أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 18th July,2001 العدد:10520الطبعةالاولـي الاربعاء 27 ,ربيع الثاني 1422

العالم اليوم

العملاء ومسؤولية السلطة
عادل أبو هاشم
قبل ايام أصدرت محكمة امن الدولة الفلسطينية في مدينة نابلس حكماً بالسجن المؤبد على ثائر وليد جابر بعد اعترافه بتقديم معلومات للمخابرات الاسرائيلية ساعدتها في اغتيال اثنين من كوادر حركة فتح واصابة 27 مواطناً فلسطينياً آخر!
واضافت المحكمة حكماً آخر على عميل الموساد بمصادرة ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة..!
ولا نعرف بالضبط ماهي الممتلكات المنقولة وغير المنقولة لشاب يبلغ من العمر عشرين عاماً..!
ولم نعرف ايضاً متى تم تجنيد هذا الشاب للعمل في جهاز المخابرات الاسرائيلي علماً بأن السلطة الفلسطينية قد دخلت الى الاراضي الفلسطينية قبل 7 سنوات اي عندما كان عمر هذا العميل 13 عاماً..!
في البدء يجب علينا التأكيد بأن انحراف القلة لا يشين جهاد الشعوب ولا سمعتها، وقد مرت بمختلف الاوطان احداث تاريخية عديدة جابهت فيها الاعداء بكل شجاعة وتضحية، ومع ذلك برز من بين صفوفها من هادن هؤلاء الاعداء وارشدهم او سار في صفوفهم، ومع ذلك استمرت السمعة الاصيلة مثلها الاعلى ولونها المشرق الجذاب، واصبح تاريخها النضالي منارة يحتذى بها في مقاومة الاحتلال.
تعرضت فرنسا لغزو هتلر الساحق، وركعت باريس مدينة النور تحت نير الاحتلال خاضعة مستسلمة، ووقع الماريشال بيتان صك الاستسلام، وطوال اربع سنوات كانت جموع الفرنسيين في الخارج تكون حركة المقاومة ضد الغزاة، وكانت حركة المقاومة في الداخل تتزايد وتنمو مع وجود فريق ضالع مع المحتلين، كان هناك من سالمهم وقدم لهم الغذاء، ومن قدم لهم المعلومات والارشاد ومخازن السلاح بما يشكل انحرافاً وخيانة بالمعنى الوطني.
ولكن فرنسا التي حررها الحلفاء تتربع اليوم معتزة بوطنيتها.
لم يشن فرنسا الجنرال بيتان، ولم يخدش من سمعتها الادميرال لا فال، ولم تنزل من قيمتها جموع فتياتها على نهر السين يرحبن بالغزاة، لم يشن فرنسا كل هذا لأن انحراف القلة لا يشين جهاد الشعوب.
وبريطانيا حين سلط هتلر جموع طائراته يدكها بالقنابل، وحين ارسل جيوشه تدمر القارة الاوروبية حيث رحلت جيوش بريطانيا تجر اذيال الخيبة، واضطرهم هتلر ان يستعملوا البواخر والصنادل والاخشاب هاربين من دنكرك، وحين عاش شعبها في الانفاق شهوراً طويلة، كان احد ابنائها يذيع من برلين كل مساء ان النظام البريطاني يجب ان يزول وان المانيا هي التي ارسلتها العناية الالهية لتقوم اعوجاجا، وكان هذا هو المسمى اللورد «هوهو».
وبعد الحرب العالمية الثانية عشنا سنوات طويلة نحن نستمع لهروب عدد من علمائها ودبلوماسييها حاملين اسرار بلادهم الى روسيا جاعلين مصلحة اوطانهم في الحضيض، وما قصة برجيس الدبلوماسي، ولا فيلبي مراسل مجموعة الصحف البريطانية الكبرى، وما قصتهم على الجميع ببعيدة وهم يختفون هاربين الى موسكو وفي جعبتهم الكثير من الاخبار والاسرار، كل هذه الحوادث على ما فيها من هوان على الوطنية لم تحطم سمعة الشعب البريطاني الذي يشهد له التاريخ بقوة الاحتمال والصبر الذي قاده الى النصر امام نكبات الحرب العالمية الثانية المريرة ولم يشنه وجود بعض المنحرفين ذلك ان انحراف القلة لا يشين جهاد الشعوب.
ويطول بنا ضرب الامثلة واستعراض الشواهد لو تحدثنا عن كوسيلنج في دول اسكندنافيا، وكيف عاون الالمان وساعدهم وساق قسماً من جيوش بلاده تدافع عن الاحتلال، ومع هذا فشعب اسكندنافيا معتز بتاريخه المجيد وخيانة القلة لم تخدش من كبرياء الاكثرية شيئاً.
وكيف تحرك قسم من قادة ايطاليا يجرون الكرسي من تحت زعيمها موسيليني حتى هوى، اخذوا زعيمها وقائدها الذي كان يخيف الدنيا مكبلاً بالحديد الى ساحة دووموا في ميلانو وشنقوه من رجليه ثم انهالوا عليه بالرصاص.
ومع هذا فشعب ايطاليا يكرر انه بذل في الحرب الكثير استهدافاً للنصر، وان الاحداث المختلفة او انحراف قلة من افراده لا تجعله يحاول التخلص من تاريخ المجد العريق.
نذكر ما سبق ونحن نتابع باستغراب شديد الاخبار المتواردة من الاراضي الفلسطينية كل يوم حول قيام قوات العدو الصهيوني باغتيال احد قادة الانتفاضة اما بقصف سيارته من الجو، او بتفجير سيارته، ومن ثم قيام الاجهزة الامنية الفلسطينية بالقاء القبض على مجموعة من العملاء الفلسطينيين الذين ساهموا في اغتيال قادة وكوادر انتفاضة الاقصى المباركة.
ونتساءل بمرارة لماذا ظهرت هذه الظاهرة بوضوح شديد بعد دخول السلطة الفلسطينية الى الاراضي المحررة؟ مع العلم ان ظاهرة العملاء قد تم القضاء عليها في الانتفاضة الاولى منذ عام 1987م الى عام 1994م، حيث هرب قسم منهم الى داخل اسرائيل والباقي ذهب الى المساجد لإعلان التوبة، هل كان لتصاعد الحس الوطني ومشاركة الشعب الفلسطيني بكل شرائحه في فعاليات الانتفاضة الاولى سبب في القضاء على ظاهرة العملاء؟ واذا كان كذلك فهل افرزت عملية التسوية التي اطلق عليها زورا وبهتاناً عملية السلام حالة من تقبل الشارع الفلسطيني لامكانية التعاطي مع العدو الاسرائيلي في ظل الحديث عن دور بعض المتنفذين في السلطة في تنظيف «الخراف السوداء»وتبييضها وغسل عارها ومن ثم ادخالهم في اجهزة السلطة، ولماذا حالة الاسترخاء التام في التعامل مع هذه الظاهرة من قبل القيادة الفلسطينية طوال سبع سنوات؟
الغريب في الامر انه بعد كل عملية اغتيال لاحد نشطاء وكوادر الانتفاضة الذين بلغوا اكثر من ثلاثين شهيدا، يخرج علينا بيان فلسطيني بالقاء القبض على عميل فلسطيني ساهم في اغتيال هذا الناشط.
في قصة الاستشهادي سعيد الحوتري بطل عملية تل ابيب الاخيرة قصة صغيرة لها اكثر من مدلول، فقد اعترفت المخابرات الاسرائيلية بان الشخص الذي اوصل الحوتري الى تل ابيب هو احد العملاء الفلسطينيين دون ان يعرف هذا العميل الهدف من دخول البطل الحوتري الى تل ابيب.
وقد اكد قائد المخابرات الفلسطينية في الضفة الغربية توفيق الطيراوي بان الشخص الذي اوصل الحوتري الى تل ابيب هو شخص معروف لدينا بانه احد عملاء الموساد.
اي بعبارة اخرى ان كل عملاء الموساد في الاراضي الفلسطينية معروفون للاجهزة الامنية الفلسطينية.
وطالما ان الاجهزة الامنية تعرف العملاء باسمائهم واماكن تواجدهم، فلماذا لا تلقي القبض عليهم؟ ولماذا لم نسمع عن اكتشاف عميل قبل اغتيال اي كادر وناشط من كوادر الانتفاضة؟
هل نحن امام حالة اخرى من حالات الترهل الثوري والتسيب اصيبت بها اجهزة الامن الفلسطينية، كما اصيبت بها بعد خروج الثورة الفلسطينية من بيروت؟ والتي جلبت الكثير من المآسي والكوارث على قادة وكوادر ابناء الشعب الفلسطيني كاغتيال القادة صلاح خلف «ابو اياد» وهايل عبدالحميد «ابو الهول» وفخري العمري «ابو محمد» الذين اغتيلوا في العاصمة التونسية في يناير 1991م على ايدي عملاء الموساد الاسرائيلي.
لقد نادينا كثيراً بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب لا ان تعطى المناصب للولاء الشخصي بدلاً من الولاء الوطني، والى حسن الحديث في المديح والاعجاب بدلاً من الكفاءة وشجاعة ابداء الرأي، حتى لا نصل الى مثل هذه الافرازات والمظاهر الانحرافية التي لا تمت بصلة الى عادات وتقاليد المجتمع الفلسطيني وبعيده كل البعد عن مبادئ الثورة الفلسطينية وقضية الشعب الفلسطيني الذي قدم لها هذا الشعب قوافل الشهداء والجرحى والمعتقلين.
ان سقوط اكثر من 600 شهيد واكثر من ثلاثين الف جريح واكثر من الف معتقل في سجون العدو الاسرائيلي خلال عشرة اشهر من عمر انتفاضة الاقصى الحالية لا يعطي مبررا للاجهزة الامنية الفلسطينية بالتغاضي عن العملاء الذين ساهموا بأكثر من شكل من اشكال التعامل في سقوط هذا العدد الهائل من الشهداء والجرحى والاسرى.
واذا كانت الاجهزة الامنية تستطيع التسامح والتنازل عن حقها لأسباب لا نعرفها في معاقبة هؤلاء العملاء، فان ايتام وارامل وثكالى الشعب الفلسطيني البطل، وشواهد القبور وجدران الزنازين لا يمكن ان يتنازلوا عن حقهم في الاخذ بالثأر من الخونة والعملاء الذين برزوا للعلن في الانتفاضة الحالية في اغرب ظاهرة يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
ومع ذلك لا يشين الشعب الفلسطيني انحراف قلة ضئيلة الى جانب نصاعة تضحيات وبطولات وجهاد الشعب الفلسطيني.
ü كاتب وصحفي فلسطيني الرياض
alabuhashim@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved