أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 19th July,2001 العدد:10521الطبعةالاولـي الخميس 28 ,ربيع الثاني 1422

الثقافية

صدى الإبداع
د. سلطان سعد القحطاني
تحدثنا فيما سبق عن التيارات التي في الادب السعودي بشكل عام والرواية بشكل خاص، ولأن الرواية فن جديد في المبنى، وليس في المعنى، فلابد ان تتأثر في بداياتها بمرجعيات معينة، كالمرجعية الدينية، او المرجعية التراثية العربية، او المرجعية العربية الدينية «الوعظية»، وهذا العنصر الهام في البناء الروائي كان ظاهراً في الرواية التعليمية الموجهة، قبل ظهور الرواية الفنية التي تتضمن هذه العناصر بدون ان تظهر على السطح السردي، لكنها موجودة بالفعل، انطلاقاً من التراث التربوي، كمرجعية خاصة يحتوي عليها البناء الفني، من خلال ثنايا النسيج الروائي، فقد اصدر عبدالقدوس الانصاري اول عمل قصصي، بعنوان «التوأمان» 1930/1351، وقد ذكرنا اسباب خروج هذا العمل الرائد، وانه كان يكتبه على شكل مقالات في مجلة المرشد العربي في دمشق، وقد ادرك الانصاري اهمية القصة بصفة عامة في المجتمع الجديد، من ناحيتين: الاولى، قرب القصة من حياة الناس اليومية والثانية، تدريب الناشئة على الاساليب الحديثة، والبعد عن الاساليب القديمة المعقدة، القائمة على السجع الممل، والتلاعب بالجناس والطباق، وكل المحسنات البديعية، في غير محلها، كما ظهرت في العهود البائدة، من المملوكيين الى العهد التركي.
وقد ذكر سببين رئيسيين في العدد الفضي من مجلة المنهل، لخصهما في قوله: كان اهتمامي بالقصة يعود الى سببين: الاول، خلو ادبنا من هذا الفن الحديث. والثاني ان القصة احد الفنون الادبية الراقية«4».
وكان النقد لا يفرق بين الرواية والقصة في ذلك، فكل سرد نثري يعتبر رواية، وهذا هو المصطلح السائد في الثقافة المصرية في ذلك الوقت، وما يزال هذا المصطلح المغلوط يتردد على ألسنة وتحت اقلام البعض من الذين يدعون النقد الادبي والاجتماعي هذه الا يام ولم تحرز التوأمان مسمى الرواية بالمقاييس الفنية للرواية، لكن يشفع لها تقادمها في الظهور، فقد حازت قصب السبق، وصار منطلقاً لكل من اراد ان يكتب في الرواية السعودية وكان لمجلة المنهل «1937/1355» الدور الفعال في تثبيت الفن القصصي بصفة عامة، وتحمس صاحبها، عبدالقدوس الانصاري للقصة، كما ذكرنا قبل قليل وكانت له مشاركة في القصة القصيرة، بقصة «مهم التناسي» نشرها في صوت الحجاز، على عمود واحد، في عددها، يوم 1/11/1933م)5( سميت في ذلك الوقت رواية وكانت جهود الأنصاري أكبر من كتابته رواية فكانت أهدافه التربوية أكبر وأسمى فقد ألف كتابا للناشئة بعنوان )اصلاح الكتابة( صدر في بيروت سنة 1935م كان صدى للنادي الذي اسسه بالتعاون مع زميله في مدرسة العلوم الشرعية في المدينة، الاستاذ/ عبيد مدني، وكان هذا النادي يغذي مجلة المنهل، كما كان نادي الشبان يغذي جريدة المدينة، وكان يتولى سكرتاريته، الاستاذ ضياء الدين رجب، وأقفرت الساحة الادبية من النثر القصصي، فضلاً عن الرواية، حتى ظهور رواية احمد السباعي «فكرة» 1947م، التي حركت هذا الركود بفكرتها الموجهة، وآراء كاتبها الجاهزة، وعدم قناعته بها كرواية، في حين كتابتها أو بعد ذلك بزمن، حتى إنه يوجهها الى ابنيه، زهير واسامة، ويذكر لهما انها تحتوي على أمنيات لم يستطع تحقيقها بنفسه، ويرجو منهما ان يحققا ما عجز عن تحقيقه. ويكون ظهور رواية «البعث» للاستاذ، محمد علي مغربي، التي ظهرت بعد رواية السباعي بأشهر لم تبلغ السنة، في العام الذي يليها، ايذاناً ببدء فن روائي أولي في هذه البلاد المعروف اهلها بالشعر فقط لكن الساحة عاودها الجفاف الروائي، والكتاب الثلاثة لم يكرروا التجربة مرة أخرى، وكأن لسان حالهم قد أنبأهم بالفشل. ولم تخل الساحة الادبية من الكتابات السقيمة البدائية، ذات المذهب الرومانسي الساذج المقلد. فقد صدرت قصة طويلة لمحمد عمر توفيق، بعنوان «الزوجة والصديق، سة 1950م وعبدالسلام هاشم حافظ، بعنوان «سمراء الحجازية، 1955» وهاشم محمد دفتر دار، بعنوان «الى غرناطة، 1955» وأيضاً، الحرب والسلام، 1955م. صدرت في طبعتها الثانية، بعنوان «الحرب والسلم»هذه هي المرحلة الأولى، مرحلة تميزت بالارشاد والتوجيه المباشر، ولم تشفع أي منها بثانية. ولكن هاجس القص لم يتوقف، فكتابات السباعي نفسه تحتوي على عناصر القصة في مجملها، فقد كان يصوغ مقالاته اليومية في جريدة صوت الحجاز على نمط روائي، لكنه نفس النمط الذي درج عليه في معالجاته في روايته، بمعنى آخر، نمط تعليمي مباشر. وكان لكتابه الذي جمع فيه مقالاته اليومية «ابو زامل»)9( اثر واضح في وضع بذور القصة، وجذب القراء اليها، وتشجيع الكتاب على انشاء القصة بشكل عام والرواية بشكل خاص، وميزة هذا الكتاب انه احاديث تحكي الحياة اليومية وما يدور في حياة الناس من مشاكل تحتاج الى حلول، كان السباعي يعالجها من منظور قصصي في معظم كتاباته، مثل كتاب «يوميات مجنون، وفلسفة الجن، ومطوفون وحجاج»، بصرف النظر عن الجودة الفنية. كما ان الانصاري فتح الباب على مصراعيه للقصة في ثنايا مجلته «المنهل»، وكان يطلب من الكتاب المشاركة فيها بما تجود به اقلامهم في الحقل القصصي، دراسة ونقداً، وترجمة ففي الوقت الذي ركد فيه الابداع الروائي كان لوجود الترجمة الادبية من اللغات الاخرى ومحاولات التجربة في القصة القصيرة الدور الفعال في وجود حياة ثقافية فنية مهدت لظهور الفن الروائي الناضج فيما بعد لكنه ليس العامل الوحيد الذي اثر في الحياة الابداعية، فقد كان بجانبه عدد من العوامل الاخرى. فقد كان للبعثات الطلابية الى مصر، ومجيئ الصحف اليومية والاسبوعية، والمجلات الشهرية الى مدن الحجاز والمنطقة الشرقية عن طريق البحرين، الدور الكبير الذي لا ينسى ففي مجال الترجمة، نشر الكثير من الترجمات لعدد من القصص القصيرة، كانت هذه الترجمات على ما فيها من قصور رائدة في ذلك الوقت الذي كان فيه الادب بأمس الحاجة للانفتاح على الآخر. وقد كان لمجلة المنهل، التي مر ذكرها، نصيب وافر في هذه الترجمات، فقد نشر فيها، محمد علي قطب عدداً من ترجماته لبعض القصص مثل «اريد ان اتزوج امريكية في يونيو، 1956، والمتسول، في يونيو، 1957 ،الاخيرة من الادب الفرنسي لموليير، وربما نقلها عن الترجمة الانجليزية، وكان احمد بو شناق قد ترجم عن التركية قصة، بعنوان )آه، من هؤلاء الكبار( في يونيو 1940،م وكان محمد علي قطب من اكثر المترجمين في الصحافة السعودية للقصص الاجنبي، فقد ترجم، الفلاح الداهية، في البلاد السعودية، في عدد 6/11/1953، والمسافر، في 1/7/1952 والجريمة، في 3/1/1954، وكلب مفقود، في 4/1/1954، والى غير رجعة، في عكاظ، في 23/4/1957، والفريسة، في 3/9/1960، والملجأ الغريب، في الرائد، في 6/8/1962، والقاتل في 28/8/1963. ويجد الباحث ان الترجمة قد ادت دورا مهما في ظهور وتطوير الفن الروائي، ليس في المملكة، فقط، بل في كل البلاد التي ظهر فيها الفن السردي، بكل اشكاله وفروعه.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved