| مقـالات
سألني صديق.. لماذا أنت.. ومثلك كثير يحنون إلى الماضي وإلى الحياة القديمة.. حيث لا كهرباء ولا تلفونات.. ولا مياه منسابة عبر المواسير، ولا تلفاز ينقل لك العالم.. ويقول هذا الصديق إن حياة اليوم جميلة.. وراقية، وفيها من التسهيلات الشيء الكثير. ولم أقتنع بكلامه.. لانه أولاً صغير السن، ولم يعايش تلك الحياة البسيطة التي عشناها.. وقد أحببت اقناعه وإن كنت أعلم أنه لن يقتنع.. لكون فاقد الشيء لا يعطيه. فهو لم يجرب تلك البساطة في الحياة، وسهولة التواصل بين الناس وانشراح الصدور التي فيها القلوب والقلوب آنذاك لم تسود بالمحدثات عبر القنوات، والصادرات والواردات، ولم تتشبع بغيث الصحف والمجلات وأفلام الفيديو، ولم تعرف تلك القلوب عن الدولارات ولا اليورات ولا الفرنكات.. وتلك القلوب الطيبة أيضاً لم تشاهد عبر القنوات عرض الأزياء.. ولا أفلام العنف والنصب والسرقات.
الحياة التي نحن إليها هادئة. وأهلها مؤمنون بان العمر محدود وأن الرحلة وشيكة الوصول الى منتهاها. ولذلك عندما سألت بنت في سن المراهقة جدها عندما زارته مع أهلها في قريته الساكنة سألته أهذا مجلسكم 2x2م، وهذه غرفتكم، قال يا بنية انه هذا المجلس وهذه هي الغرفة، وتلك هي الجصة مليئة بالتمر، واستنكرت البنت.. الجصة.. ولماذا لا تضعون التمر في الفريزر.
قال الجد.. ما يصير له طعم.. يا بنيه.. العمر قصير.. ونحن هنا نبني لنستظل. ولسنا نبني للاستقرار.. فإن الآخرة هي دار القرار. ولذلك فالتمر في الجصة لا يهتم ان طفى الكهرباء وإلا ما طفى.. والكبسة على الوجار على الحطب.. ما يهمنا.. فيه غاز وإلا ما فيه غاز، وها الحنبل الذي تجلسين عليه كنسه بسيط ولذلك ما علينا من المكنسة الكهربائية، وها القربة المعلقة فيها ماء بارد، ولا ألذ منه، فهو ليس بالحار المكروه ولا بالمتجمد المؤذي، وصار الجد يعدد للبنت ميزات حياته، والبنت ساهمة شاردة.. لكنها لا تقبل ذلك بسهولة. فكذلك أنت يا صاحبي لا تتصور تلك الحياة، ولذلك فأنت ترفضها لأنك لم تعايشها ولم تحس بلذتها وبساطتها وسلامة أهلها من كثير من الأمراض الحديثة، كارتفاع ضغط الدم، وتسدد الشرايين، وعدوى الأمراض التي لم تكن فيمن قبلنا..
لقد جلبت الحياة الحديثة للانسان ما لا يطيق ولم تمكنه من الاستقرار والسعادة. ولذلك فنحن نحنّ للماضي.. ونود لو عاد.
|
|
|
|
|