قياسا لحصيلة المعرفة العميقة لدى المتخصص، أو الشاملة لدى غير المتخصص، فالثقافة كما يراها البعض هي اكتساب المعارف من أجل تهذيب الحس النقدي والارتقاء بالذوق وتنمية القدرة على الحكم. وإذا كانت هذه هي العلاقة فإن أثر التكنولوجيا في الثقافة يكاد يشمل جميع عناصر منظومتها والعلاقات البينية التي تربط بين هذه العناصر، التي لا تقتصرعلى الإدارة الثقافية والقيادات والموارد الثقافية بل تتعدى بنية المعرفة داخل المجتمع والأسس والمبادئ التي قامت عليها هذه المعرفة وقاعدة القيم التي انطلقت منها. وعند الحديث عن أثر التكنولوجيا في الثقافة فإنه غير خاف على الجميع ما أدت إليه تكنولوجيا الطباعة بظهور آلة جوتنبرج في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي. لقد أدى هذا الاختراع إلى محو الأمية بسرعة مذهلة بل أدى إلى كسر احتكار المعرفة بل إن الثورة الحالية بجميع أشكالها وأحجامها وأنواعها مدينة لهذا الاختراع العظيم الذي ساعد على تدمير النظام الإقطاعي ذي السلطة المطلقة لطبقة النبلاء في المجتمعات. أما أثر التكنولوجيا في العقيدة والأخلاق فهو واضح جدا ويتمثل في انتشارالكتب والأقراص الممغنطة في الوقت الحاضر الأمر الذي أدى إلى رقي الفكر وتبادل وجهات النظر بل وأصبح التفاعل والتحاور بيِّناً في أي مكان من العالم لا يحتاج إلى وقت أو مال فالإنترنت بما فيها من خدمات مثل البريد الإلكتروني وخدمةالمجموعات ساعدت على الاتصال بين المهتمين في الفن الواحد. أما آثار التكنولوجيا في المبدع الثقافي ذاته فهي كثيرة ذلك أن عصر المعلومات وفر للباحث المثقف وسائل مادية عديدة لمعاونته في إنتاج عمله الأدبي والفني.
فالاتصال بواسطة الإنترنت وتصفح مواقعها يتيح للمثقف الوقوف على آخر الآراء والاتجاهات في موضوع ما فمثلا تساعد الإنترنت على توفير نظام المجموعات NewsGroup)) وهذا النظام يتيح للمستخدمين تكوين مجموعة خاصة بهم يتناقشون في أي فن من الفنون ويمكن للفرد المشاركة مهما كان موقعه من العالم، وهذا لاشك يساعد على تبادل وجهات النظر واحتكاك الثقافات ويولد أفكارا جديدة.
وعند الحديث عن الكتاب الذي هو منبع الثقافة تجدر الإشارة إلى أنه سوف يتحرر من أسر التنظيم الخطي Linearity إلى كتاب الغد الذي سيتم نشره على قرص ضوئي (CD Rom) وهو ما يطلق عليه البعض بالكتاب الدينامي Dynamic Book، وهذا الكتاب سوف يعطي القارئ حرية تامة في اختيار مسار رحلة قراءته حيث يمكن أن يتنقل من عرض النصوص والمعادلات إلى عرض الأشكال والصور إلى الصورالحية وإلى نماذج المحاكاة Simulation يتفاعل معها القارئ بصورة ممتزجة. وليس من المبالغة القول «بأن تكنولوجيا المعلومات هي التي جعلت من الثقافة صناعة قائمة بذاتها لها مرافقها وسلعها وخدماتها، وأضافت إلى قاموس الثقافة مفاهيم جديدة مثل صناعة الأخلاق، أمية الحاسوب، الطبقية المعلوماتية، الرأسمالية الفكرية، الإيماجولوجيا Imagology الفيديوالتجاوبي Interactive Vidio هي لم تستحدث مفاهيم جديدة فقط بل أضفت على مفاهيم ثقافية سابقة صفات ومضامين جديدة في مجالات الأدب والنقد والتذوق الأدبي وكذلك فيما يخص دور الأديب والناقد والقارئ» ص 288. ولكي يعرف المثقف العربي هذه الأهمية لعصر المعلومات والمغزى الحضاري لهذه التقنيات بعمق لا بد أن يكون هو نفسه مستخدما لهذه التقنية ومستهلكا حقيقيا لمنتجاتها وخدماتها، وبنفس الوقت لا بد من توفير نظم آلية تساعد المثقف العربي على تسهيل الرجوع للمعاجم والقواميس بأسرع وقت ممكن....وللحديث بقية.
|
|
|
|
|