| الاخيــرة
حينما أحكي لقرائي الكرام بعض ما حدث في زمن غابر من أمور حياتية مرَّ بها جيلنا او سمعتها تحكى، فإنما أهدف اليه في الدرجة الأولى من ذكرها اخذ واعطاء العبرة لمن يعتبر.. ممن يعيش في بلهنية وغضارة من العيش الرغيد.. ليحمد الله الذي أبدله بالجوع شبعاً.. وبالفاقة غنى وبالمرض صحة، وبالخوف أمناً.
ليس عندنا ضمان من الله سبحانه بأن لا تعود الأجيال القادمة الى حياة من البؤس والفاقة كما كان حال من عاش القرن الثالث عشر الهجري واوائل الرابع عشر.
ويقول الفاروق رضي الله عنه «تمعددوا، واخشوشنوا، وانزوا على الخيل نزوا.. وامشوا حفاة ومنتعلين، فإن النعم لا تدوم» او كما قال.
* * *
«النفيعة» هو ما يعطى للبقرة أثناء حلبها من قبل ربة البيت لكي تستأنس وتدر اللبن مادامت تأكل وتلعط من إناء نفيعتها.. والنفيعة عادة كمية من النوى المطبوخ مع شيء من التمر والسفير الذي هو قشرة القمح وما تجمع من فضلات الطعام ونحو ذلك.
وهذه الطبخة البقرية أحب الى البقرة من «الفالوذج» الذي يقدم على خوانات الأمراء العباسيين كنوع من الحلوى اللذيذة.
حكي لنا أن شخصاً كان يعمل في فلاحة إحدى الأسر الفلاحية في بلدتنا، ومن جملة مسؤولياته تعليف الأبقار.
وذات يوم حمل من بيت مُسْتخدِميه قدراً ساخناً مليئاً بالنوى والتمر والسفير ليقدمه عطوفا للبقرة التي سيتولى حلبها.
اعجبته سخونة القدر.. فمد يده وتناول لقمة مما فيه، واستساغه ومد يده ثانية وعاشرة، فما وصل الى مكان البقرة إلا وقد فصفص ما في القدر ولم يترك إلا النوى.
ويحكي رحمه الله قائلاً: انني خجلت أن يراني معازيبي وقد أكلت عطوف او نفيعة بقرتهم.. فوضعت القدر عند البقرة وهربت لأدعي بعد ذلك انني ذهبت لغسل المحلب فأكلت البقرة نفيعتها قبل ان ابدأ بحلبها. بينما المسكينة ترفع رأسها وتخفضه مخاطبة حلاَّبها اين عطوفي للحلب؟ أين نفيعتي؟ ماذا صنعت بها..؟ هل أجبرك الجوع على ان تشاركنا نحن البقر طعامنا؟
انا أدركت حياة هذا الرجل واعرفه جيدا، رجلا تقياً.. مرحاً محبوباً من الجماعة وصدوقاً.
وأذكر أنه رآني يوما راكبا حماري وهو يهرول بي هرولة، كأنه يردح.. فسألني رحمه الله : عبدالله انت آكل اليوم حنيني أو عصيد؟ قلت الله أعلم.. قال اشوف حمارك يرادي بك.. يمكن يبي يهضم أكلك..؟!
هذه صورة او صفحة من حياة المجتمع قبل عصر البترول وتغير الحياة تغيراً جذرياً.. وليت الأبناء والشباب اليوم يجلسون الى كبار السن ويسمعون منهم امثال هذه القصص.. مما يزيد في رجولتهم ويقوّم سلوكياتهم ويدركون به نعمة الله عليهم.
< الأستاذ الأديب حمد القاضي:
أشكر لك ولرفاقك الذين قلت عنهم ما اخجل تواضعي حيال هذه الكتابات.. والثناء منك ومن أمثالك المثقفين باعث قوي ومشجع كبير لي ولغيري ممن ذاكرته أقوى من ذاكرتي.. لك ولمن اشرت اليهم الشكر مضاعفاً.
< المهندس: عبدالعزيز بن محمد السحيباني:
قرأت مع شكري وتقديري ما كتبته في «الجزيرة» في عدد الأحد 17 ربيع الأول 1422ه بعنوان «متمنياً على ابن ادريس ان يستجيب/ نريد أن نرى معظم كتاباتك من هذه النوعية».
اقدر لك وللآخرين هذه المشاعر الكريمة والتجاوب والتفاعل مع هذا القلم الذي يطالبني بين الفينة والفينة ان احيله الى «التقاعد» لولا ما ألمسه في مثل هذه الاتصالات الهاتفية والكتابية وتشبث رئيس تحريرنا ابو بشار بمواصلتي.
ارجو ان اتمكن من تحقيق بعض ما رجوته.. وشكراً وافراً..
|
|
|
|
|