| مقـالات
لايزال البون شاسعاً بين المشرق العربي والمغرب العربي في مجال الثقافة، فالمغرب العربي المتمثل في المغرب والجزائر وتونس وليبيا يسير في طريق ثقافي، والمشرق والعربي المتمثل في مصر والشام والعراق والجزيرة العربية يسير في طريق ثقافي آخر. ففي المشرق كانت البوابة اللبنانية هي المدخل الرئيس للقادم من أوروبا، ثم أنشئت الجامعة الأمريكية فثبتت الثقافة العربية بالوجه الاوروبي، وانطلق التحديث في التعليم والصحافة والمسرح في بلاد الشام وقد تزامن ذلك مع التحديث في مصر حيث بدأ الاتصال بأوروبا منذ زمن محمد علي باشا، فقد أرسل البعوث وحرص على الاستفادة من منجزات اوروبا الثقافية ولكن الخطوات كانت بطيئة وغير متتابعة وان كانت ثمارها منظورة في مجال التعليم والصحافة والطباعة والاعلام ، وقد تأثرت بلاد المشرق عامة بالتحديث الحاصل في لبنان ومصر، وان كان هذا التحديث ليس في درجة واحدة في بلدان المشرق العربي، فقد كان في درجات متفاوتة حيث تأتي مصر ولبنان في المقدمة ثم بقية بلاد الشام والعراق، ثم تأتي بعد ذلك بلدان الجزيرة العربية، والتحديث في بلدان المشرق العربي انصهر في بوتقة الثقافة العربية، فلم تنجرف بلاد المشرق العربي في أحضان اللغات الأجنبية الفرنسية والانجليزية، وإنما كانت تأخذ منها بقدر وتترجم تلك اللغات الى اللغة العربية، قيقرأ العربي في المشرق التحديث بلغته العربية. وفي المغرب العربي تأخر التحديث في الثقافة، ثم أخذت بلاد المغرب العربي التحديث بلغته الفرنسية، فأصبحت الفرنسية في الجزائر وتونس والمغرب هي لغة الصحافة والتعليم والاعلام عامة، فالطباعة بالفرنسية والمعاملات بالفرنسية، ولم يبق للغة العربية إلا التعليم الديني وحديث الشارع، فالثقافة في بلاد المغرب العربي فرنسية وهذا عامل مهم في ابتعاد ثقافة المغرب العربي عن ثقافة المشرق العربي، لقد استمرت هيمنة الثقافة الفرنسية بلغتها نصف قرن في عمر المغرب، وأكثر من قرن في الجزائر ، وبعد رحيل المحتل من تونس والجزائر بقيت هيمنة اللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية على التعليم والصحافة ومعاملات الدولة وعموم وسائل الاعلام وامتدت الهيمنة الى المملكة المغربية، لأن المتعلم من معلم وموظف وإعلامي تخرج في مدرسة فرنسية أو جامعة فرنسية بلغتها وعلومها وإن كان مقرها في الجزائر أو تونس أو المملكة المغربية ثم ان الحضارة الفرنسية ببريقها العام جعلت الناس في المغرب العربي يميلون إليها ويزدرون القديم، فقد جاءت الحضارة الفرنسية بكل جديد؛ وازدراء الواقع في الحياة العامة يظهر في أشعار الشعراء في بلاد المغرب، فهذا عبد الله القباج يغض من اللبس القديم في قوله:
ومطربش قد عاف لبس التاج
وصبا للبس الخز والديباج |
وهذا محمد بن ابراهيم يغض من المطعم البلدي في قوله:
يأتيك بالأكل والذباب يتبعه
وكالضباب ذباب المطعم البلدي |
لقد بهرت الحضارة الفرنسية سكان المغرب العربي فانقادوا إليها بما فيها من ثقافة.
هذا هو واقع المشرق العربي والمغرب العربي قبل انشاء الجامعة العربية. وبعد ان نالت شعوب المشرق وشعوب المغرب استقلالها عن الأجنبي، وأنشئت الجامعة العربية بمؤسساتها ومنها المنظمة العربية للثقافة والعلوم، حاولت المنظمة العربية للثقافة والعلوم التقريب بين المغرب العربي والمشرق العربي، وجدّت في ذلك عن طريق الاذاعات الموجهة والصحافة وإعانة بلاد المغرب العربي بمعلمي اللغة العربية،فبدأ التقارب ينمو وإن كان بطيئا لأن بلاد المغرب لم تتجه الى بلاد المشرق فهي منشغلة بقيود الثقافة الفرنسية، فجيل العمل في المغرب العربي لا يعرف الا الثقافة الفرنسية واللغة الفرنسية، فهما وسيلته الى العيش فلابد من الانتصار لهما لا حبا فيهما ولكنهما البضاعة الحاضرة.
ولعلاج واقع العالم العربي بشطريه الشرقي والغربي لابد من وضع برامج جادة من قبل المنظمة العربية للثقافة والعلوم، تتمثل في تبادل المعلمين في التعليم العام، وتبادل أساتذة الجامعات ولو لفصل جامعي وسهولة توزيع الصحف، وتشجيع السياحة، وتيسير أمور المواصلات والاتصالات بين دول المشرق العربي ودول المغرب العربي.
|
|
|
|
|