أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 18th July,2001 العدد:10520الطبعةالاولـي الاربعاء 27 ,ربيع الثاني 1422

مقـالات

البعد الحضاري لهذه الثقافة التونسية
د. عبدالعزيز بن عبدالله السنبل
من المتواتر أن أول من سكن تونس هم الأمازيغ الذين قدموا إليها من الجزيرة العربية، والذين لا يساورني أدنى شك في عروبتهم. وتعاقب على إفريقية أو ما يعرف اليوم بتونس، عدد من الحضارات من بينها الحضارة الفينيقية والرومانية والإسبانية. وآخر هذه الحضارات والباقية حتى اليوم هي الحضارة العربية الإسلامية. هذا التنوع الحضاري جعل من الحضارة والثقافة التونسية ثقافة متعددة الأوجه والأبعاد، أو ما يمكن أن يطلق عليه حضارة الفسيفساء.
ولقد أثرت كل حضارة من هذه الحضارات في بعض الجوانب الثقافية والتراثية في حياة الشعب التونسي، بما في ذلك بطبيعة الحال، فنون الطبخ وأصنافه وتقاليده. فعلى شاكلة كل أبناء المغرب العربي، يعد الكسكس هو الغذاء الرسمي للشعب التونسي خاصة في المناسبات العامة والاحتفالات وبالذات يوم الجمعة. ويقدم الكسكس جنبا الى جنب مع لحم العلوش (الخروف) أو الحوت (السمك) ويضاف إليه صلصة حمراء على خلاف الكسكس الأبيض الموجود في الجزائر والمغرب، وتقدم هذه الوجبة مع القرع الأحمر والكوسا والجزر والبصل والفلفل الأخضر ويزين بحبات من الحمص. ويعتبر الكسكس الوجبة الأساسية التي توارثتها الأجيال جيلا بعد جيل منذ أيام الحضارة الأمازيغية.
وإبان سقوط الخلافة الإسلامة في الأندلس، عادت أفواج عديدة من عرب الأندلس واستقروا في عدة مدن تونسية من بينها زغوان وسليمان وقلعة الأندلس. وهذه المدن تشبه إلى حد كبير التركيبة الجغرافية للأندلس. ولاتزال الأسر في هذه المدن واعية بجذورها الأندلسية ولديها بعض الاحتفالات الخاصة بها، والتي لاتعرفها المدن التونسية الأخرى. وإن كانت الأسر الأندلسية العائدة تمركزت في هذه المدن، إلا أن أعدادا كبيرة من الأسر تفرقت في أجزاء مختلفة من تونس باستثناء المناطق الصحراوية الجنوبية. ولقد أحضر هؤلاء العائدون إلى تونس عاداتهم وتقاليدهم في المأكل والمشرب.
ومن أهم الأكلات التونسية السائدة اليوم، وذات الجذور الأندلسية: النواصر «المقرصدة»، وهي عبارة عن قطع صغيرة من العجين المطبوخ والزبيب، تخلط جميعا مع لحم العلوش«الخروف» وتقدم ساخنة. والبنادق، وهو لحم مفروم يمزج بالبهارات. والفتيّة، وهي عبارة عن مرقة باللفت والحمص. وعين السبانيورية، وهي عبارة عن لحم وبيض ومعدنوس«بقدونس»، تخلط سويا وتتشكل على شكل عين إنسان، وتؤكل ساخنة. واشتهر أهل الأندلس بالتفنن في صنوف الحلويات، ومما ساد في تونس من الحلويات ذات الأصل الأندلسي كعك الورقة، ومكوناتها الدقيق واللوز وتخلط سويا بماء الورد وحلوى معجون الزهر، وتصنع عن طريق طحن أوراق الزهر وتطعم بالسكر الدقيق وتشكل حتى تصح على شاكلة البقلاوة. ويروى أن عرب الأندلس قد استخدموا صنوف الكعك الأندلسي لتخبئة مجوهراتهم وأموالهم وصكوك منازلهم وأخذوها معهم حيثما رحلوا، حتى لايصادرها الحكام الجدد لأسبانيا.
وبحكم الجوار الأوروبي، خاصة مع إيطاليا، تأثرت العادات الغذائية التونسية بالمطبخ الإيطالي حيث يكثر تطييب«طبخ» المقرونة «المعكرونة» الممزوجة بالصلصة الحمراء، والبيتزا التي تنتشر محلاتها بشكل ملحوظ في تونس، وإلى حد ما استخدام اللازانيا الممزوجة باللحم المفروم. ورغم الاستعمار الفرنسي لتونس، إلا أنه لم يترك أثراً ملحوظا على المطبخ التونسي سوى في استخدام الباقيت« الخبز» الباريسي وهو الخبز اليومي الأساسي على المائدة التونسية، والكريب الحلو أو المالح وهو عبارة عن فطيرة تشبه المطبق ولكن على حجم أصغر.
وإبان الحكم العثماني لتونس، خاصة في عهد البايات، انتشر كثير من تقاليد المأكل التركي في الأوساط التونسية ومازالت هذه التقاليد الغذائية معمولاً بها خاصة في الأسر«البلدية» أي ذات الأصول التركية. ومن المأكولات التركية الأصل، الدولما، وهي عبارة عن باذنجان وقرع« كوسا» مع اللحم ويخلط بالفارينة «الطحين» والبيض، ويخلط سويا ثم يقلى ويضاف إليه الصلصة الحمراء.
وتشتهر الأسر البلدية بالطاجين التركي أو طاجين المسلوقة ، وهو عبارة عن لحم وجبن وعظم«بيض» تخلط سويا وتوضع في شرائح كبيرة في ضعف حجم شريحة السمبوسة، ومن ثم تحمّر بالفرن. وتعد مرقة القسطل باللحم والبصل والطماطم، من أنواع المرق التركي المشهور في تونس، ولايضاهيها إلا الكباما، وهي مرقة زعراء «شقراء» من دون طماطم يضاف إليها البطاطس المقلي. وتشتهر الأسر ذات الأصول التركية بصنع أنواع مختلفة من الحلويات من أهمها بقلاوة الباي، والبلوزة، والبوزة، والدرّع، وكعك العنبر ، وحلوى بر الترك المكونة من الجلجلان« السمسم» والفواكه الجافة «المكسرات» والعسل.
ولقد تفنن أمراء الدولة الفاطمية بالمأكولات وصنوفها، ولاتزال هناك أنواع من صنوف الأكل التي تعود في جذورها إلى الدولة الفاطمية التي حكمت تونس في الفترة من 296 ه إلى 362ه. ومن بين هذه المأكولات: البازين، والمسلوقة «مرقة حبوب تؤكل في المولد النبوي»، وسمك القريش «المصبر في الحوامض»، والملوخية، والزلابية، وكعب الغزال وهو نوع من الحلوى، والمسموطة المنعقدة« ضرب من البيض يصنع بطريقة خاصة».
ويبدو أن هناك كثيرا من أصناف الأطعمة وفنون الطبخ التونسي التي تعود جذورها إلى الجزيرة العربية. إذ من الممكن أن تكون قد جلبت إلى تونس منذ الفتح الإسلامي أو من خلال العائدين من الأندلس أو مع هجرات بني هلال. ومن هذه المأكولات: العصيدة، والثريد، والقديد«القفر» والعصبان، وخبز الطابونة«خبز الفرن»، والدوارة، والفول المدمس المضاف إليه الكمون، والقطايف، والملوخية، وهناك العديد من المأكولات الشرقية التي وجدت طريقها بصورة أو بأخرى إلى المطبخ التونسي مثل:«الكفتة، والفلفل المحشي، والبقلاوة، واللبلابي« البليلة بالخبز المفتت».
ويمكن القول إن هناك أنواعا من صنوف الأكل تشارك فيها كافة الجهات التونسية مثل البريك وهو مايشبه السمبوسة ولكنها على شكل نصف دائري، والبسيسة وهي عبارة عن قمح يضاف إليه الحمص المطحون والحبة الحلوة، والسمسم وقشر البرتقال والبهارات والتوابل. وعصيدة الزقوقو «لوز عين الجمل» التي تؤكل في المولد النبوي الشريف، وشوربة الفريك« القمح» التي تؤكل في الشتاء وخاصة في شهر رمضان، والسلطة المشوية، وسلطة أمك حورية والتي تنفرد فيها تونس. والزرير وهو عبارة عن لوز وسمسم وبوفريوة« أبو فروة» تطحن سويا ويضاف إليهم العسل والسمن ويستخدم هذا الأكل للمرأة بعد الولادة. ومن المأكولات الشائعة في تونس، المرمز وهو عبارة عن لحمة تحمس بالزيت والبصل والحمص والبهارات، ويضاف إليها الفلفل الأخضر. وهذه الأكلة تشبه إلى حد ما، ما نسميه بالحميس أو المقلقل. والمرمز أكلة صيفية محببة.
ورغم هذا التشابه في صنوف المطبخ التونسي، إلا أن لمعظم المناطق خصوصيتها، فيشتهر أهل صفاقس بحبهم للمرق، خاصة مرقة الصبارص«نوع من السمك»، ومرقة القنارية« الباميا» ويتفننون في صنع المرطبات« الحلويات» الصفاقسية. ويشتهر أهل جربة بالزميطة، وهي عبارة عن خليط القمح والحلبة وزيت الزيتون. وعرف أهل القيروان بصنع المقروض، وهو نوع من الحلوى المضاف إليها السمسم ومحشوة بالتمر. ويشتهر أهل الجنوب بطبخ لحمة القلة المغمومة والمحكمة الإغلاق، والتي توضع بالجمر أو الكانون« التنور» أو الفرن بعد تبهير اللحم بالزيت والملح والزعفران والثوم والإكليل وتترك حتى تنضج، ومن ثم تقدم للضيوف بعد كسر القلة أمام مرأى الضيوف ومعاينتهم للحم. وكثيرا ماتقدم هذه الوجبة في المناسبات المهمة للغاية، خاصة الرسمية.
ويصنع أهل مطماطة الهريسة، وهي بمثابة الجريش المعروف لدينا، يضاف إليه الفول والعدس والقديد«القفر» ويتناولها الأهالي في يوم عاشوراء. أما أهالي جندوبة وباجة والكاف، ومعظم مدن وقرى الشمال، فيصنعون الغرايف وهي عبارة عن عجينة توضع على الصاج ومن ثم يضاف إليها السمن والعسل. وأهل باجة يشتهرون بالمخارق الباجية وهي نوع من المعجنات الحلوة التي تغمس غمسا بالزيت ويضاف إليها السكر المذاب«الشيرة» بكميات كثيرة ولايمكن لمن يمر بباجة إلا أن يأكل المخارق. وأهل المهدية مشهور عنهم حبهم للساردين، إذ إن الساردين الموجود في سواحلهم يتفوق في طعمه على أنواع الساردين الموجودة في السواحل التونسية الأخرى.
وبسبب الطبيعة الساحلية التي تمتد لأكثر من 600 م من الامتداد الساحلي، يهوى التونسيون أكل الحوت« السمك» وغلال البحر من ربيان وقرنيط«أخطبوط» وسوبيا ومحار وببوش وكلامار رغم الارتفاع النسبي في أسعار هذه المأكولات بسبب التصدير إلى الخارج. ومن أرقى أنواع الأسماك التي تشتهر بها تونس: القاروص والورقة والمناني« الهامور» والتريلية، والسلمن، والبوري، والصبارص، والدنديق، والغزال، والمرجان، والنزلي. وتعد هذه الأنواع الأكثر شيوعاً في المطاعم الراقية، حيث تقدم مشوية مع البطاطس والشكشوكة أو مايسمى «بالتسطيرة» التونسية.
وبشكل عام، يكثر التونسيون من استعمال التن« التونة» والهريسة«الشطة غير السائلة» وزيت الزيتون، والفريت«البطاطس المقلية» في مأكلهم.. ويتناولون القهوة التركية السوداء «الكحلاء» خاصة في الصباح ويسمونها القهوة العربية، ولا أدري كيف حصل هذا الخلط في التسمية« لأن القهوة العربية» خلاف ذلك. والساندويتش الشائع في تونس يسمى الكسكروت، وهو عبارة عن قطعة خبز تحشى بالسلطة الخضراء والتونة وزيت الزيتون والهريسة. وأماكن بيع هذا الكسكروت منتشرة في كل بقعة في تونس.
وبالنسبة إلى الرز الشائع الاستخدام في الشرق والخليج العربي، فإنه ليس من التقاليد التونسية السائدة، وكذلك بالنسبة إلى الحليب البارد، إذ إن البعض يرى شرب الكبار للحليب البارد أمراً مستغرباً حيث إن المتعارف عليه في التقاليد التونسية أن الحليب يشرب ساخناً. ورغم كل هذا التنوع في صنوف الطبخ والأكل التونسي، إلا أن التونسيين معتدلون في مأكلهم ويمتازون بالانتظام في مواعيد تناول الوجبات، وتساعدهم تقاليدهم على التحرك والمشي المستمر لحرق ما يأكلون من مأكولات شهية ولذيذة الطعم.
a.alsunbul@email.ati.tn

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved