أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 18th July,2001 العدد:10520الطبعةالاولـي الاربعاء 27 ,ربيع الثاني 1422

محليــات

يارا
من أنت
عبد الله بن بخيت
مها شابة في العشرينيات من عمرها لنقل خمساً وعشرين سنة، متوسطة الجمال، وتعاني من بعض المشاكل المتصلة ببعض اعضائها كأنفها الكبير قليلا وصدرها الضخم المترهل بعض الشيء وشعرها الخفيف، تتابع الاعلانات واخبار التطور الطبي في مجال جراحات الجمال.
ذهبت مها في الصيف قبل الماضي الى باريس واجريت لها عملية شد الاثداء وحققت العملية نجاحاً كبيراً. وقد ادى هذا النجاح الى توسع اطماعها في الجمال، فقررت ان تجري عملية لانفها، فذهبت الى باريس مرة اخرى واجرت عملية تعديل على وضع انفها، وبعد النجاحين تنتظر مها اي تطور في مسألة زراعة الشعر او تقوية الشعر الخفيف، ولكن مها لم تعد تنتظر مجرد تطور الطب في مسألة الشعر بل كرست نفسها لمتابعة اعلانات الجمال كلها لترفع درجة جمالها في مناطق مختلفة من جسدها. فقد سمعت على سبيل المثال ان هناك جراحاً روسياً استطاع ان يزيد طول بعض زبائنه بضعة سنتيمترات.. ففكرت لعلها تصيب بعض سنتيمترات رغم انها لا تعاني من القصر فهي متوسطة الطول، ولكن لا بأس من اضافة بعض سنتيمترات حتى تدخل في طائفة الطويلات. ومثلها مثل غيرها سمعت ان المغني الامريكي مايكل جاكسون استطاع ان يغيِّر لون جلدته السمراء الى بيضاء وهي حنطية ويمكنها ان تصبح بيضاء رسمياً «لِمَ لا؟».
انشغلت مها كثيرا بتغيير نفسها واخذت تنظر في المرآة كثيرا وترى نفسها في خيالها غير هذه المرأة الواقفة امامها، فمرة ترى بشرتها بيضاء ومرة ترى جذعها اطول مما هو الآن وتارة ترى اسنانها ازدادت انتظاما وبياضا، وفي لحظة صفاء تبادر الى ذهنها السؤال التالي:
متى تكف مها عن ان تكون هي مها؟
متى ما وسعت من حدقتي عينيها قليلا وقللت من حجم انفها وكثَّفت شعرها وزادت من طولها وفتَّحت لون بشرتها ستصل في لحظة من اللحظات ان تكون امرأة اخرى.
ترى ما الذي يلعبه شكل الانسان في تحديد هويته؟
نحن نعرف ان الانسان يطرح كل يوم خلايا ويستبدلها بخلايا جديدة اي يعيد تأثيث او صيانة نفسه، فزوجتك او اخوك او ابنك الذي لمسته قبل خمس سنوات عندما سافر ليس هو الذي تلمسه الآن.. فقد تغير جلده تماما وفي الواقع لم يبق في جسده كله خلية واحدة من الخلايا التي لمستها قبل خمس سنوات فيما عدا خلايا الدماغ.
إذاً أنت الآن لست أنت قبل خمس سنوات على الاقل بالنسبة لجسدك إذاً أنت لست جسدك.
فإذا كنت أنت لست جسدك هل سيأتي اليوم الذي تستغني فيه عن جسدك؟
من البديهيات ان نقول فلانة تملك جسدا جميلا وفلاناً يملك جسدا رياضيا، فإذا كانت مها تملك جسدها فهي إذاً ليست جسدها، لانها تملك سيارة وتملك بيتاً وتملك حذاء، فالمرء هو شيء مختلف عن ممتلكاته وطالما انها تملك جسدها فهي إذاً شيء مختلف عن جسدها إذاً من هي مها؟
وما ينطبق على الجسد ينطبق على الدماغ، فمحمد يملك دماغا لا يصلح الا للرياضيات اي ان دماغ محمد مثله مثل جسده هو من ممتلكات محمد، إذاً من أنت؟ إذا لم تكن دماغك وإذا لم تكن جسدك؟
أما اسمك فتستطيع أن تذهب إلى الأحوال المدنية وتغيِّره باعلان في الجريدة.
إذاً من أنت؟
إذا لم تكن جسدك ودماغك واسمك؟
إذا كنت ممن يحبون مثل هذه المماحكات فاقرأ كاتباً تشيكياً يدعى ميلان كونديرا تُرجم كثير من اعماله الى العربية.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved