أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 19th July,2001 العدد:10521الطبعةالاولـي الخميس 28 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

هكذا أنا..
د. فهد حمد المغلوث
حينما تكون صادقاً مع نفسك راضياً عنها قانعاً بما قسمه الله لك، وحينما لا تكون محتاجاً للآخرين أو تنتظر فضلاً منهم، فإنه من الصعب عليك ارتداء ثياب ليست لك، أو تقمص شخصية لا تناسبك، لأنه والحال كذلك فإن تلك الأقنعة المزيفة سوف تزول آجلاً أو عاجلاً وسوف تنكشف حقيقتك التي لن ترضى عنها أنت قبل غيرك، ليس ذلك فحسب، بل أنك سوف تتعب نفسياً لأنك جعلت من نفسك مصدراً لرثاء نفسها! والأكثر من ذلك، أنك سوف تسقط من أعين من كانوا يعتقدون يوماً أنك شيء كبير وكبير جداً!
ربما تشعر بأنك حققت شيئا ما تريده لك أنت شخصياً، وربما شعرت بنوع من الرضا نظير هذه الإنجازات التي تحققت لك، ولكن صدقني سوف لن ترتاح بينك وبين نفسك، سوف تشعر بالذنب يراودك من حين لآخر! سوف تشعر بذلك كله في عيون من تقابلهم حتى أولئك الذين يبتسمون لك هم في حقيقة الأمر يضحكون عليك، يستغلون ما أنت فيه من وضع والإنسان منا مهما استطاع أن يضحك على الآخرين ويكذب عليهم فإنه لا يستطيع أن يضحك على نفسه دائماً، لا يستطيع أن يقنع نفسه بأن ما يقوم به هو الصحيح على طول الخط.
إن السؤال الذي ربما بحاجة إلى إجابة مقنعة هو لماذا نبدو على غير حقيقتنا؟ لماذا نلبس أقنعة ليست لنا؟ لماذا ننتحل شخصية غير شخصيتنا؟ ولصالح مَنْ هذا كله؟ وإن كنا نعتقد أن هذا في صالحنا، فعلينا أن نعيد النظر في هذا الاعتقاد، لأنه ربما كان وليد احتياج معين ووقتي ولكن لا يجب أن نستمر فيه للأبد لأنه والحال كذلك فإننا سوف نخسر الكثير وأولهم أنفسنا قبل أن نخسر أقرب المقربين منا!.
إن الشخص منا حينما يحاول أن يساير غيره فقط ليكسب ودهم أو صداقتهم، فهذا ليس بالأمر السيىء ولكن في حدود، لأن الإنسان في حاجة للناس لأنه كائن اجتماعي لا غنى له عنهم.
ولكن الإنسان منا أحياناً وتحت الظروف الصعبة التي يعيشها أو التربية والتنشئة الاجتماعية القاهرة، أو الشعور بالنقص أو إحساسه بالدونية كل هذا ربما دفعه لأن يغير جلدته وأن يلبس ثياب غيره فقط لكي يبدو كما يريد الآخرون منه مهما كلفه ذلك من وقت أو مال أو جهد!
ترى هذا الإنسان يجاهد ويلهث بشكل مستمر من أجل أن يكون كالآخرين من أجل ألا يكون أقل منهم بأي حال من الأحوال رغم نقد من حوله له واستيائهم من أسلوبه في الحياة!
خذ مثلاً الشباب وكيف يكونون مصدر ضغط ومعاناة لأهلهم من أجل أن يكونوا مثل أصدقائهم! لا يهمهم من أين يأتيهم الأب بالمال وكيف يشقى للحصول عليه أبداً! كل ما يهمهم أن يحصلوا على ذلك المال وباستمرار لكي ينفقوه من هنا وهناك على كماليات لا داعي لها أحياناً رغم ما لديهم من سيارات خاصة أحياناً اشتراها لهم أهلهم بالتقسيط المتعب وليس المريح! وليت الواحد من هؤلاء الشباب يخدم أهله أو على الأقل يوصل اخواته أو أمه للأماكن الضرورية التي يحتاجونها ولا يجعلهم يحتاجون للآخرين! بل ليتهم يردون بعض الجميل.
وكذلك الحال بالنسبة للفتاة حينما تريد وتريد ولكن الفرق بينها وبين ما يريد الشاب هو أن احتياجات الفتاة تختلف كلية عن احتياجات الشباب، إضافة إلى أن الشاب حينما يريد شيئا فسيحصل عليه.. وهناك الكثير من الأماكن الترفيهية التي يذهب إليها ويستمتع فيها، أما الفتاة فالخيارات أمامها محدودة جداً إن لم تكن معدومة!
وفي كلا الحالتين، فانك كأب أو أم تجد نفسك في حالة من الصراع المستمر بهدف تلبية رغبة الجميع حتى على حساب نفسك لأنهم أولادك أولاً ثم لأنك تسعى لأن تحافظ عليهم وألا تشعرهم بالدونية وأن غيرهم أفضل منهم ومع ذلك فهذه فيها نوع من الراحة أحياناً كونك عملت شيئاً يريح ضميرك على الأقل من وجهة نظرك.
ولكن المتعب حقاً أن تكون أنت صادقاً مع نفسك ومع غيرك، بسيطاً في تعاملك مع الآخرين لا تعرف الطرق الملتوية للوصول إلى حقوقك أو توصيل ما تريد، ومع ذلك تجد من يحاول أن يغير مفهوم الصدق إلى الزيف والخداع، ومن يحاول أن يستبدل البساطة في تعاملك إلى نوع من الرسمية والتعقيد، ومن يحاول أن يجرك على اتباع أساليب غير مشروعة للوصول إلى ما تريد.
وإني لأتساءل: أي نوع من العلاقات الإنسانية سوف تكون بيني وبينك حينما أشعر مجرد شعور أن أي شيء آخذه منك لابد أن يكون له مقابل؟
وأي نوع من التعامل سوف يكون بيني وبينك حينما ابتسم لك بينما أنا غير مقتنع بتلك الابتسامة حينما أظهرها لك باهتة جافة لا طعم فيها؟
بل أي مستقبل لعلاقتنا مع بعضنا البعض ونحن على هذه الحال من الزيف والرسمية المبالغ فيها والأنانية؟
هل نضطر لكي نكسب أن نخسر أنفسنا ونمحو شخصيتنا التي تربينا عليها طوال هذه السنين؟
هل لمجرد أن نرضي الآخرين نقسو على أنفسنا ونخسر أعز أحبابنا؟
وهل عدم قبول الآخرين لنا بالأسلوب الذي يريدون والكيفية التي يرغبون، هل هذا يقلل من قيمتنا لأنفسنا؟ إذا كان كذلك بالنسبة لهم، فلا يهم! ما يهم هو نحن ومن نكون، ما يهم هو ذلك الإنسان الذي يحبنا لذاتنا وليس لأي شيء آخر.
ما يهم هو ذلك الإنسان الذي يساعدنا بكل الوسائل الممكنة على أن نكون نحن والا نغيّر من شخصيتنا.
بل ما يهم هو ذلك الإنسان الذي رغم معرفته لبعض الجوانب التي لا نرضاها نحن فينا إلا أنه يشعرنا بحلاوة وجمال تلك الجوانب وأنها جزء لا يتجزأ منا، وأن التغيير لابد أن يكون نابعاً منا نحن وعن قناعة وليس تحت ضغط الآخرين. فهل نلام حينما نحب مثل ذلك الإنسان؟
همسة
أعذرني..
لا أستطيع
سوى أن أكون أنا..
فهكذا أنا..
مُنْذ عرفتُ نفسي..
مُنْذ وعيت على الحياة..
لا أعرف أن أكون غيري!
* * *
حاولتُ أن أكون شخصاً آخر..
كما يريد الآخرون..
كما يطالبونني..
في كل وقت..
في كل مكان..
* * *
حاولت أن أظهر بغير مظهري..
بصورة مختلفة عني..
فقط لأرضي غيري!
لأتجنب لومهم!
في تصرفاتي..!
في ابتساماتي!
في كل شيء..!
* * *
ولكنني لم أفلح!
فشلت من أول تجربة!
لأنني لم أجد نفسي..
سوى في نفسي!
سوى أنني احترم نفسي
أعرف من أنا!
* * *
فهل تقبلني كما أنا؟
كما عرفتني أوّل مرّة؟
بكل صراحتي وبساطتي؟
هل ترضى بي..
دون أقنعة مزيفة؟
رغم حساسيتي وغيرتي؟

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved